IMLebanon

للبطريركية المارونيّة رأيها وعلى المسؤولين تقبُّل الرأي الآخر!

 

رغم ابتعاد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من المقرِّ الشتويّ في بكركي وإقامته في المقرِّ الصيفيّ بالديمان، لم تتأثر حركتُه الوطنية السياسية الناشطة، إذ لا يخلو مقرُّه يومياً من الزوار السياسيين من كل المستويات وهو يقارب معهم الملفات السياسية برؤية شاملة، ولعلّ ما يقلق المواطنين اللبنانيين يقلق البطريرك، وما يريحهم يريحه هو العارف بصمت كواليسَ الأمور وخفاياها.

 

أوّل ما كان يقلق الراعي الأزمة التي نتجت من حادثة قبرشمون والشلل الحكومي، لذا ارتاح كثيراً للقاء المصالحة والمصارحة الذي حصل في قصر بعبدا، وما أدّى اليه من وفاق بين الطرفين الدرزيَّين. وتقول أوساط الديمان إنّ البطريرك تمنى أن تعمّ المصالحات كل الطوائف وأن تصبّ في المصلحة الوطنية كالاتفاق على مستقبل لبنان في هذه المرحلة الدقيقة، لكنه يفضّل العودة إلى الدستور عندما يحصل خلاف بين القوى السياسية بدلاً من تبويس اللّحى، وتعتبر أوساط الديمان أنّ هناك دولة لديها دستور وقوانين ونظام، وحدها يجب أن تكون المرجعية التي يحتكم اليها عند وقوع خلاف لأنه يعلم أنّ التسويات خارج إطار المؤسسات والدستور سرعان ما تسقط وتفشل.

 

الملف الثاني الشائك الذي شغل الراعي في الآونة الأخيرة هو تعرّض موقوفين من «طائفة واحدة»، أي الطائفة المسيحية، للتعذيب لدى شعبة المعلومات.

 

والمعروف عن البطريرك الراعي أنه رجلٌ مسؤول، حريصٌ على صدقيّته ولا يسمح لنفسه أن يتكلم بموضوع لا يملك مستنداتٍ عنه، بل معلومات صحيحة ودقيقة. مع ذلك تقول الأوساط إنه يحرص على أن يكون مرشداً لا ناقداً. لم يشأ الراعي أن يشنّ هجوماً على شعبة المعلومات خلافاً لما روّج له في الإعلام، بل قال «نُمي الينا» معلومات عن هذه القضية وتمنى على مديرية قوى الأمن الداخلي أن تعالج هذا الموضوع إذا كان صحيحاً. حتماً البطريرك لم يستهدف شعبة المعلومات إنما تأتيه معطيات ومعلومات لا يتكلم عنها إلّا إذا تقاطعت مع معلومات من مصادر أخرى ويتثبّت منها جيداً، ثم يعلن موقفه. والجدير بالذكر أنّ البطريرك الماروني تتوفّر لديه ملفاتٌ حول كل ما يحصل في الدولة اللبنانية والأجهزة الأمنية وهو حريص على كرامة الإنسان وحقوقه. وتلفت أوساط الديمان أنّ المسؤولين في الدولة يجب أن يعتادوا على تقبّل الرأي الآخر والنقد عموماً.

 

البطريرك ثمّن زيارة وزيرة الداخلية ريا الحسن للديمان ووضع كل ما يملكه من معلومات بين يديها، وأبدى إعجابه بأدائها الوزاري المسؤول والإنجازات التي تحققها.

 

وفي ما يخص الجدل القائم حول المادة 80 من الموازنة التي تنص على إدخال الناجحين في مباريات الخدمة المدنية الى ملاك الدولة والمادة 95 من الدستور التي لم تُلغ في المطلق التوزيع الطائفي في ما خص الفئة الثانية وما دون، لأنها حرصت على التأكيد على مراعاة مقتضيات الوفاق الوطني وقد ورد فيها حرفياً: «وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني»، تؤكد أوساط البطريركية المارونية ضرورة احترام اتفاق الطائف، لكن هذا لا يعني أنّ الدساتير والمواثيق لا تقبل التحديث من فترة إلى أخرى في إطار خدمة المجتمع وتوازن السلطات والحياة الميثاقية. وموقفها واضح لجهة احترام الكفاءة في التوظيف وخدمة الدولة، لكن أيضاً حريصة على الحفاظ على المساواة بكل شيء، خصوصاً على صعيد الإدارة وإلّا سيحصل اختلاف. عموماً البطريرك لا يدخل في تفسير الدستور، إنما يترك ذلك لأهل الاختصاص، لكن تقول الأوساط أنّ أيَّ تفسير للدستور يجب أن يكون له بعدٌ ميثاقيّ.

 

الملفُ الاقتصادي لا يغيب عن بال البطريرك الراعي الذي يبدي قلقه من المنحى الذي يتّجه اليه وهو يبرز ذلك بكل مواقفه وعظاته، وقد نظّم مؤتمراً اقتصادياً في الديمان منذ أسابيع قليلة. وتلفت اوساط الديمان الى أنّ البطريرك لا يحبّذ الدخول في الجانب التقني لهذا الموضوع، إلّا أنه يرى شعبه يعيش ضائقة اقتصادية والشباب يهاجرون نتيجة البطالة والمخاوف من التوطين وعرقلة عودة النازحين السوريين إلى وطنهم، لذلك لا يوفّر فرصةً لنقل هذه الهواجس إلى المسؤولين المعنيين وسفراء الدول الذين يزورونه. ويعتبر أنه خارج اطار المعالجات التقنية يجب المحافظة على وحدة البلد والاستقرار السياسي ما يؤدّي إلى نموٍّ اقتصاديّ وثباتٍ ماليّ.

 

وفي الديمان على تخوم الوادي المقدس، ورغم كل حركة الزوار والحجاج، يتسع وقت البطريرك للصلاة لأجل شعب ووطن ينتقلان من صليب إلى آخر على رجاء القيامة.