Site icon IMLebanon

صُنّاع أسطورة تموز: سلامٌ على من رحل

 

سياسة   ذكرى   علي دقماق،  نور أيوب،  هادي أحمد

 

في 14 آب 2006، جاء نصر الله وجاء الفتح. المقاومة تنتصر، والصامدون يرجعون إلى بيوتهم. في 14 آب 2006، «حدّثت الأرض أخبارها»، بأن الدّم قد أوحى لها، وأن النصر تحت ظلال السيوف. في 14 آب 2006، مئات «المجهولين في الأرض، المعروفين في السماء»، يودّعون رفاقاً قضوا نحبهم، آملين بلقاءٍ قريب. وفي 14 آب 2006، مئات المقاومين يحملون حكاياهم، يخبئونها في صدورهم، إلى «يومٍ معلوم». 14 آب 2006، كان نصراً تلاه نصرٌ تلته انتصارات بأرواحٍ تحدّت الموت… بالموت، وأكملت مسيرةً راغبةً إحدى الحُسنَيين: النصر أو الشهادة… «وما بدّلوا تبديلاً».

«الأخبار»، في عددها، اليوم، تعود مجدّداً كما في عدد 12 تموز الماضي، لتروي بعضاً من سيرة شهداء صنعوا «أسطورة تموز»… سلامٌ على من رحل

 

 

إسماعيل أحمد زهري

«الحاج أبو خليل»

 

مواليد النبطية 1962

توفي في بيروت 2016

 

 

«كان إنساناً شديد التواضع… شجاعاً مقداماً… حاضراً في الميدان، دؤوباً في عمله، حنوناً على الجميع… كان القائد المسؤول حتى آخر الساعات قبيل دخوله في الغيبوبة (توفّي بعد صراعٍ مع المرض)». بهذه الكلمات، نعى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، «الحاج أبو خليل» أبزر قادة السلاح الصاروخي في المقاومة الإسلامية. «كان مسؤولاً عن وحدة صواريخٍ تؤمّن مستوى عالياً من الردع مع العدو الإسرائيلي»، قال «السيّد»، مكرماً أحد وجوه «الرعيل الأوّل»، وأبرز المؤسسين لسلاح «المدفعية» و«الإسناد الناري»، ولاحقاً «الملف الصاروخي». شغل «أبو خليل» مسؤوليّاتٍ عدّة؛ كان محل ثقة قيادة المقاومة، إذ كان معنيّاً عن مهمات سلاح «المدفعية» أثناء العمليات النوعية، في المنطقة الواقعة شمالي نهر الليطاني.

بعد التحرير، عمل «أبو خليل»، على «بناء التشكيل الصاروخي شمالي النهر»، كما ينقل عارفوه، مشيدين بـ«متابعته الميدانية لأدق التفاصيل»، من جولاتٍ تفقديّةٍ دائمة، واختبارٍ لجاهزية الأفراد والسلاح، وصقل مهارات المجاهدين، ورفع معنوياتهم. عام 2004، تولّى مسؤولية «العمليات» في منطقة «شمالي النهر»، لخبرته الكبيرة، وتجربته العملياتية الطويلة ضد العدوّ الإسرائيلي؛ أثبت ــــ حينها ــــ كفاءةً عالية، وخصوصاً لناحية الاستعداد للحرب المقبلة.

في تموز 2006، قاد «أبو خليل» التشكيلات المختلفة، سواء العملياتية أو القتالية، أو تلك التي حافظت على جاهزيتها، فكان ركناً من أركان «منظومة القيادة والسيطرة»، شمالي الليطاني. الغارات الجويّة الإسرائيلية، لم تمنع القائد من مزاولة عمله. التزم ببرنامجٍ يوميٍّ لتفقّد النقاط على امتداد منطقة العمليات المنوطة به. حرص على التأكد من جاهزية المقاومين وأسلحتهم، وإيصال الأوامر الشفهية، وشرح مهمات قيادة المقاومة لغرف العمليات الميدانية، ومعالجاً المشاكل والثغَر الطارئة. هذه الحركة، رغم كثرتها، كان قد «حسبها» بدقةٍ «أبو خليل»، ولكن ـــــ رغم احتياطاته ـــــ كان العدوّ له بالمرصاد. يقول من لازمه إن «مكانين وُجِد فيهما الحاج في الحرب، تعرضا لغاراتٍ جويّة… نجا الحاج بأعجوبة، بعد مغادرته بدقائق»، مشيراً إلى أن «أبو خليل» كان «صاحب قرار حكيم… سواء كان عملياتيّاً أو إدارياً».

 

محمد أحمد بدّاح

«الحاج أبو حسن»

 

مواليد بيت ليف 1970

استشهد في ريف القصير/ سوريا 2013

 

 

كان محمد شابّاً يافعاً لحظة التحاقه بصفوف المقاومة الإسلامية. بين محاور «إقليم التفاح» ومحاور القرى المحاذية للشريط الحدودي، تنقّل ابن بلدة بيت ليف طوال 14 عاماً (منذ عام 1987)، مشاركاً بعملياتٍ نوعيّةٍ عديدة كاقتحام مواقع بسري، وبيت ياحون، واغتيال العميل عقل هاشم. ألِف محمد الميدان والاشتباك، فخضع لمنهجٍ تدريبيٍّ متكامل، من عنصرٍ مقاتلٍ، حتى «آمر كتيبة» مشاة. وفي مطلع 2006، أسندت قيادة المقاومة إلى «أبو حسن» مهمة حفظ التجربة وأرشفتها، والعمل على استخلاص العبر منها، بهدف ترجمتها في مجال التدريب والتأهيل.

خامس أيّام الحرب، توجّه «أبو حسن» قادماً من إيران، إلى منطقة الخيام ــــ دبين ــــ بلاط، حيث أُسندت إليه مسؤولية تلك المنطقة، وسط تقدير قيادة المقاومة بأن تشهد هذه البقعة الجغرافية تقدّماً بريّاً إسرائيليّاً. وصل القائد إلى منطقة مسؤوليته، سارع إلى تقسيم القوات، وتشكيلها، ناشراً المجموعات والكمائن، تمهيداً لأي مواجهةٍ محتملة. حكاياتٌ كثيرة، تروى عن قائدٍ غيّر المعادلة هناك، منذ لحظة وصوله وبدئه بنشر مجموعات المقاومة في منطقة مرجعيون، حيث كان قرار قيادة المقاومة أنّه «ممنوعٌ أن يخرق العدو هذه المنطقة». هنا ترجم «أبو حسن» حنكته، خدع قوّات العدو، وجهّز كميناً محكماً. كان يعلم أن الإسرائيليين يتنصّتون على موجات أجهزة اللاسلكي. طلب من المجاهدين تجهيز عشرات الرمايات الصاروخية بعد ربع ساعة بهدف تدمير «ثكنة مرجعيون». وقعت قوات العدو في الخدعة، أخلى الجنود مكان وجودهم، حيث وقعوا في كمينٍ محكمٍ، أسفر عن سقوط عددٍ من القتلى والجرحى في صفوف العدو، عدا عن تدمير عدد آخر من دبابات «الميركافا» بين ساحة مرجعيون ودبين. ينقل من لازم «أبو حسن»، أنّه قال لنا: «شوفولي إذا في حدا حيّ مِنُن، لقلّو شو المطلوب. بدي أسرى. إذا بعدُن أحياء بدنا نجيب أسرى… مش بس ممنوع يمرقوا من عندكن، بدنا نجيب جثثن إذا فيه». انتصار آب ونتائجه على المقاومة، كان تحدّي «أبو حسن» الجديد، إذ أسندت إليه قيادة المقاومة «ترجمة» تلك التجربة، بهدف تطوير «أساليب العمل». كُلّف بمتابعة ملفاتٍ أساسيّة في «وحدة المشاة المركزية»، مولياً التدريب والتأهيل أهمية قصوى. في تلك الفترة ــــ حتى استشهاده، جال على كل المحاور وخطوط النار، من الحدود الجنوبية حتى الشرقية (ضد العدوّين الإسرائيلي والتكفيري)، لتدوين التجربة واستخلاص عبرها، وتأطيرها «نظريّاً» في المتون التدريبية، وتنفيذها «عمليّاً» خلال المناورات، حتى تحاكي الواقع الحقيقي الذي يعيشه المجاهد.

 

حسن حسين شلهوب

«الحاج نور»

 

مواليد قانا 1971

استشهد في علي النهري 2006

 

 

لم يكن حسن شلهوب قد بلغ عامه الخامس عشر، عندما التحق بصفوف المقاومة الإسلامية. لم يحمل بندقية، ولم يطلق ناراً، لكن جرأته وتعلّمه قيادة السيارات مبكراً دفعا بالمجاهدين للاعتماد عليه في نقل السلاح. مطلع شبابه، وبعد مهماتٍ عدّة في الرصد والاستطلاع، باشر «نور» العمل على «سلاح المدفعية»، لينضم لاحقاً إلى اختصاص «الإسناد الناري»، وصولاً إلى الصواريخ البعيدة المدى، التي برع في استخدامها. في حرب نيسان 1996، أدى دوراً كبيراً في إطلاق الصواريخ من محور صديقين (حوالى 65% من صواريخ المقاومة أطلقت من هناك)؛ أما بعد تحرير عام 2000، فقد كان واحداً من العاملين في «وحدات» نقل الصواريخ، مواكباً مراحلها التدريجية: التصنيع، الإرسال، الاستقبال، والتوزيع، مساهماً بشكلٍ فاعل في بناء «القوة الصاروخية» داخل لبنان: من التوطين إلى رفد الجبهة، والمتابعة، والإشراف الدائمين على الجاهزية.

في حرب تموز 2006، طبّق «نور» ما طلب منه بدقّة، لرفد الجبهة بالسلاح النوعي من الصواريخ البعيدة المدى. تنقله بين لبنان وسوريا أثناء الحرب، وبشكلٍ دائم، جعل من طريقه محفوفاً بالمخاطر؛ ففي 25 تموز 2006، تعرّض لغارةٍ جويّةٍ في منطقة جنتا، أثناء توجهه إلى سوريا. نجا بأعجوبة حيث استطاع ورفيقه القفز من السيارة. بعد عودته من دمشق، استراح ساعاتٍ عدّة في بلدة علي النهري، وعزم على التوجّه فجر 27 تموز إلى الضاحية الجنوبية، حاملاً رسالةً عاجلةً. رصدته طائرة الاستطلاع، وأطلقت صاروخاً على سيارته عند مثلث رياق ـــــ علي النهري. قفز ورفيقه المجاهد خضر صالح إلى مجرى مياه ليحتمي فيه، غير أن الطائرة عاجلته بصاروخٍ آخر، ليستشهد خضر على الفور، ويُنقَل «نور» جريحاً إلى «مشفى رياق». هناك، لم تسعفه المحاولات الطبية، فاستشهد في اليوم نفسه. شهادته لم تكن عابرة. أحد قادة المقاومة يقول ــــ باطمئنانٍ شديد ـــــ إن «الصواريخ النوعية، التي أطلقت طوال حرب تموز على الكيان الإسرائيلي، ساهم نور في إيصالها إلى لبنان». أما المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، فقال في 28 تموز، إننا «اغتلنا القيادي في حزب الله نور شلهوب، بقصف سيارته من الجو»، واصفاً إيّاه بـ«المسؤول عن تهريب الأسلحة المتطورة لحزب الله، وبينها الصواريخ الطويلة المدى».

 

أحمد حبيب سلّوم

«أبو علي مهدي»

 

مواليد النبطية 1975

استشهد في حمص/ سوريا 2013

 

 

أحمد حبيب سلّوم، مجاهدٌ في مقتبل العمر (20 عاماً) كان يتقدّم «مجموعة الخرق»، في عملية اقتحام «موقع الدبشة»، المشرف على مدينة النبطية. وأكثر مواقع العدو الإسرائيلي تحصيناً في المنطقة. إنها الساعة 8.30 صباحاً، مجاهدو المقاومة الإسلامية يهاجمون الموقع، وكاميرا «الإعلام الحربي» توثّق المشهد. كان ذلك صباح يوم السبت 29 تشرين الأوّل 1994. مجاهدٌ يزرع راية المقاومة على إحدى الدشم. أضحى ذلك المشهد «أيقونة» المقاومة لسنوات. حُفر في الذاكرة رسم ذاك المقاوم، لكن هويته ظلّت «مجهولة». إنّه أحمد، الذي عاد مصاباً يومها في فكّه السفلي.

صغر سنّه، وجرحه، لم يمنعاه من مواصلة العمل الجهادي. عام 1996 شارك في عمليتَي بسري، وتصفية العميل طوني نهرا. مشاركاتٌ عديدة حتى تحرير الجنوب في أيّار 2000. لازم «أبو علي» النبطية، مسقط رأسه، ضابطاً ميدانيّاً أساسياً في المنطقة الواقعة شمالي نهر الليطاني، وفي تموز 2006، كان المسؤول الأساسيّ هناك.

سريعاً كان «أبو علي مهدي» في تنظيم التشكيلات العسكرية (العمليات، المعلومات، الدعم البشري، والدعم اللوجستي) مع اندلاع الحرب. نقل القوّة المتمركزة في النبطية من حالة «اللاحرب» إلى الحرب. من هناك، بدأ بإرسال التعزيزات اللازمة إلى كل القرى الأمامية، في منطقة «شمالي الليطاني»، وأحياناً إلى بعض القرى الواقعة الى الجنوب منه، بناءً على طلب قيادة المقاومة، ووفق حاجتها. ظلّ «متأهّباً دائماً»، كما يصفه عارفوه، مشكّلاً «قوّة احتياط» بهدف التدخل لِرفد الجبهات الأمامية، في أيّ وقتٍ تُطلب. هذا «التأهب» كان مرافقاً لـ«إلحاحٍ» دائم. طالب «أبو علي» «قيادة العمليات»، أكثر من مرّةٍ، بالإذن للذهاب على رأس تلك القوّة إلى منطقة «جنوبي النهر»، لكن ما من قرارٍ سمح له بذلك.

مهمّة «أبو علي» لم تقتصر عند هذا الحدّ. كان له دورٌ في استهداف القوّات الإسرائيلية المتقدمة إلى وادي الحجير والغندورية، بالقصف المدفعي والصاروخي أواخر أيّام الحرب، والتي شهدت غاراتٍ جويّةً كثيفة. هناك، في مدينة النبطية، وفي ظل تلك الغارات، «لم يُلاحظ عليه أيّ من علامات الارتباك أو الوهن»، يقول من كان معه، «بل على العكس، دوماً كان يمدّنا بالمعنويات…» يضيف.

 

علي شبيب محمود

«أبو تراب الرويس»

 

مواليد لبايا (البقاع الغربي) 1976

استشهد في دمشق/ سوريا 2013

 

 

اختار «أبو تراب» أن يكون ضريحه في «روضة الشهيدين»، هناك حيث يرقد أخوه محمد شبيب محمود (استشهد في تموز 2006). ملامحه تشي بأنّه قائد، ومن لازمه يؤكّد «النظريّة». اكتسب الثلاثيني حين استشهاده شهرةً واسعة. هو صاحب «القسَم» (نحن قوّة حيدرية)، على قبّة مقام السيدة زينب في العاصمة السورية دمشق. ملأ صوته أرجاء «الصحن». كاميرا «الإعلام الحربي» وثّقت ذلك المشهد، وأحسنت استخدامه. كلمات «أبو تراب» تلك، باتت شعاراً طوال الحرب على الإرهاب التكفيري.

استقى «أبو تراب» من قريته لبايا، البقاعيّة، حب المقاومة. تلك القرية الهادئة عُرفت بمقاومة الاحتلال الفرنسي، قبيل الاستقلال، وبعده… حتى تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في أيّار 2000. باكورة شباب الشهيد كانت في المقاومة الإسلامية، وتحديداً في «القوّة الخاصّة»، حيث كان مسؤولاً عن تدريب قادتها.

أوائل حرب تمّوز، انطلق «أبو تراب» برفقة مجموعة من المجاهدين، من البقاع الغربي، إلى بلدة دبّين في قضاء مرجعيون. انتقلوا عبر يحمر إلى عين الزرقاء، ثمّ بلاط سيراً على الأقدام حتّى دبّين، حاملين سلاحهم وعتادهم الكامل. وصلوا إلى هناك في سادس أيّام الحرب، وتوزّعوا على بيوت البلدة.

عُرف «أبو تراب» بكتمانه الشديد، وحنكته العسكرية. كان من القلّة المدربين على سلاح «B29» المضاد للدروع. كانت تلك الأيام ميدان اختبارٍ له. في مرجعيون، تقدّم مع الشهيد حمزة حيدر «أبو مصطفى» (أحد المشاركين في عملية «الوعد الصادق»؛ استشهد في حمص 2014) باتجاه «مقبرة المسيحيين»، تعرّضوا لاثنتي عشرة غارة. تمكنا من الاحتماء جيّداً، ونَجَوَا. وعندما تقدّمت قوات العدو الإسرائيلي إلى ساحة البلدة، رصد «أبو تراب» حركة دبابات «الميركافا»، رمى الدبابة الأولى، فالثّانية. استطاع أحد الصحافيين توثيق ذلك المشهد. كان دليلاً على انكسار جبروت «عربة الرّب». بين الرميتين، تعرّض لقصفٍ من «دبابة تأمين»، مرابضة على مرتفعٍ مطل. لم يصب بأذى، ظلّ سالماً أيضاً. ينقل من كان معه، أنّه «عندما سُئل عن حاله على الجهاز اللاسلكي… ردّ ممازحاً: نقّزتني».

 

إبراهيم موسى مواسي

«أبو مصطفى»

 

مواليد عيترون 1968

استشهد في باريش 2006

 

 

في تقريرها، بعيد حرب تموز 2006، أقرّت لجنة فينوغراد بأن المقاومة الإسلامية لم تخسر الحرب، بفضل تفوّق «منظومة القيادة والسيطرة» لديها. «سلاح الإشارة» أحد أركان تلك المنظومة، والمجاهدون العاملون في هذا المجال أثبتوا كفاءةً طوال 33 يوماً؛ إبراهيم موسى مواسي أحدهم.

عام 1985، حاز ابن بلدة عيترون الحدودية، شهادة الإلكترونيك من مؤسسة جبل عامل. يومها، كانت المقاومة بأمسّ الحاجة إلى الشباب المختصين تحديداً في «سلاح الإشارة». بشكلٍ سرّي، انضم إبراهيم إلى صفوف المقاومة. وفي مطلع التسعينيات، عمل في «القسم الفني» في «إشارة إقليم التفاح»، معنيّاً بتجهيز «غرف الإشارة»، وتأمين الغرف البديلة، وتركيب الأجهزة اللاسلكية والسنترالات وصيانتها، إضافةً إلى تأمين الاتصالات وتنسيقها خلال العمليات النوعية، بين القيادة ومختلف المجموعات المشاركة؛ وفي عام 1998، انتقل إلى «إشارة عمليات جبل عامل»، حيث أدّى المهمة ذاتها، على امتداد الشريط الحدودي مع العدوّ الإسرائيلي.

بعد تحرير الجنوب، في أيّار 2000، تولّى «أبو مصطفى» مسؤولية «سلاح الإشارة» في المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني. المهمّة ذاتها، ولكن الهدف الرئيسي تطوير هذا السلاح، في «منطقة المسؤولية». بكتمانٍ واصل عمله، وبالسريّة أحاطه، هكذا كان، منذ بدايته الأولى؛ كما يقول من عرفه.

مع اندلاع حرب تموز 2006، كان الشهيد وفريقه على مستوىً عالٍ من الجاهزية. لم يكتفِ بالعمل الإشرافي، بل عمل مع المجاهدين كـ«عامل إشارةٍ»، هدفه تنسيق الاتصالات لـ«تيسير الأمور». ورغم الاستهداف الجوي الإسرائيلي المستمر لـ«غرف الإشارة»، استطاع «أبو مصطفى» إيجاد حلولٍ بديلة، وتأمين غرف احتياطٍ وتجهيزها، إذا ما دمّر العدوّ أيّاً من الغرف الأساسية.

في بلدة باريش، كان «أبو مصطفى» برفقة الشهيد محمد وهبي سرور «الحاج جهاد»، حينما استُهدفت إحدى «غرف العمليات». ارتقى الشهيدان. خسارةٌ معنويّةٌ كبيرة، بوصف من عرفهم، «لكنّ الحادثة لم تؤثّر على مهمة فريق الشهيد، لمتانة ما أعدّه منٍ عمل على أكمل وجه». استمرّت الحرب، وانقضت، وكانت المفاجأة، في استمرار الاتصالات في منطقة جنوبي نهر الليطاني، طوال 33 يوماً.

 

غازي علي جفال

«أبو مهدي»

 

مواليد رشاف 1970

استشهد في رشاف 2006

 

 

قصّة هذا المجاهد أشبه بالسردٍ الملحمي. حكايةٌ من فيلم بطوليٍ لبطلٍ سينمائي. «رابط» بلدة رشاف (أي مسؤولها التنظيمي والعسكري)، أدار منظومته في الحرب ميدانيّاً، منسّقاً مع القرى المحيطة بها، ومساهماً في رفع «الجاهزية العسكرية»، منذ الأيّام الأولى لحرب تموز 2006. بث المعنويات في قلوب المجاهدين، ثم سريعاً، ترجم خطّة الدفاع عن البلدة في الميدان. عبارته الشهيرة رددها «رفاق السلاح»: «إذا دخل الإسرائيلي إلى البلدة، فسوف أواجهه مواجهة استشهادية، لكي يعلم أن في هذه الأرض رجالاً مخلصين لها، ولا يقبلون تدنيسها». في 9 آب 2006، وصلت قوات العدوّ إلى قرية دبل، في مسعىً منها لفتح «ممرٍّ لوجستي» باتجاه بلدة رشاف. استقرّت في أحد المباني، وتبيّن لاحقاً أنّ القوة عبارة عن مجموعةٍ من «كتيبة الهندسة». وعند الحادية عشرة وخمس دقائق من صباح ذلك اليوم، قتل ستة جنود وأصيب عددٌ آخر، فيما عرف لاحقاً بـ«حادثة كاراج دبل». كان «أبو مهدي» من أولئك الذين تعاملوا مع تلك القوّة الإسرائيلية، متسلّحاً برشاشه المضاد للطائرات من طراز 23 ملم.

واصلت قوات العدوّ تقدمها باتجاه رشاف. انتقل «أبو مهدي» من «حارة البيّاض» إلى «حارة البركة» (مسافة 2 كيلومتر تقريباً)، لينضم إلى مجموعة مقاومين اشتبكت مع مجموعات العدوّ، على بعد عشرة أو خمسة عشر متراً لا أكثر. سأل الشهيد رفاقه المجاهدين عن المنزل الذي يوجد في داخله جنود العدو، تقدّم تحت أزيز الرصاص، واقتحم وحده المنزل، وأردى 11 جندياً بين قتيلٍ وجريح. انتهى من المنزل الأول، وعند مغادرته إيّاه، ليقتحم منزلاً آخر، تموضع فيه الجنود أيضاً، أصيب بطلقٍ ناري بالتزامن مع قصف طائرة استطلاع صاروخاً بقربه. استشهد «أبو مهدي»، توسّد تراب بلدته… متمسّكاً ببندقيته، وصارت سيرته جزءاً من رواية تبدأ ولا تنتهي لمقاومين صنعوا المآثر في مسيرة المقاومة.

 

علي محمود صالح

«بلال عدشيت»

 

مواليد عدشيت 1975

استشهد متأثراً بجروحَه في أيلول 2006

 

 

لا يذكر اسم الشهيد علي محمود صالح (بلال عدشيت) إلا وتلحقه عبارة «محطم أسطورة الميركافا». القائد الذي أتقن وحفظ السلاح المضاد للدروع عن ظهر قلب، كان بطل مواجهة وادي الحجير السلوقي الأسطورية. سبق المعركة هناك، مواجهات عدة أوكلت إلى بلال مهمتها، ولعل أبرزها اختياره في عملية الأسر في عيتا الشعب (12 تموز 2006) لضرب أول قذيفة (التي تعتبر الأهم لتكريسها عامل المفاجأة). يومها، قبل بدء العملية بلحظات، ربت الحاج خالد بزي (قاسم) على كتفه وجلس بجانبه ليشاهد كيف سيصنع بلال إنجازاً جديداً. حقق ذلك، وبعد العملية، غادر بلال إلى موقع جديد. في عدشيت، استقر خلال الحرب. وقبل 4 أيام على اقتراب موعد محفل الدبابات، علمت المقاومة أن الإسرائيلي يريد العبور من هناك، ليصل إلى نهر الليطاني. طلب بلال من القيادة، التوجه إلى المحور كي يكوي «عربة الرب». أذنوا له. جاء إلى وادي الحجير، ومن هناك حفر بصواريخ الكورنيت مشهداً جديداً في تاريخ الصراع الطويل. بلال أسطورة ضد الدروع في حزب الله قرر منع أي جندي إسرائيلي من التقاط صورة تشير إلى نصر محتمل. أخذ الدفة إلى الجهة المقابلة تماماً. آخر ما سُمع منه على الجهاز: «الدبابات أمامي». تلقى إذن الرمي، وبدأت لعبة القط والفار. علي مع قبضة الكورنيت، رمى بها أول دبابة، أصابها. حمل القبضة وانتقل إلى نقطة أخرى. حلّقت طائرات الاستطلاع في سماء الحجير لتحدد مكانه، وعلي يركض من حفرة إلى أخرى. يستقر في إحداها، يذخر الصاروخ، ويرميه، ليحرق دبابة أخرى. بدأت الطائرات الحربية بحرق المنطقة حول وادي الحجير. ارتفع الدخان من سفوح الجبال المحيطة بالوادي كما كانت ترتفع من كل نقطة رمى منها صاروخاً، لكن علي حفظ طريقة حماية نفسه، وخبر الانسحاب السريع بعد ضرب الإسرائيلي. قيادة العمليات بدأت تطلب منه الانسحاب. لم يرد على أي من تلك النداءات. واصل فعله بالركض بقبضة «الكورنيت» من نقطة إلى أخرى. أفرغ كل الصواريخ، والنتيجة 15 دبابة. لم يدرك العدو أن كل هذا كان من فعل رجل واحد.

أخيراً، وبعدما أنهى مهمته، كشفته طائرة «MK» في يحمر الشقيف، وأردته بصاروخ ذكي. بقي جريحاً نحو 20 يوماً، وبعدها استفاق لمرة أخيرة. علم أن الحرب انتهت، وأن الانتصار الذي حصل كان أحد مؤرخيه، لتهمد عينه لمرة أخيرة أيضاً، بعدما صورت ذل فخر الصناعات العسكرية الإسرائيلية.

 

محمد أحمد عيسى

»أبو عيسى الإقليم»

 

مواليد جباع 1972

استشهد في القنيطرة/ سوريا 2015

 

 

تستتر حكاية محمد أحمد عيسى، خلف صورته المطبوعة في رأس كل من عرفه. رجلٌ هادئٌ بابتسامةٍ متواضعةٍ لا تفارق وجهه. تدرّج منذ صغره في المقاومة. مقاتلٌ، فمسؤول مجموعة، وصولاً إلى مسؤول محور. محورٌ يختلف مكانه باختلاف المهمات الموكلة إلى «أبو عيسى»، من جنوب لبنان، إلى العراق، فسوريا.

رفض غير مرة مهمّاتٍ تلزمه البقاء بين أربعة جدران، وتحدّ من قدراته ونشاطه العملاني والذهني. إنسانٌ مثقّفٌ من المشاركين القدامى في عمليات المقاومة الإسلامية، إبان مرحلة الاحتلال الإسرائيلي، حينما كان حاضراً في دوريات «الرفيع»، و«جبل صافي»، واللويزة ومليخ…

عام 2004، تسلّم مسؤولية «محور إقليم التفاح»، أما في حرب تموز 2006، فكان دوره منوطاً بالرمايات المدفعية والصاروخية على المستعمرات الإسرائيلية، شمال فلسطين المحتلة. في اليوم العاشر من الحرب، ومع بدء المقاومة استهداف حيفا وما بعدها، بصواريخٍ ذات المدى المتوسّط، عمل «أبو عيسى» على فتح كل طريقٍ يقطعها العدو، حتى يحافظ على منظومة الإمدادات العسكرية، مع منطقتي الخيام ومرجعيون. لم يكتف بذلك، بل استطاع أن «يحقق إصاباتٍ ممتازة بصواريخ الغراد، معرقلاً تقدّم دبابات الميركافا في سهل الخيام»، كما يقول أحد المجاهدين الملازمين له طوال الحرب، مضيفاً إن «أبو عيسى، نصب الكمائن للتصدي لأي إنزالٍ إسرائيلي، في مرتفعات الإقليم ـــــ جزين، ومرتفعات الرفيع وجبل صافي». سأله مساعده بعد أيامٍ قليلةٍ على اندلاع الحرب، عن قدرة الإسرائيلي في الهبوط هناك، ومدة بقائه فيها. أجاب «إذا نزلوا، وعالخطط الموضوعة، حا يتشقفوا… وما يبقى منهن مبشّر».

إدارته الميدانية طوال الحرب، دفعته إلى التنقل دائماً، بين مواقع المجاهدين ونقاطهم، والنوم فيها، ما عرّضه لغاراتٍ عدّة، سقطت بالقرب منه. بكى «أبو عيسى» كثيراً، عند انقضاء الحرب، على شبابٍ استشهدوا، وانتظر سنين ليلتحق بهم في سوريا، عام 2015، أثناء جولةٍ عمليّة في الجنوب السوري، حيث استشهد مع 6 مجاهدين، بغارةٍ إسرائيلية.

 

عادل عبد الله حمادي

«أبو رضا»

 

مواليد الصوانة 1973

استشهد في القلمون/ سوريا 2015

 

 

 

مجهولةٌ «القوّة البحرية» في المقاومة الإسلامية. معالمها «غير واضحة» حتى لأبناء التنظيم نفسه. شهداؤها مجهولون، يسقطون في ميدان عملهم الجهادي، دون المرور على تاريخهم، ومشاركاتهم. لفظُ «مجاهدٍ» فقط، كفيلٌ بأن يختصر تضحياتهم الجسام. عادل عبد الله حمادي، واحد منهم. أربعينيٌّ ارتقى من البرّ، لا من البحر، لكن «حيث يجب أن يكون… كان». «أبو رضا» أحد المعنيين الأساسيين عن «الجبهة البحرية» في المقاومة الإسلامية. اتّسمت طبيعة عمله بالسريّة والكتمان الشديدين، طوال مسيرته الجهاديّة، ولعلَّ ذلك من أبرز أسباب نجاح المقاومة، على هذا الصعيد، وقدرتها على تحقيق المفاجآت ضد العدو الإسرائيلي، في حرب تموز 2006، وعلى رأسها ضرب البارجة «ساعر 5»، مقابل العاصمة اللبنانية. مجاهدٌ منذ شبابه، و«صاحب الروحية العالية، والبشاشة الدائمة كحال البحّار»، على حد وصف رفاقه. له دور أساسيّ في التخطيط والاستعداد، وإكمال جاهزية الأفراد، والسلاح المعنيّ للمواجهة البحرية على الشواطئ اللبنانيّة. في بيروت، كان حاضراً طوال أيّام حرب تموز، حيث أثبت كفاءةً عاليةً في المهمات الموكلة إليه، وجدارةً استحقّها منذ تولّيه المسؤولية (تحفّظ المعنيون عن الحديث حول تلك المهمّات، نظراً إلى طبيعتها وحساسيتها…).

كحبّه للبحر، أحب «أبو رضا» البرّ أيضاً. كان همّه الشهادة فقط، وسعى إليها حثيثاً، طالباً ـــــ وبإلحاحٍ منقطع النظير ــــــ العمل مع مجموعات المقاومة في سوريا، وخاصّةً أن قيادة المقاومة تحفّظت عن مشاركة أيٍّ من مجاهدي «القوّة البحرية» في أي عمل برّي. حصل الشهيد على «استثناء» من القيادة، وانطلق مع مجموعةٍ من رفاقه المجاهدين إلى «التلة الشمالية»، في بلدة فليطا السورية. كان ذلك في أواخر أيّار 2015. دارت اشتباكات حادّة مع الإرهابيين التكفيريين. أُصيب فيها حمادي. نُقِل إلى المستشفى، حيث ارتقى شهيداً بعد يومين في 4 حزيران، من العام نفسه.

من ملف : تموز الانتصارات