هل سيخسر لبنان قسماً كبيراً من ثروته النفطية في المنطقة الإقتصادية الخالصة قبل أن يعمد المسؤولون الى تقاسم حصصهم منها على قاعدة 6 و6 مكرّر بسبب إسرائيل التي تبذل قصارى جهدها لسرقة ما يُمكنها من هذه الثروة؟ وهل صحيح بأنّ التسوية التي طرحها السفير الأميركي فريديريك هوف الذي أشرف على الجهود المبذولة للتوفيق بين المزاعم اللبنانية والإسرائيلية حول المنطقة المذكورة هي لصالح لبنان أم إسرائيل؟
لم يخسر لبنان شيئاً حتى الآن، تقول أوساط ديبلوماسية متابعة للملف، رغم كلّ المحاولات الإسرائيلية، والتسوية التي طرحها هوف تقتطع فعلياً قسماً من بلوكات المنطقة الإقتصادية الخالصة، وبالتالي من ثروة لبنان النفطية إذ تسمح لإسرائيل بالإستيلاء عليها والتنقيب فيها. ولهذا فإنّ الجانب الإسرائيلي يوافق على ما تمّ طرحه لترسيم الحدود لأنّه يصبّ في مصلحته، وهو يُطالب الأمم المتحدة بالإسراع في عملية ترسيم الحدود البحرية لبدء أعمال التنقيب عن النفط واستخراجه وبيعه، وإلاّ فإنّ النزاع الحاصل سيبقي عملها مجمّداً في هذا الإطار.
وفي الواقع جرى تحريك ملف النفط من قبل الجانب الإسرائيلي أخيراً تزامناً مع إطلاق لبنان المناقصات أمام الشركات الأجنبية الراغبة في تلزيم البلوكات، على ما أوضحت الاوساط، ويكاد هذا الأمر يُشكّل ذريعة جديدة أمام إسرائيل لتهديد لبنان بحرب جديدة عليه. فهي تريد احتلال أجزاء من المنطقة الإقتصادية الخالصة، على غرار احتلالها لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا رغم كلّ القرارات الدولية التي تُطالبها بالإنسحاب منها لا سيما القرار 1701، كما أنّها طالبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية بالضغط على لبنان لوقف عملية تراخيص التنقيب عن الغاز والنفط بحجّة أنّ ثمّة نزاع على بعض البلوكات بينها وبين الجانب اللبناني، لكي لا يتمّ تلزيمها وبدء العمل بالتنقيب فيها لا سيما البلوكات 8 و9 و10 التي تريد السيطرة عليها وتصل مساحتها الى 863 كلم مربعاً.
وتؤكّد الأوساط نفسها أنّ إسرائيل قامت بإثارة موضوع النزاع بينها وبين لبنان على هذه البلوكات لدى الأمم المتحدة، والإدعاء بأنّها تدخل ضمن حدودها البحرية لسببين مهمين: الأول، عرقلة مسألة منح التراخيص وعدم متابعة عملية التلزيمات للشركات الأجنبية المرشّحة لدخول المناقصات من قبل الجانب اللبناني. والثاني، إخافة الشركات الكبرى التي تودّ الإستثمار في الثروة النفطية اللبنانية ودفعها الى سحب إستثماراتها من خلال التأكيد على أنّ ثمّة بلوكات متنازع عليها بين الجانبين ولا يمكنها بالتالي الإتفاق مع لبنان بمفرده بشأنها وإلاّ فإنّ الإتفاقات ستكون باطلة. وقد يكون هناك سبب ثالث يتعلّق بمحاولة إسرائيل الدخول على خط المناقصة والإستثمار في البلوكات، بشكل غير مباشر، عن طريق إحدى الشركات التي تربطها بها علاقات مميّزة مثل بعض الشركات الأميركية.
وإذ سارعت إسرائيل، بحسب المعلومات، الى نقل الشكوى الى الأمم المتحدة، فإنّ لبنان ردّ عليها برسالة الى البعثة الدائمة في نيويورك رفعتها بدورها الى الأمم المتحدة رفضت خلالها كلّ الإدعاءات الإسرائيلية، وأظهرت لوائح الإحداثيات الجغرافية لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان وفلسطين التي أرسلتها الجمهورية اللبنانية الى مكتب الأمين العام في 14 تموز 2010 و19 تشرين الأول 2011 وهي تتضمن أنّ المربعات 8 و9 و10 موجودة في مناطق يملكها لبنان. كما ذكّرت بأنّه سبق للبنان وأن اعترض رسمياً على اتفاقية ترسيم الحدود بين قبرص وإسرائيل في 17 كانون الأول 2010، وعلى الإحداثيات الجغرافية للحدود الشمالية للمنطقة الإقتصادية الخالصة التي تدعي إسرائيل ملكيتها. وأكّدت على التزام لبنان بالقانون الدولي وبالتحديد ببنود معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار في شأن ترسيم الحدود البحرية، والتي لم توقّع عليها إسرائيل حتى الآن.
ولا يبدي المسؤولون اللبنانيون أي خشية من التحرّك الإسرائيلي لدى المنظمة الدولية، على ما كشفت الأوساط نفسها، علماً أنّ إسرائيل تصرّ على موقفها من أنّ البلوكات المذكورة هي ملك لها، وتحاول الضغط في الأمم المتحدة لترسيم الحدود البحرية وفق ادعاءاتها لتتمكّن من العمل ضمن هذه المربّعات. ويُحمّل هؤلاء المسؤولية لإسرائيل في حال قامت بقضم حقوق لبنان البحرية، علماً أنّ الأمر لن يكون سهلاً، وقد يتسبّب بحرب جديدة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي.
غير أنّ لبنان لم يقف مكتوف الأيدي أمام الإدعاءات الإسرائيلية، على ما شدّدت الاوساط، وهو لن يوافق بالتالي على أن يتنازل عن أي كلم من ثروته البحرية، وقد قام بإبلاغ الأمم المتحدة بحدوده البحرية وأرفق الرسالة بالخرائط الرسمية التي تؤكّد على الحدود المتداخلة مع إسرائيل من جهة وقبرص من جهة ثانية. ويأمل بأن تضع الأمم المتحدة ترسيماً واضحاً، مثل الخط الأزرق البرّي الفاصل بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي من أجل حلّ النزاع البحري بطريقة نهائية. علماً أن ترسيم الحدود قد لا يحلّ كلّ المشاكل القائمة مع إسرائيل والتي غالباً ما تبتدعها من أجل توتير الوضع اللبناني، أو الإيحاء بأنّه ليس موضع ثقة بالنسبة للشركات الأجنبية.
أمّا في حال تباطأت الأمم المتحدة في اتخاذ القرار المناسب الذي يعطي لبنان حقوقه لا سيما وأنّ الولايات المتحدة وبعض الدول الكبرى الأخرى تدعم إسرائيل في كلّ قراراتها، فإنّه يبقى أمام لبنان خيارات أخرى لتحصيل حقوقه منها اللجوء الى المحكمة الدولية، وهو خيار يؤخّر بدء العمل في البلوكات المتنازع عليها لأنّ المحاكمة تتطلّب وقتاً طويلاً في العادة، أو الى الردع العسكري، وفي ذلك الخيار خطورة أيضاً على أمن واستقرار البلاد خصوصاً إذا ما قرّرت إسرائيل توسيع دائرة معركتها لتشنّ حرباً جديدة على «حزب الله» في لبنان، بحجّة ردعها بالقوّة عن الإستيلاء على الحقوق اللبنانية. علماً أنّ الحزب يحمي المنطقة الجنوبية للبنان الى جانب الجيش اللبناني، منذ زمن بحراً وبرّاً وجوّاً رغم اختراق الجانب الإسرائيلي للسيادة اللبنانية آلاف المرّات.
ولهذا فلا أحد يعلم إن كانت إسرائيل تريد من خلال إدّعاءاتها هذه محاولة الإستيلاء رسمياً على الحقوق البحرية اللبنانية في حال نجحت في إقناع الأمم المتحدة، أم أنّها تقوم بمثل هذه الخطوة التصعيدية من أجل تبرير حربها المقبلة على «حزب الله» بعد أن أصبحت تُدرك حجم الأسلحة التي يمتلكها والتي تجد أنّها قد تعيق تحرّك سفنها ومشاريعها في المنطقة البحرية في حال نشوب أي حرب بينها وبين لبنان. غير أنّ الحزب سيعترض على كلّ ما تحاوله إسرائيل من تسوية نفطية تُشكّل خطراً عليه وعلى وجوده.
في الوقت نفسه، أفادت المعلومات بأنّ لبنان ماضٍ في دورة التراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في الموعد الذي جرى الإعلان عنه في منتصف أيلول المقبل، وهو سيُلزّم الشركات التي تعترف بملكيته للبلوكات المتنازع عليها.