ضرب الثالث عشر من حزيران العام 2007، موعداً جديداً مع الاغتيال، فكانت ضربة موجعة تلقّتها قوى الاستقلال الرافضة لنظام القتل والهيمنة، نظام الوصاية السياسية والأمنية على لبنان. في ذلك التاريخ كان النائب وليد عيدو على موعد هذه المرّة مع الرحيل قتلاً ليحجز لنفسه مكاناً بين قافلة من الشهداء الذين سبقوه على الدرب نفسه وهو الذي كان علم مُسبقاً بأنه سيلقاهم يوم قال «لن أترك البلد وأرحل، لا لن أتركه لبشار الأسد وجماعته. أنا باقٍ هنا ويَلّي بَدو يصير يصير».
وليد عيدو شهيد جديد على مذبح الوطن. هي فترة حفلت بالإغتيالات، كانت أصوات العبوات فيها تتنقل بين منطقة وأخرى لتحصد أرواح الرجال الرجال الذين أقلقوا أعداءهم وخصومهم، وواجهوهم من الند إلى الند، على الرغم من أن المواجهات في ساحة الميدان في تلك الفترة كانت غير متكافئة، حيث كانت كلمة الفصل لمتفجرات الحقد التي تخطت زنتها في بعض الاحيان الألف كلغ من الـ «تي ان تي». من هذه الطينة كان الشهيد عيدو الذي لم يُهادن في حياته ولم يُفاوض القاتل، بل ظل على موقفه القائل«النظام السوري مجرم وقاتل وسيأتي اليوم الذي تقتصّ العدالة منه».
رجل عرف العدل في مهنته قبل أن يُصبح نائباً عن بيروت ضمن كتلة «المستقبل». خوّنوه وشنّوا حملات تشويه وافتراءات بحقه، فكانت أن وصلت الرسالة يوم الاستشهاد أثناء خروجه بموكبه المؤلف من سيارتين من مسبح «سبورتينغ» بمنطقة المنارة، يوم اختاره نظام الظلم والإجرام، هدفاً له، فأسقطه مع نجله الأكبر خالد، على باب بحر بيروت. بيروت المدينة التي عشقها فسكنته حتى الرمق الأخير. لقد وقع الاغتيال في سياق خوف الظالمين من عدالة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ومن انتصار الوطن على يد رجال عزموا على إستعادة وطنهم وإستكمال مرحلة بنائه كما يُريد اللبنانيون لا كما يشتهي المجرمون، فكانت عمليات التهديد والوعيد تُنفذ في وضح النهار وتحت جنح الظلام، من أجل عرقلة عملية إنهاض الوطن، وتحديداً ضرب كل الجهود في ما يتعلق بالسعي إلى إنتخاب رئيس للجمهورية في حينه.
ينتمي الشهيد وليد عيدو إلى فئة تُمثل أكثر من نصف اللبنانيين لاحقهم الموت من مكان إلى آخر، في وقت كانت تسرح فيه فئات أخرى وتمرح مع شبيحتها وتحتل الأحياء وتزرع الرعب في كل مكان. هي مفارقة جعلت نائباً سيادياً يتساءل يوم الاغتيال: «وزراء ونواب وشخصيّات من فئة محددة، يتجولون بحرية على كامل مساحة الوطن من دون خشية ولا خوف وأحياناً بالقرب من الشريط الحدودي، بينما نحن المتهمون بالعمالة وبأننا مأجورون، نُقتل في كل يوم من دون حسيب أو رقيب. ألا يدعو هذا الامر إلى التساؤل والإستغراب؟». لكن في الجهة المُقابلة، ثمة قرار كان قد اتخذ وبدأت مراحل تنفيذه يوم محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وما تلاها من اغتيالات وصولاً إلى الوزير الشهيد محمد شطح.
ومع النائب الشهيد وليد عيدو ونجله الشهيد خالد، استشهد اثنان من مرافقيه، المجنّد في قوى الأمن الداخلي سعيد شومان والعسكري في المديرية العامة لأمن الدولة فارس ديب، إضافةً إلى استشهاد ستة مدنيين بينهم امرأة ولاعبا نادي النجمة الرياضي حسين دقماق وحسين نعيم اللذان كانا في سيارة قريبة من سيارة الشهيد. هذا الرحيل جاء ليؤكد ان المصير المشترك الذي يجمع بين اللبنانيين، لم ولن يقتصر على العيش فقط، بل هو طريق طويل يرسمه الأحرار بدمائهم ونبضات قلوبهم ونقاوة الوفاء الذي يحملونه في داخلهم تجاه وطن، أصرّوا على العيش فيه رغم الأوجاع التي ما زالت تُصيبهم حتى يومنا هذا.
أصدقاء الشهيد من نواب ووزراء حاليين وسابقين، باقون على العهد وثابتون في مواقعم ومواقفهم المُدافعة عن لبنان وسيادته ويُجمعون على أن وليد لم يغب عن القضية التي ما زلنا نحملها منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري. وليد عيدو سيبقى في ذاكرة كل الاستقلاليين وصوته سيظل يصدح في كل الساحات وتحديداً في ساحة الحرية التي كان جزءاً من ناسها ومن صانعيها، وهو سيبقى صنواً للحرية والسيادة والاستقلال. لقد استمر رغم غيابه بين اللبنانيين من خلال مواقفه، وفي كلماته وإصراره على الحق ومواجهة المخاطر ولم يكن يخشى أو يخاف شيئاً طالما أنه يعبّر عن قناعته وإيمانه بالوطن والحرية.
يُذكر أنه وخلال جلسة معه قبل استشهاده بفترة وجيزة، توجه عيدو إلى الحاضرين بالقول: «لقد سقط حاجز الخوف وانكسر القيد الذي لفّنا لعقود من الزمن، لكن هذا الامر كانت له إرتدادات كبيرة علينا لدرجة أننا أصبحنا في قوى الرابع عشر من آذار، كأننا امام مشهد سوريالي ننظر فيه بعضنا إلى بعض غير مصدقين بأننا ما زلنا احياء أو كأنها المرّة الأخيرة التي قد نلتقي فيها. نسأل بعضنا ضمناً في كل مرة نلتقي فيها، على من سيَقع الدور هذه المرّة؟». هل كان فعلاً يشعر النائب عيدو أن الإرهاب سيختاره هدفاً هذه المرة؟ وهل كان ليترك البلد لو علم أنه مُستهدف؟. سؤال لو تكرر اليوم في حياة عيدو مُجدداً، لكان بكل تأكيد كرّر الإجابة نفسها «لن أرحل وأترك البلد لبشار الأسد».
من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولاً إلى الوزير الشهيد محمد شطح. كوكبة من الشهداء كانوا في كل يوم يخرجون من بيوتهم، يولّون وجوههم شطر الله متضرّعين اليه طالبين حماية فقدوها على أرض غابت عنها عدالتها فاستعاضوا عنها بعدالة سماء آمنوا بها فرفعتهم اليها شهداء أحياء عند ربهم يرزقون. وسيظل الشهيد عيدو الإنسان والقاضي والنائب، يُحاسبهم من عليائه على كل نقطة دم سالت على طريق الحرية والاستقلال.