لا يختلف الوضعُ السياسي في البلاد عن أحوال الطقس والعاصفة الطبيعيّة التي ضربت لبنان وفضحت إهتراءَ الدولة وهزالة بُناها التحتية وفساد مؤسساتها.
ما جرى في الأيام الأخيرة، يكشف أنّ لبنان بات بلداً مشلّعاً ومشرَّعاً أمام شتّى أنواع الرياح؛ فالعواصفُ الطبيعيّة – وهيّ طبيعيّة في مثل هذا الوقت من السنة – أحدثت كارثةً وقطّعت أوصالَ الوطن، وعزلت مناطق بالكامل وفصلتها عن بعضها البعض وخصوصاً في العاصمة والضواحي، فيما العواصف السياسيّة، المحقونة بالفتن والشجارات والمناكفات، وهي صناعة داخلية «بلديّة»، وبتعبيرٍ أكثر دقة هي صنيعة القسم الأكبر من الطبقة السياسيّة.
أمام هذا الواقع، ثمّة محاولة لاستعادة دور مفقود لقادة الموارنة، في الظروف السياسيّة التي يمكن القول إنها تبدّلت لصالحهم، إذ لم يعد في إمكانهم القول «إننا غائبون عن السلطة وليس لدينا ممثلون فعليون في البرلمان، فانتخابُ «الرئيس المسيحي القويّ» قد تمّ، وكذلك إقرارُ قانونٍ إنتخابيٍّ وُصف بالعادل، إلّا أنّ ذلك لا يقود على ما يبدو الى افتراضِ أنّ التنافسَ الماروني- الماروني، قد انتفى، في ظلّ ما هو ثابت وأكيد أنه تنافسٌ تقليديّ، لا بل أزليٌّ وسرمديّ.
وبالنظر الى الخطوات المرتقبة في الأيام المقبلة، فإنّ البطريركَ الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يعتزم دعوة رؤساء الكتل والأحزاب والتيارات المارونية الى إجتماعٍ في بكركي للضغط من أجل تأليف الحكومة.
واللافت أنّ الدعوة قد توسّعت، بحيث انضمّ الى ما كان يُسمّى نادى الموارنة الأربعة؛ «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» وتيار «المردة»، رئيسُ حركة «الإستقلال» النائب ميشال معوّض بعدما وجّه البطريرك الدعوة له شخصياً على إعتبار أنه رئيسُ حركةٍ سياسيّة ونائبٌ منتخَب، وهذا الأمر قدّ يشكل عاملاً إضافياً لمزيدٍ من التنافس الماروني، مع دخول شخصية مارونية جديدة، الى هذا النادي، وتلقائياً الى نادي الطامحين لتبوُّء المنصب الأول في الدولة.
واللافت للانتباه ايضاً، أنّ أربعةً من أصل خمسة من المدعوّين الى قمة بكركي هم شماليون، وهم رئيس حزب «القوات» سمير جعجع من بشري، رئيس «التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل من البترون، رئيس تيار «ألمردة» سليمان فرنجية ورئيس حركة «الإستقلال» ميشال معوّض من زغرتا، في حين أنّ جبل لبنان سيقتصر تمثيلُه على النائب سامي الجميّل، علماً أنّ الأحزاب والتيارات لها إمتداداتٌ في كل لبنان وليست مناطقية فقط، بينما رؤساؤها من الشمال.
لكن يبقى الأهم، في حضور القادة الموارنة شخصياً، وليس التمثل بمندوبين عنهم، علماً أنّ ما يقترحُه البطريرك بإنشاءِ جبهةِ ضغطٍ مارونية لتأليف الحكومة، ستكون عملياً بتأثيرٍ معنويٍّ محدود في هذا الملف، لأنّ التوقيع في نهاية الأمر، ليس مع هؤلاء القادة الموارنة، بل هو في يدّ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف.
ويتخوّف البعض، من أن تتحوّل خطوةُ الراعي هذه، الى جبهةٍ مارونية ضدّ بعضهم البعض، خصوصاً أنّ العلاقة بين باسيل وبقية المكوِّنات ليست على أفضل ما يرام، ويحمّله البعض مسؤولية عرقلة التأليف.
في هذه الأجواء، ترى بكركي أنّ خطوة البطريرك هذه ضروريةٌ جداً في هذا التوقيت بالذات، فالراعي لطالما سعى بشتى الوسائل لاستيلاد الحكومة، وحثّ الفرقاءَ من كل الاتّجاهات على تجاوز هذا الاستحقاق فوراً، والشروع في إعادة إطلاق عجلة الدولة بدل الشلل الذي يضرب كل مفاصلها، ويُرخي بسلبياته الجسيمة على كل المواطنين، وهو، لهذه الغاية، كان وما يزال على إتصال مع الرئيس ميشال عون، وقام بخطوات عدة سابقة، لكنّ المشكلة الأساسية أنّ المعرقلين ما زالوا يصرّون على هذا المنحى التعطيلي، ثابتون في مواقفهم التي تعمّق الخلافَ حول الحكومة أكثر فاكثر.
وتؤكّد بكركي أنها لن توفّر أيَّ جهد للضغط من أجل حلّ الأزمة السياسية والتي تترجَم تأزيماً في التأليف وليس العكس. وترفض المسّ بالصيغة اللبنانية أو إطالة عمر الفراغ للوصول الى تسويات جديدة أو إبتكار طرق حكم بعيدة كل البعد عن الميثاق الوطني والدستور.
وبما أنّ موعدَ انعقاد القمة المارونية سيحدَّد قبل سفر الراعي بعد عشرة أيام الى الولايات المتحدة الأميركية، لم يتأكّد بعد مَن هي الشخصيات التي حسمت أمرَ حضورها القمة، لكي لا تكون قمةً مبتورة.
وبمعزل عن الصورة التشاؤميّة، أو بالاحرى جلد الذات، فإنّ اللقاءات المارونية في قسمٍ منها أدّت الى نتيجة متواضعة، والقسمُ الآخر انتهى الى فشل، وبما أنّ الثلوج تُغطي قممَ جبالِ الموارنة، يبقى السؤال هل ستستطيع قمة بكركي إذابة هذه الثلوج، ولو بالحدّ الذي يساعد على إذابة الجليد الحكومي، أم أنّ المعرقلين خلف أسبابهم التعطيلية، ومتربّعون على وهمِ أنهم هم المنتصرون؟