في شهر آب الماضي أجرت مؤسسة تجارية عربية استطلاعاً للرأي في مصر شمل ألفاً من مواطنيها يمثّلون كل مكوّناتها الدينية وفئاتها العمرية والمستويات الثقافية لأبنائها وجغرافية مناطقها. وأظهرت نتائجه كما نشرها مركز أبحاث أميركي عريق في أحد تقاريره أن نظرة 48 في المئة من المُستطلعة آراؤهم إلى سياسات حكومتهم “إيجابية جداً”، ونظرة 24 في المئة “إيجابية باعتدال”. وأظهرت أيضاً أن نظرة 64 في المئة منهم سلبية تجاه “الاخوان المسلمين” وأن “ثلثهم” يمتلكون نظرة “إيجابية جداً” تجاه هؤلاء رغم القمع الذين تعرضوا له من حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وأظهرت ثالثاً أن “خُمسهم” فقط يعتقد أن تفسير الاسلام على نحو متسامح ومعتدل وحديث “فكرة جيدة”. وأظهرت رابعاً أن نظرة 90 في المئة من المُستطلعة آراؤهم إلى “داعش” “سلبية جداً” وأن 24 في المئة منهم يعتبرونها “أول أولوية” لمصر و24 في المئة “ثاني أولوية”. وأظهرت خامساً أن 22 في المئة منهم يعتبرون أولوية مصر الصراع بين المذاهب أو الحركات في الاسلام.
وفي شهر تشرين الأول الأخير اعتبر متخصّصون في مصر من مركز الأبحاث المشار اليه أعلاه، أن الذين سيستفيدون من الانتخابات العامة التي جرت في الخريف الجاري يمثّلون القوى التي تدعم الرئيس السيسي، ولكن من دون أن تصبح جزءاً من حكومته حتى الآن. وذلك سيعطيه دفعاً قوياً ولكن على المدى القريب وخصوصاً إذا نجح مؤيّدوه المرشّحون في المناطق الريفية، وإذا سمحت الظروف للعاملين مع الرئيس السابق حسني مبارك أي “الفلول” أو بعضهم بـ”القيامة”. واعتبر هؤلاء أيضاً أن الانتخابات ستكون عصا غليظة وكذلك عقوبةـ”للاخوان المسلمين”، ولكل الذين أبعدهم النظام أو أبعدوا نفسهم وخصوصاً من الناشطين الثوريين. كما أنها ستكون اختباراً لقوى إسلامية مشت مع النظام أملاً في الحصول على تمثيل واسع في مجلس الشعب باعتبارها بديلاً من “الاخوان”، وكان الاختبار فاشلاً.
في اختصار يبدو أن أحداً من القوى المذكورة وغيرها لن يستطيع تغيير المسيرة السياسية في مصر السيسي، ولا تعبئة حشود شعبية ضخمة للاحتجاج على ممارساتها. إذ بعد أربع سنوات من “الشغب” والاضطراب تبدو غالبية الشعب المصري أو بالأحرى شريحة كبيرة منه غير مُهتمة بثورة جديدة وغير مُبالية بالسياسة إجمالاً. وفي شهر تشرين الثاني الماضي رأى باحثون من المركز البحثي الأميركي العريق نفسه وبعد زيارة بحثٍ وتقصًّ في مصر، أن الشعب المصري يحتاج اليوم، وبعد سنوات من الاضطراب الى فترة استقرار أو إلى مرحلة استقرار. ورأوا أيضاً أن الحكومة المصرية التي يديرها السيسي لا تزال في “شهر عسل” مع غالبية المصريين، لكنهم أشاروا إلى أنها ستُحاسَب لاحقاً على أدائها. فإذا لم تستطيع تلبية طلبات الشعب فإنه قد يعود إلى الشارع، علماً أن ذلك ليس متوقعاً قريباً. وعلماً أيضاً ان احتمالاته ستخف إذا حسَّنت الحكومة من حركتها غير الديموقراطية الموجّهة الى معارضيها الديموقراطيين وغير الديموقراطيين. ورأى هؤلاء ثالثاً أن المبادرات التي اتخذها السيسي وخصوصاً الاقتصادية منها فهمها في سهولة شعبه. لكن إخفاقه لاحقاً في إقناعه باستراتيجيا اقتصادية قابلة للحياة أي للتطبيق والنجاح قد يكون عامل دفع للمصريين لكي ينزلوا إلى الشارع من جديد.
انطلاقاً من ذلك، يسعى المسؤولون المصريون إلى زيادة مساعدات أميركا لبلادهم، وإلى حثّها على تشجيع الاستثمار في الأعمال فيها. علماً أنهم لا يأملون كثيراً في تجاوب الكونغرس، إذ أن أعضاء فيه وسياسيين خارجه يعتبرون أن الرئيس السيسي يمثّل المؤسسة العسكرية، وهو مستقل عنها ويسعى إلى تأمين فرص عمل لشعبه وإلى فرض نفوذه واحترامه.
هل يعني ذلك أن الوضع العام في مصر مستقر؟
كل المؤشّرات المتوافرة تدل على ذلك.
لكن معلومات أوساط إسلامية متنوّعة تفيد أن الرئيس السيسي قد لا يصمد طويلاً في موقعه وأنه قد يُستبدل بعضو من المجلس العسكري أو بمدني. والسبب عدم الإنجاز والبلبلة في السياسات الاقليمية، وعدم امتلاك صيغة لحل المشكلة مع “الإخوان المسلمين” أو على الأقل لاطلاق سراح قسم من الـ 40 ألف معتقل منهم. أما المصادر البحثية فتقول إنه باق الآن رغم الاعتراضات المشار إليها.