كل المؤشرات التي أرستها الاتصالات والمشاورات المكثفة بين الرئاسات الثلاث والأطراف المعنية مباشرة، وبشكل غير مباشر، بحادثة قبرشمون – البساتين، لا تحمل أية نافذة أمل بأن الطريق أصبحت سالكة وآمنة للولوج إلى حل يرضى به الفريقين المعنيين مباشرة بالحادثة، ولا يترك تداعيات سلبية على الأوضاع العامة لا سيما على الوضع الحكومي الهش.
فالرئيس الحريري حسم امره لجهة عدم ادراج الحادثة على جلسة مجلس الوزراء والتصويت على احالتها إلى المجلس العدلي إرضاء لرئيس الحزب الديمقراطي المير طلال أرسلان، ومن يقف خلفه، ويدعم توجهاته، وذلك قبل ان يقول القضاء العادي كلمته في هذا الصدد استناداً إلى نتائج التحقيقات التي لم تكتمل بعد نتيجة امتناع رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني حتى الآن عن تسليم أحد من محازبيه اما متهمين بالاشتراك في الحادث وإما شهود، في حين ما زال رئيس الحزب الديمقراطي يُصرّ على ادراجها على جدول أعمال أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء وطرحها على التصويت، قبل الانتقال إلى بحث البنود الاخرى المدرجة على جدول أعمال المجلس، فإذا ما حظيت بغالبية تحال على المجلس العدلي، وإذا لم تحظ يطوى هذا الملف، ويتابع مجلس الوزراء درس البنود الأخرى المدرجة على جدول أعماله كالمعتاد بما يُشكّل مخرجاً لائقاً للجميع.
غير أن هذا الاقتراح لا يلقى أي قبول من وزيري الحزب التقدمي الاشتراكي كونه من وجهة نظرهما لا يُشكّل فقط خروجاً علي المقتضيات القانونية، بل يُشكّل أكثر من تحد للحزب التقدمي الاشتراكي بما يمثل ومن يمثل في الجبل، ومن هنا بادر رئيس الحزب وليد جنبلاط إلى طرح حل وسط يقضي باحالة ملفي قبرشمون والشويفات الذي ذهب ضحيته أحد كوادر الحزب التقدمي، وما زال المتهم الأول به طليقاً بعدما احتضنه نظام بشار الأسد ولم تتحرك الدولة ولا أجهزتها لاستعادته واجراء المقتضى القانوني، إلى المجلس العدلي.
وبين هذين الموقفين المتناقضين، يُدرك رئيس الحكومة ان أي جلسة يعقدها مجلس الوزراء ستعرض الحكومة إلى الانفجار من الداخل، وهذا من شأنه أن يحوّل حادثة قبرشمون – البساتين إلى أزمة سياسية بل إلى أزمة حكم تقضي على كل الإحلام المبنية على إنجاز الموازنة الذي حققته حكومته بالتعاون والتنسيق مع المجلس النيابي، ولذلك ما زالت الأوساط المراقبة تستبعد أن يدعو إلى أية جلسة لمجلس الوزراء قبل حل هذه العقدة بالرغم من كل الضغوط التي يتعرّض لها، ومن كل ما قيل في اليومين الماضيين عن وجود اتجاه عنده للدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء استجابة لمتطلبات مصلحة البلد، بصرف النظر عن مآل هذه الجلسة في ظل الانقسام الحاد الحاصل في شأن إحالة ملف حادثة قبرشمون – البساتين إلى المجلس العدلي حتى يستقيم عمل الحكومة وتفي بالتزاماتها الإصلاحية تجاه مؤتمر «سيدر»، مما يعني في حال صحت معلومات الأوساط أن الأزمة مفتوحة، وأن انفراط عقد الحكومة بخطوة يقدم عليها رئيسها أصبح هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً بين الاحتمالات الأخرى التي كثر الحديث عنها في الأيام التي تلت حادثة قبرشمون – البساتين، وما الدعوة إلى التفاؤل التي أطلقها الرئيس الحريري بعد اجتماعه إلى رئيس الجمهورية الا دليلا إضافيا على ان الأزمة ما زالت معقدة وان الدعوة إلى عقد جلسة قريبة لمجلس الوزراء ليست في الحسبان على الأقل خلال الأيام القليلة القادمة.