IMLebanon

منظومة «8 آذار» من فوق غير.. خلافاتها من تحت

 

لم يتوانَ «حزبُ الله» عن الإشادة بخطاب رئيس الجمهورية ميشال عون أمام القمة العربية في تونس، وكذلك لم يتردّد الأمينُ العام للحزب السيد حسن نصرالله في تثمين المواقف التي أعلنها الحلفاء وغير الحلفاء خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة لبيروت.

 

هكذا، يمكن القول إنّ العلاقة بين رئيس الجمهورية و«حزب الله» لا تحتاج إلى تنسيقٍ يوميّ أو إلى تحديثٍ منظَّم في ما خصّ القضايا الاستراتيجية. لا غبار على هذا المستوى، حتى لو «انحرف» رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أحياناً في مواقفه، لاعتباراتٍ لا يتردّد أيٌ من حلفائه في تصنيفها في خانة «التمايز» من باب تثبيت موقعه مرشحاً رئاسياً جدّياً يحاول إمساكَ عصا الاصطفافات الإقليمية من وسطها.

 

ولكن عموماً، لا تشوب العلاقة بين طرفي «تفاهم مار مخايل» شائبة من نوع «الخطايا المميتة». لا بل يحرص كل من عون وباسيل على تحصين هذه العلاقة بين الحين والآخر بمواقف جذرية تؤكد ثباتهما في هذا الخندق… حتى لو ذهبت الخلافات في المسائل الداخلية بهما إلى حدّ الصدام مع «حزب الله».

 

بهذا المعنى يصير مشهد التحالف حين يسقط من «فوق روما إلى تحتها»، فاقعاً في تبايناته، وفي تصحّر أرضه بسبب فقدان التنسيق المنتظم بين الحليفين. لا بل أكثر من ذلك، يعتري العلاقة بين كل مكونات الثامن من آذار، خللُ غياب التشاور الاستباقي في ما خص القضايا المحلية.

 

قد يُقال إنّ حالة هذا المحور، بدت معطوبة في هذا الشق منذ نشأته، حيث عجز «دينامو الالتصاق» بين هذه المكونات، وهو «حزب الله» على مدار السنوات، من تجاوز المسافات الفاصلة بين حلفائه، لا بل عانى الأمرّين بين حليفه البرتقالي، وبين شريكه الشيعي أي الرئيس نبيه بري…. فيما جولات من الاشتباكات والتراكمات السلبية تجعل العودة بعقارب علاقة «التيار الوطني الحر» و«تيار المردة» إلى الوراء من المستحيلات.

 

طبعاً، حاول «حزب الله» قدر المستطاع تهدئة هذه الجبهات، خصوصاً في ما خصّ مسار عون – بري وبينهما «التيار الوطني الحر»، وقد نجح بالفعل في دفع حليفيه إلى خطّ التقاء وسطي يسمح لهما بالتراجع عن المتاريس للنظر بإيجابية إلى النصف الملآن في الكوب، بعما اقتنع باسيل أنّ بري هو الممرُّ الإلزامي لنجاح عهد عون.

 

لا بل أكثر من ذلك، يُشهد لباسيل أنه قادر، حين تدفعه اعتباراتُه الذاتية إلى تشغيل محرك لقاءاته في أقصى قوته وسرعته، حين يكون الأمر متعلقاً بمقعد وزاري، أو بملف يهمه، فيكثف اتصالاته مع «الحزب» أو مع أيّ طرف متصل بها الملف… بينما يبدو راهناً وكأنه يدير الأُذن الصماء، على رغم من «وزن» الملفات المُثارة وأهميتها.

 

ومع ذلك، يجزم أحدُ المسؤولين البارزين في قوى الثامن من آذار، أنّ جسر التنسيق بين المكوّنات الأربعة، يكاد يكون مقطوعاً، وفي أحسن حالاته «معطوباً».

 

ويشير إلى أنّ كل الحكومات التي عرفتها عهود ما بعد «اتفاق الطائف»، في كفة، وحكومة سعد الحريري الثانية في عهد الرئيس ميشال عون، في كفّة. وإنّ الأزمة الاقتصادية – المالية التي تضرب لبنان تسلب الترفَ من أيدي كل القوى السياسية. فإما تنجح هذه الحكومة في حمل المالية العامة إلى برّ الأمان، وإما غرق المركب بمَن فيه. ولا استثناءَ لأيّ طرف.

 

وعلى رغم من دقة هذه المرحلة، فإنّ قوى 8 آذار المتفقة في ما بينها على قضايا استراتيجية مهمة ومعقدة، تعجز عن التفاهم على استراتيجية أو رؤية موحّدة لمقاربة الأزمة الضاغطة. تتعاطى مكوّنات هذا المحور مع القضايا الداخلية الملحّة بشيء من العفوية أو الارتجال… وفي أفضل الحالات «على القطعة».

 

ولا يتوانى هذا المسؤول عن تحميل جميع حلفائه مسؤولية التراخي في الجلوس الى طاولة مصغرة مستديرة قادرة على جمع طروحات هذا الفريق ضمن طرح واحد لتقديمها بنحوٍ ثابتٍ ومدعومٍ إلى مجلس الوزراء.

 

ويعطي ملف الكهرباء نموذجاً فاقعاً لهذا التطاير في الطروحات بين أبناء الصف الواحد. إذ إنّ مصادفة وجود وزراء قوى 8 آذار على طاولة اللجنة الوزارية المصغّرة هي التي جمعت هؤلاء في غرفة واحدة. ومع ذلك، فإنّ كلاً منهم يغنّي على ليلاه.

 

ولا ينفي المسؤول نفسُه أنّ خطوط الاتصال الساخنة بين الحريري وباسيل ساهمت بعض الشيء في تبريد بقية الخطوط، حيث فضّل باسيل الجلوس لساعات في ضيافة رئيس الحكومة لمناقشة خطة الكهرباء، في وقت لم يمنح حلفاءه قليلاً من الوقت لسؤالهم عن رأيهم فيها، حيث تسلّم وزراء 8 آذار، كما غيرهم من الوزراء، الخطة قبل ساعات من موعد الجلسة التي عرضتها خلالها الوزيرة ندى البستاني.

 

ويقول إنّ ملف الكهرباء المتوارَث منذ عشرات السنين وحمل المالية العامة إلى حافة الانهيار، لم يداوِ الحساسيات القائمة بين مكوّنات هذا المحور، فدخل هؤلاء إلى اللجنة الوزارية مثقلين بتبايناتهم. وحده «حزب الله» يعرف ماذا يريد من الخطة وما هي المحاذير والخطوط الحمر التي يرفض تجاوزَها، كالخصخصة مثلاً أو تأجيل تأهيل شبكات النقل في الجنوب إلى مراحل متقدمة كما يرد في الخطة، أو رفع التسعيرة قبل الوصول الى أكثر من 20 ساعة إنتاج، في المقابل يبدي مرونة تجاه المرحلة الانتقالية شرط أن تكون الأرخص والأسرع تنفيذاً.

 

إذاً، ثمّة حلقة مفقودة، قد يكون غيابُها متعمّداً بسبب تضارب المصالح، وقد يكون بسبب تراكمات الخلافات. ولكن الأكيد أنّ المرحلة الاستثنائية تستدعي حسب المسؤول البارز في قوى 8 آذار، رفعَ درجة التنسيق، حتى في حالات الخلافات، لأنّ الحوارات الثنائية والثلاثية من شأنها أن تخفّف من حدة هذه الخلافات.