Site icon IMLebanon

14 آذار… يصعب أن تتكرّر

 

كم هو بعيد تاريخ 14 آذار الذي تحلّ ذكرى انتفاضته المليونية غداً، فهذا التاريخ اندثر كأنّه حدث غابر، وليس فقط لأنّ عقد أحزاب هذه الانتفاضة انفرط، ليفتح كل حزب على حسابه وفق سلة مصالح مثقوبة… فالمسألة ليست بهذا التبسيط، لأنّ المخطط الممانع بدأ يدكّ أسس «14 آذار» حتى قبل أن تولد لحظتها، وقبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ومن يفتح أوراق مرحلة ما قبل جريمة الاغتيال، وتحديداً ما تعرّض له الرئيس الشهيد على يد بشار الأسد ومندوبه السامي حينذاك رستم غزالي، ونشاط جوقة الزجل المؤتمرة بأوامر النظام الأسدي والمنفّذة للتعاليم الشيطانية، يعرف يقيناً أنّ الهدف كان منع روحية 14 آذار من التشكّل.

 

صحيح أنّ لحظة الاغتيال فعلت فعلها، ودفعت الأسد الابن إلى سحب جيشه من لبنان، وكأنّه بذلك نسف كلّ ما ورثه برعونة وتهوّر، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الجريمة لم تكن صنيعته، فهي تفوقه وتبتلعه، وإن كان جزءاً من المخطط. وهذا ما بيّنته التحقيقات والمعلومات والاغتيالات التي تلتها. وهذا ما بيّنته الأحداث المتتالية منذ ما قبل 14 آذار و14 شباط 2005، مع وضع إيران أسس مشروعها في المنطقة، وتمركزها في عراق ما بعد صدام حسين، كشريك للولايات المتحدة، على الرغم من شعارات «القضاء على الشيطان الأكبر» وما إلى ذلك.

 

وقضى هذا المشروع بقبع كل من يقف حجر عثرة في طريقه فكان الاغتيال حلقة من حلقاته، وكان مخطط القضاء على الانتفاضة السلمية التي دفعت بالدم ثمن وحدتها وشعارها «حرية، سيادة، استقلال» ومطالبتها بتطبيق الدستور والقوانين.

 

ومع الأسف نجح المشروع حتى يومنا هذا. قضى على انتفاضة 14 آذار، مع الإقرار بأنّ أحزابها ساعدته، ربما جرّاء قلّة الخبرة، وأيضاً الخوف مع محطات الاغتيالات واحتلال بيروت، وربما طمعاً بالحصول على مكاسب فئوية لا تراعي المصلحة الوطنية العليا.

 

ولكن لا يمكن إغفال أنّ المشروع ومن خلال «حزب الله» لم يتوقف عند نجاحه في نحر انتفاضة الاستقلال، وإنّما استمرّ وقضى وبوحشية أكثر ضراوة على انتفاضة تشرين الأول 2019، وأفلس البلد وخرّب مؤسساته العامة والخاصة، ومرافقه الحيوية من مصارف ومستشفيات وجامعات وإدارات عامة. وصادر السيادة ومنع انتخاب رئيس للجمهورية، واستفرد بقرار الحرب والسلم ورهن لبنان للمحور الإيراني، وتحت سيطرته، بعدما تمكّن من وأد أحلام اللبنانيين التي راودتهم في لحظة «14 آذار» وما تلاها.

 

واليوم تعود الذكرى ولبنان على فوهة بركان احتمال اندلاع الحرب المفتوحة مع إسرائيل، لأنّ الحزب قرّر «مشاغلة» العدو الصهيوني تحت شعار «الطريق إلى القدس»، مستخدماً أدبيات انتحارية وهمية، كالتأكيد على أنّ مثل هذه الحرب، إذا اندلعت، ستكون بوابة للانتصارات الإلهية التي تفوق انتصار 2006 بعد حرب تموز المدمّرة، التي لم يكن لينقذ «الحزب» من تداعياتها إلا القرار 1701.

 

أما مصير اللبنانيين وأرزاقهم والتعويض على خسائرهم، فلا شأن له بها، محمّلاً المسؤولية لدولة ألغاها خدمة لرأس محوره الإيراني. ولا بأس بتخدير البيئة الحاضنة خلال هذه المغامرة التي قد تفوق بخسائرها مغامرة «لو كنت أعلم»، من خلال الادّعاء أنّه يخوض حرباً استباقية، وأن إسرائيل تتربّص شرّاً بلبنان بمعزل عن تداعيات «عملية طوفان الأقصى»، أو بالتلويح بخطة لإعادة الإعمار ودفع التعويضات وما إلى ذلك.

 

وبالطبع، سيواصل «الحزب» مغامرته الحالية، كعادته، مستفرداً بالساحة اللبنانية، ولن يردعه رادع في غياب أي تشكّلات سياسية تملك مقومات المواجهة… وتحديداً بعد نجاحه في القضاء على لحظة تاريخية شكّلتها انتفاضة «14 آذار». ويصعب أن تتكرّر.