IMLebanon

المخرَج السحري: عندما يتخلّى باسيل عن «الثلث المعطل» تصبح الحكومة ممكنة

 

احتمال تحقيق اختراق جدّي وإن كان الاتجاه يميل إلى البقاء في الوضع الراهن بانتظار المواجهة الأميركية – الإيرانية 

 

«الصيغة المقبولة صيغة الثلاث عشرات: 10 للرئيس وتياره و10 للحريري وجعجع و10 لـ «الثنائي» مع جنبلاط والمردة»

 

ثمة اقتناع شبه راسخ في الكواليس السياسية لدى «حزب الله» أن الرئيس المكلف  تأليف الحكومة سعد الحريري لا يزال هو رجل المرحلة، ولا يمكن تحمّل الذهاب إلى خيارات أخرى في الواقع الحالي، ويتم تالياً التعامل مع استحقاق تأليف الحكومة من هذا المنظار. في قراءتهم أن عملية التأليف تراوح مكانها نتيجة غياب قوة دفع لولادتها، والحريري غير قادر على خلق دينامية لإنجاز مهمته. تدخل مفردة «مُكَبَّل» على المشهد، والتكبيل يتم ربطه بالعوامل الإقليمية وتحديداً بالمملكة العربية السعودية تحت مسمى العُقد الداخلية، ولا سيما العقدتين المسيحية والدرزية. التوقعات  تذهب إلى ما بعد أيلول المقبل لاحتمال حصول خرق ما، على الرغم من ارتفاع منسوب التفاؤل مع حركة الحريري التي سُجّلت خلال الساعات الماضية، والكلام المُسرَّب عن مسودة صيغة حكومية قد تكون مقبولة من الجميع.

ولا يُخفي «حزب الله» ظنونه من أن تكون العقد الداخلية  تحمل في طياتها محاولة للالتفاف على النتائج السياسية للانتخابات النيابية، ولمنع ترجمة النتائج داخل مجلس الوزراء، وقد عبّر عن هذا القلق الشيخ نبيل قاووق من خلال هجومه المباشر على المملكة، واتهامها أنها بتدخلها أوقفت مسار تشكيل الحكومة.

الكلام عن أن ضوضاء الخلافات على الحصص والأحجام  تتوارى خلفها أسباب إقليمية، لا يتوافق مع المعطيات المتوافرة لدى جهة وزارية معنية بالمفاوضات الجارية حول التأليف. في رأي تلك الجهة، أن العقدة الحقيقية لا تزال تكمن في «الثلث المعطل» الذي يطالب به رئيس «التيار العوني» جبران باسيل. حين يتخلى عن مطلب الحصول على حصة صافية قوامها 11 وزيراً للتيار ورئيس الجمهورية، تصبح الحكومة في متناول اليد، ذلك أن مطلب «الثلث المعطل» الصافي هو العقبة الفعلية رغم محاولة باسيل وفريقه عدم تظهيره بشكل مباشر، وعدم خوض معركته الإعلامية تحت هذا العنوان.

ويبدي متابعون لعملية التأليف كثيراً من اليقين بأن الآلية التي وُضعت لحل العقدة الدرزية تُرضي الأطراف المُعترضة، وهي آلية تنطلق من أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط يسمّي وزيرين بالإضافة إلى موافقته على تسمية الوزير الثالث الذي سيكون مقبولاً من قبل النائب طلال أرسلان من دون أن يكون الأخير وزيراً في الحكومة. كما أنه على الرغم من تأكيد «القوات اللبنانية» على حقها في حقائب وازنة ومنها حقيبة سيادية، فإن إمكانية التعويض عليها بحقيبتين أساسيتين وحقيبتين دون الأساسيتين مطروحة في أذهان مَن يتولى التشكيل، ويُراهن على قبولهم في النهاية بعد انتهاء لعبة «شدّ الحبال». هذا في وقت تجزم فيه أوساط لصيقة بـ «حزب الله» بأن «الحزب» لن يذهب إلى تعقيد الأمور عبر تمسكه بحقيبة معينة، خصوصاً إذا كانت تلك الحقيبة ستضع لبنان في مواجهة المجتمع الدولي. ويأتي هذا الجزم بعدما تسرّب أن «حزب الله» يريد حقيبة الصحة. وفهم من تلك الأوساط اللصيقة أن عين «الحزب» على وزارة الأشغال!

وفي المعلومات أن رئيس مجلس النواب نبيه بري هو مَن تولى، بعيداً عن الأنظار، مسعى حثيثاً لتذليل العقبات أمام التأليف، وأوساطه تصف حركة الحريري بالجدّية من دون أن تكون حاسمة لجهة نجاح الرجل في المهمة. هناك مَن ينقل عن أوساط «التيار الوطني الحر» أنه بات مُقتنعاً ومُدركاً بأن حظوظه في الحصول لوحده على «الثلث المعطل» في الحكومة هي حظوظ معدومة، وليس الحريري هو الجهة الوحيدة الرافضة، بل أيضاً «الثنائي الشيعي»، وبلغة أدق «حزب الله».

الصيغة المقبولة التي من شأنها أن تشق طريقها هي صيغة «الثلاث عشرات»، الموزعة بين الرئيس وتياره، وبين الحريري وجعجع، وبين «الثنائي الشيعي» ومعه الاشتراكي والمردة، بحيث لا يكون أي فريق سياسي يملك لوحده حق الإطاحة بالحكومة عن طريق استقالة أكثر من ثلث أعضائها، كما حصل مع الحريري في حكومة عام 2011 التي أطيح بها من الرابية وهو يجتمع في «البيت الأبيض» مع الرئيس الأميركي.

لكن رغم أجواء التفاؤل التي طبعت مشهد يوم أمس، فإن الاتجاه يميل أكثر إلى أن لبنان سيبقى على وضعه الراهن: الحريري رئيساً مكلفاً ورئيساً لحكومة تصريف الأعمال. وجلّ ما هو مطلوب أن تترافق حال المراوحة مع انضباط نسبي للصراع الداخلي حول الحكومة العتيدة، ما دامت الأشهر المقبلة ليست سوى مرحلة تقطيع وقت، في ظل المواجهة المحتدمة بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من العرب من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى.

غير أن حسابات جديدة ربما تكون وراء احتمال تحقيق الاختراق الكبير، وهي حسابات تنطلق من شعور رئيس الجمهورية بأن عهده أصيب بنكسة فعلية وأنه أصبح عهداً معلقاً، وإدراكه بأنه ارتكب خطاً قاتلاً حين روّج لأحقية باسيل في السباق الرئاسي، وفي أن يكون وريثه بالعهد مخالفاً كل القواعد السياسية والدستورية في البلاد، ما خلق أجواءً بأن عهده شارف على الانتهاء فيما لم يتجاوز السنتين من العمر. ويمكن النظر تالياً إلى البيان التوضيحي الصادر عن مكتب باسيل، أمس الأول، على أنه خطوة استدراكية وتراجع تكتيكي لإعادة بث الروح في جسم العهد المتآكل.

تلك الحسابات قد تؤول إلى اختراق لإخراج التشكيلة الوزارية، من دون أن  يعني ذلك أن الحكومة أضحت خارج المطبّات، لأن «الكباش» عندها سينتقل إلى البيان الوزاري، إذا تمّ استبعاد «سيناريوهات قاتلة» يروّج لها بعض منظري المحور السوري – الإيراني عن محاولة نصب فخ للحريري للإطاحة به من بوابة جلسة الثقة بحكومته، رغم أن الظروف الإقليمية والدولية لا تسمح بمثل هذه «السيناريوهات القاتلة»، بمعزل عن الأكثرية العددية لحلفاء إيران في لبنان والاختلال السياسي الذي أفرزته الانتخابات النيابية، ذلك أن هؤلاء الحلفاء على وعي تام بأن «عرّابهم» قد بدأ مساراً انحدارياً، وأن  حبل الخلاص له لن يكون من دون المقايضة على كثير من الأوراق التي حرص منذ قيام جمهوريته الإسلامية على تجميعها خارج حدوده الجغرافية.