Site icon IMLebanon

المقعد الماروني في طرابلس حاجة وطنية أم مصلحة سياسية؟

منذ نحو عامين والحال الأمنية في طرابلس مستقرة… أمّا بالنسبة الى الطائفة المارونية فيقول راعي أبرشيّتها في المدينة المطران جورج ابو جودة «إنّ أحداً من ابنائها لم يُمسّ بسوء في كل جولات الاقتتال وحتى الحادّة منها». لكنّ الوضع الأمني المستتبّ لن يساعد «الصامدين» في عاصمة الشمال لتأمين فرص عمل ذهبية في ورشة الاعمار المنتظرة بعد انتهاء الحروب السورية، إذ يشكو بعضهم من قلّة فرص العمل المتوافرة للشباب الماروني «المتبقّي» في المدينة.

في وقت يطالب كثيرون من أهالي البترون أو أقضية مارونية أخرى بنقل مقعد طرابلس إليهم، ويعتبرون هذا الأمر مطلباً محقاً، نظراً إلى قلة الناخبين الموارنة في عاصمة الشمال وعدم تأثيرهم في القرارات الكبرى، خصوصاً بعد إقصائهم عن الانتخابات البلدية في طرابلس والميناء والإتيان بمرشحين للانتخابات النيابية من خارج موارنة المدينة، يتمسّك غالبية الطرابلسيين ببقاء هذا المقعد كدليل على التنوّع، معتبرين أنّ رمزية المقعد الماروني تفوق بأهميتها عدد الناخبين الموارنة.

وفي هذا السياق، يقول المطران أبو جودة لـ«الجمهورية» «إنّه يتعذّر على بعض الشباب الماروني إيجاد فرص وظيفية في المدينة على رغم وجود نائب ماروني يُمثّلهم في المجلس النيابي الحالي، فكيف الحال إذا تمّ نقل هذا المقعد الماروني من طرابلس الى البترون أو إلى منطقة أخرى؟ عندها لن يعود له حتى مرجعيّة سياسية تُمثّله في المدينة أو حتّى تدعم مطالبه أو تطالب بحجز مكان له في الوظائف المتاحة أو حتى المرتقبة».

ويلفت أبو جودة إلى أنّ الفاعليات السياسية في طرابلس تطالب المسيحيين الذين غادروا طرابلس بالعودة اليها، متسائلاً كيف سنعيدهم إذا كنّا نعمل على سلبهم مقعدهم أيضاً؟! مضيفاً «نعلم أنّ هذا المقعد فَرضته القيادة السورية في الماضي، ولكن هذا لا يعني أنّ الموارنة ليسوا موجودين في طرابلس أو ليس لهم حضور أو أهميّة».

ويوضح أنّ أكثرية المسيحيين الموجودين اليوم في طرابلس هم من كبار السن، في وقت غادر شبابها الى العاصمة أو الضواحي أو هاجروا الى الخارج ويأتون فقط في المناسبات «ونَزفّهم» في عظاتنا ونطالبهم بضرورة العودة!

محذّراً من أنّ سحب المقعد الماروني من المدينة سيشعرهم «بضربة أكبر وسيقلّ احتمال تفكيرهم في العودة أو في العمل او في الاستثمار والانخراط في ورشة إعمار سوريا التي ستنطلق بمختلف وجوهها كما يقال من طرابلس فور توقف الحرب، فكيف يحجزون مقاعدهم في ورشة البناء وليس من نائب يمثّلهم؟ وهذا الواقع لن يجعلهم يفكّرون فقط في الانتقال نهائيّاً من طرابلس الى الإقامة الدائمة في بيروت بل أيضاً سيفكّرون في تغيير مكان نفوسهم على بطاقة الهوية.

ويضيف: «من هذا المنطلق، فنحن بما نمثّل لا نُشجّع على نقل المقعد الماروني ونتمنّى بقاء الوجود السياسي الماروني في طرابلس لأنّه يغنيها ونطالب بعدم تفريغها منه. فلا يجب حلّ أزمة مقاعد البترون على حساب مقعد طرابلس، وإذا أرادوا حلحلة مشاكل الأحزاب الاربعة في البترون فلا يجب أن تكون على حسابنا».

وفي هذا السياق، يطالب أبو جوده قيادات الاحزاب المسيحية بالتفكير مليّاً، ونصَحَهم بِبُعد النظر في هذه القضية، لافتاً الى أنّ قضية الموارنة في المنطقة أبعد من قصة نائب بالزائد او بالناقص في البترون.

ويؤكد أنّه حتى ولو لم يكن لحجم النائب الماروني تأثير عدديّ في طرابلس، فمن المؤكد انه سيكون له تأثير معنوي، إن في الطائفة او في البلد، مذكراً بالدور الذي أدّاه الوزير جان عبيد في الماضي وكان تأثيره كبيراً عندما كان نائباً عن المدينة.

ويشير الى أنه وكرجل دين لا يُحبّذ ولا يريد أن يقصده المواطن الطرابلسي المسيحي من اجل وظيفة أو لحلحلة قضاياه الحياتية، بل يجب ان يلجأ الى نائب يمثّله في البرلمان، موضحاً في هذا الإطار انّ لكل مرجعية، دينية او سياسية، دوراً تؤديه.

ويتوجّه ابو جودة الى مَن يريد معالجة اموره، مطالباً بألّا يعالجها على حساب مقعد الموارنة في طرابلس، مبدياً أسفه لأنّ الصراع على المراكز أنسى المسيحيين دورهم الحقيقي.

وإذ يُقرّ بالتأثير الضعيف للنائب الماروني على مجمل القرارات التي تُتّخذ، يقول: «على الاقل يكون لدينا تمثيل لنعلم ماذا يجري في المدينة ولكي يقصده الموارنة للمشورة والسند»، مذكراً أنّ «وجود المسيحيين في طرابلس، وتحديداً الموارنة، هو وجود تاريخي وله أبعاد مهمة وقديمة ولو كانوا أقلية فوجودهم فاعل والشخصيات المسيحية المارونية في طرابلس بمختلف أنواعها وأطيافها الإجتماعية أو الإقتصادية لها دور مميّز لطالما قيّمته جميع الشخصيات الطرابلسية في المدينة».

ويتخوّف أبو جودة من أنه وعوض تنشيط العودة وتنشيط الاقتصاد، سيشعر الموارنة بأنهم «منبوذون وغرباء عن المدينة فيغادرونها الى الابد في وقت يطالَبون يومياً بالعودة والثبات في منطقتهم.

الموارنة ولوحة الموزاييك

وفيما يشير أبو جودة الى الكلام الواقعي للرئيس نجيب ميقاتي في هذا الخصوص، يلاحظ عدم وضوح الرؤية حتى الساعة بالنسبة الى قانون انتخاب المقعد.

ويكشف أنّ فاعليات طرابلسية مارونية تنوي الترشّح عن المقعد الماروني في طرابلس، إتصلت به من الخارج وأعلمَته أنها في طريق العودة الى المدينة وهي تتحضّر للمواجهة عبر بيانات رفض واستنكار لاحتمال نقل المقعد.

ويطالب الفاعليات السياسية المارونية بالعمل على منع نقل المقعد، إذ إنّ دوره كراعٍ لأبرشية طرابلس ليس الدفاع عن مقعد سياسي بل هذا دور الفاعليات المارونية الطرابلسية.

ويبقى المهم بالنسبة إلى راعي أبرشية طرابلس المارونية ألّا تصبح المدينة من لون واحد، قائلاً: «ولو كنّا أقلية فنحن كلوحة الموزاييك، وإن كان عدد الحصى الحمر داخلها قليلاً إنما من دونها تلك الحصى الحمر ستبقى اللوحة ناقصة وحتى لا رونق لها».

ويختم أبو جودة بالتوجّه الى موارنة طرابلس المقيمين في الخارج أو بعيداً عنها بالقول: «لا يمكنكم المواجهة من بعيد أو من الخارج، فتفضّلوا للمواجهة من طرابلس»، متمنيّاً على الجميع العمل لتفعيل الوجود الماروني في طرابلس وليس السعي الى إطفائه.