الحكومة تُدير محرّكاتها نحو صندوق النقد… والإستعانة تقنيّة
هل تفلح الحكومة بإجراءاتها الإصلاحية؟
السياسيون حائرون، يفكرون، يتساءلون… هل على الحكومة اللبنانية تسديد دَين سندات اليوروبوند التي ستستحق بعد أسبوعين أم لا ؟. وماذا عن استحقاقَي نيسان وحزيران في حال كان الجواب نعم؟… حسْم تلك المسألة سيكون اليوم في جلسة مجلس الوزراء المرتقبة.
على رغم مداخلات النواب في “جلسة الثقة ناقص واحد”، وتفاوت الآراء حول مسألة تسديد دَين آذار أو إعادة جدوَلته أو إعادة هيكلته…، استجدّت أمس معلومة تمحورت حول إعلان مصدر حكومي لـ”رويتز” أن “لبنان سيطلب من صندوق النقد الدولي مساعدة فنيّة لوضع خطة لتحقيق الاستقرار لأزمته المالية والاقتصادية بما في ذلك كيفية إعادة هيكلة ديونه العامة”. وأشار المصدر إلى أن “كان هناك اتصال مع صندوق النقد الدولي، لكنّ لبنان سيرسل طلباً رسمياً في الساعات المقبلة لإنشاء فريق مخصص للتعامل مع المساعدة الفنية”.
ويأتي ذلك الإعلان بعد بيان أصدرته جمعية المصارف حيث حسمت أمرها ورأت ضرورة تسديد لبنان لدينه نظراً الى ضيق الوقت. وجاء في بيانها أنّ “التخلف عن سداد ديون لبنان الخارجية يشكِّل حدثاً جللاً تتوجّب مقاربته بكثيرٍ من الدقة والتحسّب، وأن المطروح في الواقع هو إعادة برمجة الدين أو إعادة هيكلته بالتفاهم مع الدائنين. ويتطلب إنجاز هذا الأمر وقتاً واتصالات وآليات تتطابق مع المعايير الدولية ومع المقاربات المماثلة التي اعتمدتها دول أخرى وتستدعي الاستعانة بالجهات الدولية المختصّة من أجل بناء برامج مالية ونقدية ذات مصداقية”. ولفتت إلى أنّ “الفترة المتبقّية حتى استحقاق الدين في آذار هي قصيرة جداً لا تتيح التحضير والتعامل بكفاءَة مع هذه القضية الوطنية الهامة”.
ورأت الجمعية أنه “حمايةً لمصالح المودعين ومحافظةً على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية، وصوناً لعلاقاته مع المصارف المراسلة وجُلّها من الدائنين الخارجيّين، يجب سداد استحقاق آذار في موعده والشروع فوراً في الإجراءات المطلوبة لمعالجة ملف الدين العام بكامله”.
مصيبتان
من هنا، فإن الحكومة اليوم باتت أمام معضلتين شائكتين، إذا لم تُسدّد استحقاق آذار سيكون الأمر “مصيبة”، باعتبار أن “صيت” لبنان أمام المجتمع الدولي على المحكّ. واذا سدّدت دين الـ 1.2 مليار دولار، المصيبة ستكون أعظم، اذ ستدفع ذلك من أموال المودعين. وبذلك يقع المواطن كالعادة كبش المحرقة ويتحمّل ثمن السرقة التي قام بها “مسؤولونا” للأموال العامة، وثمن خططهم الفاشلة التي جاءت مجبولة بالمحاصصة السياسية.
فكيفما سارت الأمور، “مش ماشي الحال”، فهل تُعتبر بذلك استشارة صندوق النقد الدولي التقنية، حلاً لتلك الأحجية، أم مقدّمة للدخول تحت “سيطرته”؟ الأمر الذي سيكون نهاية مطافنا مهما كابرنا، وللأسف.
إعادة الجدوَلة
في هذا السياق، يؤيّد عميد كلية إدارة الأعمال والاقتصاد في جامعة الحكمة روك أنطوان مهنّا في حديث إلى “نداء الوطن” نظرية إعادة جدوَلة الدين وليس هيكلة الدين، الى أقصى الحدود وعدم تسديد الـ1.2 مليار دولار في آذار، رغم الإشارة السلبية التي قد يتركها ذلك على الأسواق.
ويرى أن الجلوس للتفاوض مع الدائنين أمر ملحّ و”يجب أن يبدأ في أسرع وقت ممكن لأن الوقت يداهمنا، ولم يفت الأوان بعد”. مشيراً الى أن “نسبة 60% من استحقاق آذار هي خارجية لصناديق استثمارية والـ40% المتبقية تنقسم الى جزأين 20% منها للمصارف المحلية و20% لمصرف لبنان”.
وبالنسبة الى الدين الداخلي يؤكّد مهنا أنه “يمكن السيطرة عليه ولكن المعضلة تكمن في الدين الخارجي وفي تداعياته، خصوصاً اذا حلّ تاريخ الإستحقاق ولم نقم بأي تدبير أو أي “خطوة تفاوضية” مع المجتمع الدولي”. موضحاً أنه “في تلك الحالة نرسل إشارة سلبية الى الأسواق المالية، ما يرتدّ سلباً على سندات الدين التي تنخفض أسعارها ونصنّف في خانة التخلّف عن سداد الدين أي في حالة إفلاس”.
ويلفت الى أنه “في حال أقدمت الدولة على تسديد دين آذار ماذا ستفعل في استحقاقَي نيسان وحزيران؟”. وفي ما يتعلق بالتداعيات الإيجابية لإعادة الجدوَلة بعيداً عن إعادة الهيكلة، يُشير إلى أن “التفاوض مع الدائنين والإتفاق معهم على إعادة جدولة الدين من شأنه المحافظة على احتياطي مصرف لبنان الذي يُنفق جزء منه على دعم القمح والبنزين والدواء”.
وحول فكرة طلب رأي صندوق النقد الدولي، يعتبر أنه “لا مانع من الجلوس مع صندوق النقد وحتى طلب الإستشارة التقنية وتقديم ورقة مقترحات، وهنا لا بد من الإشارة الى أنه يجب ألّا نخشى من سيطرة صندوق النقد على لبنان. ومقابل كل ذلك يجب أن تكون لدينا خطة إقتصادية متكاملة، أكان في الإصلاحات أو الإجراءات وخريطة طريق واضحة للتفاوض. وبالنسبة الى الدين السيادي الداخلي والذي هو بمعظمه بالليرة اللبنانية، من الضروري إعادة جدولته بأسرع وقت ممكن وهو لا يشكّل أي خطر على أسعار سندات لبنان السيادية ولا يرسل اي ذبذبات سلبية، كون السيطرة عليه أمراً ممكناً”.
السندات… والدائنون
والذبذبات السلبية حول إمكانية عدم وفاء لبنان بدينه انعكست أمس على قيمة السندات السيادية، اذ أوردت وكالة “بلومبرغ” أن السندات بقيمة 1.2 مليار دولار والمستحقة في 9 آذار، هبطت 10 سنتات إلى 72 سنتاً للدولار في لندن امس. وهوت سندات لبنان المستحقة في نيسان من العام المقبل والبالغة 2.1 مليار دولار 7 سنتات إلى 39، مع ارتفاع العائد أكثر من 100٪ الأمر الذي يشكّل سابقة.
وفي خضم معمعة كيفية تسديد الدين، خرجت شركتا “غريلوك كابيتال” و”مانغارت أدفيزورز” الى العلن للقول كما جاء في “رويترز” “إن مجموعة من الدائنين الدوليين للبنان، تشمل الشركتين، نظمت “مجموعة نقاش غير رسمية” مع استمرار تفاقم وضع ديون لبنان”.
وجاء في بيان صادر عن الشركتين إن المجموعة “ستبدأ تقييم خيارات بشأن كيفية إدارة المقرضين لتطورات الوضع في لبنان”. وأعلن هانز هومز، الرئيس التنفيذي لغريلوك ومقرها نيويورك في بيان أيضاً، أن “المجموعة ستسهّل التواصل بين الدائنين المختلفين والوقوف على أهبة الاستعداد للتواصل مع الجمهورية اللبنانية في أي مباحثات”.
وبانتظار ما ستؤول اليه جلسة مجلس الوزراء اليوم، لا بد من التشديد على ما لفت اليه النائبان ميشال ضاهر وسليم سعادة خلال جلسة “الثقة “، حول خطورة تسديد استحقاق آذار، اذ اعتبرا أن “هذا الأمر سيكون من كيس المودعين الذين سيسدّدون دين الدولة، ما سيجعلنا ننحدر أكثر فأكثر ويصيبنا ما أصاب فنزويلا”. على أمل أن يؤخذ بتلك الآراء المعارضة في حكومة اللون أو الـLoan الواحد بل برأي صندوق النقد الدولي لنرسو على برّ السكّة الإصلاحية!