Site icon IMLebanon

الموارنة بين الخيبة في عيد قدّيسهم… وانكسار هيبة الرئاسة

 

يحتفل الموارنة ولبنان اليوم بعيد القديس مار مارون وسط سوداويّة تحيط بالملف الرئاسي وضبابية تلفّ الواقع اللبنانيّ بأكمله. يُشبه الواقع الماروني بشكل كبير الوضع العربي، فالعرب الذين خسروا فلسطين واحتلّت إيران أكثر من 4 عواصم عربية كما تُصرّح، ما زالوا يتفاخرون بأمجاد الماضي ويتحدّثون عن الأندلس، بينما لا ينفكّ الموارنة يتذكّرون في زمن الإنهيار تحوّل لبنان إلى «سويسرا الشرق» في عصر «المارونية السياسية».

يعيش لبنان عام 2023 أسوأ انهيار مرّ في تاريخه، وهذا الكيان الذي سعى الموارنة إلى إنشائه يواجه خطر الزوال، وليس هناك من دليل أكثر من بقاء كرسي الرئاسة فارغة في عيد شفيع الطائفة المؤسّسة للكيان.

ولعلّ قداس مار مارون في بيروت يُشكّل المناسبة الأهم لجمع أركان الدولة، ويتجاوز بأهميّته احتفالات عيدَي الميلاد والفصح في بكركي، لكن الغصّة ستحضر في هذا العيد ليس فقط نتيجة عجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل لأن الجمهورية كلّها في خطر.

وتقاطعت المعطيات السلبية في الـ24 ساعة الأخيرة لتؤكّد أن لا حلحلة قريبة في الملف الرئاسي بسبب غياب البوادر الإيجابية الداخلية والخارجية. ووضِعت القوى السياسية بصورة اللقاء الذي حصل في باريس، فلم يحمل أيّ جديد وعاد وطالب القادة اللبنانيين بالوصول سريعاً إلى إنهاء الفراغ الرئاسي وعدم إطالة أمد الشغور.

أمّا النقطة السلبية الثانية، فأتت من بكركي، حيث لم تنجح محاولات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لجمع النواب المسيحيين في تحقيق خرق ما في جدار الأزمة، ويبدو واضحاً أن اللقاء قد يُنسف أو يُفرغ من مضمونه نتيجة الشروط والشروط المضادة بين القوى المسيحية، وبالتالي انسحب الفشل في جمع القادة الموارنة، على لقاء النوّاب الذي وإن حصل لاحقاً فلن يأتي بالثمار المطلوبة.

تعيش المنطقة تحوّلات جذرية ومفصلية، من اليمن إلى الخليج مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا، ويحاول البطريرك الراعي حجز مقعد للموارنة على طاولة التفاوض أو أقلّه تأمين استمراريّتهم السياسية، ولا تتأمّن الإستمرارية المارونية من دون وجود دولة لبنانية فاعلة، وهذا الأمر كرّره الراعي على مسامع من التقاهم في الفترة الأخيرة، وتعتبر بكركي أن «لا وجود للموارنة بلا لبنان ولا وجود للبنان بلا موارنة»، وبالتالي تتقدّم عملية إنقاذ البلد على ما سواها من ملفات مطروحة حالياً.

تحمل بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للموارنة همّ وطن الأرز، وإذا كان الزلزال قد هزّ أنطاكية الجغرافية منبع البطريركية تاريخياً هذا الأسبوع، إلّا أنّ واقع لبنان والموارنة معرّض أكثر للزلازل والبراكين السياسية، وتبدو الأزمة المارونية أعمق بكثير ممّا يعتقده بعض الموارنة الذين يكتفون بتمجيد تاريخهم. فالمؤسسات الكنسيّة على اختلاف تنوّعها واختصاصاتها تواجه خطر الإنهيار، وهي التي منحت الموارنة ولبنان نعمة التفوّق في الشرق والمحيط وفتحت أبواب أوروبا والغرب أمامهم، وكل الخطط الإنقاذية هي بمثابة مسكّن لا يقدّم ولا يؤخّر في رحلة نضال وصمود قد تطول.

ومن جهة ثانية، تتجذّر الأزمة السياسية داخل الجسم الماروني، ولا يروق للكنيسة سماع بعض الأصوات التي تخرج من منطلق «ذمّي» وتعتبر أنّ المسيحي بحاجة لحماية المكوّنات الأخرى، وهنا تنتفض الكنيسة على «الذمّيين» وتؤكّد أنّ نضال الموارنة منحهم دولة، والدولة هي التي تحمي الجميع من موارنة وغير موارنة والسلاح غير الشرعي المربوط بمحاور خارجية يدمّر البلد والأقلّيات والأكثريّات.

عام 2023، يعاني بعض الموارنة من أزمة هويّة وجوديّة، ليس هناك من دولة تدعم «بني مارون» وهم لا يريدون حماية أحد أو دعمه، لذلك تحاول بكركي القيام بدور يوجّه البوصلة المارونية والوطنية والتأكيد على الإستقلالية وقيادة معركة الإستقلال الثالث، وهذه المعركة هي الأصعب بنظر الكنيسة لأن التحرّر الحالي هو من مافيا المال والسلاح والفساد ومن هيمنة خارجية تستخدم حاجات بعض اللبنانيين من أجل بناء قاعدة نفوذ على شواطئ المتوسّط.

لا شكّ أن «المارونية السياسية» تضعضعت ومعها فقدت الرئاسة هيبتها خصوصاً بعد «اتفاق الطائف»، والدليل هو الدخول في مرحلة الفراغ الثالث: الأول عام 2007 والثاني عام 2014 والثالث عام 2022، وكأنّ الإستحقاق الرئاسي بات محكوماً بالفراغ، وكأنّ الموقع الأول للمسيحيين في الشرق بات في مهبّ التسويات و»البيع والشراء» عند كلّ استحقاق.