مذبحة للفلسطينيين في يوم نكبة أخرى بأصابع أميركية… أمس، عشية ذكرى نكبة فلسطين والعرب بإنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن كَم نكبة في منطقتنا؟
مِن «وعد بلفور» إلى «وعد دونالد ترامب»، ما الذي تبدّل خصوصاً رؤية أميركا لفلسطين بعيون إسرائيلية لا تزيغ، بل باتت ولايات الحرية والديموقراطية تزايد على أطماع اللوبي اليهودي، وعلى نهم اليمين المتطرف في الدولة العبرية… كلما انهار كيان عربي يمكن أن يقلق هذا اليمين الجشع، اندفعت زعامة المتطرفين في إسرائيل في البحث عن عدو جديد.
بعد «داعش» الذي غيّر حدوداً وخرائط، أنهِكت دول عربية واستنزِفت فيما الإسرائيلي يقضم أرض فلسطين ويعزف على أوتار حروب المنطقة، لتريحه من المهمة بعد «الربيع العربي» الذي أمطر مزيداً من الضياع لهوية العرب… ويعزف على جولات التناحر بين «فتح» و «حماس»، وتحريض السلطة الفلسطينية على الفصائل، والفصائل على السلطة، فيما يُحتجز أهالي غزة رهائن في السجن الكبير، سجن الفقر واليأس والحيرة أمام اقتتال بشع، وجولات صراع عبثي.
صحيح أن الرئيس الأميركي الذي «أوفى وعده» بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس المحتلة، لا يداني جريمة وعد بلفور، لكن الصحيح أيضاً أن قراراً بهذا الحجم لا هدف له سوى قضم أحلام الفلسطينيين ونضالهم من أجل دولة مستقلة عاصمتها القدس… ولا هدف له سوى تركيعهم وإرغامهم على العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل باعتبار أنهم في موقع «الطرف الخاسر الذي لا يملك شيئاً»، فإذا أعطي كياناً إدارته بلديات، يتحقق هدفٌ إسرائيلي– أميركي بتصفية قضية فلسطين. يتحول «حارس» غزة إلى نموذج شبيه بـ «حراس القرى» في تركيا، فيما تنهمك عصابات اليمين الإسرائيلي بتهويد الضفة الغربية وبمزيد من الضغوط لتهجير فلسطينيين وتفريغ القدس الشرقية، وتجويف آمال أجيال بنهاية للاحتلال لا بد أن تأتي يوماً.
ولكن، هل يركع الفلسطينيون؟ في يوم النكبة، نكبة أخرى أميركية، لأن ترامب هو أول رئيس للولايات المتحدة يعتبر القدس «عاصمة لإسرائيل»، ولا يعترف بالتالي بأن المدينة ما زالت تحت كابوس الاحتلال.
وإن كانت المسافة جغرافياً بين أميركا وفلسطين تعادل مسافة كان الفلسطيني أوشك على اجتيازها لنعي الاحتلال العنصري، فأهل القضية سيتذكرون أن تنفيذ «وعد ترامب» صبّ الزيت على بركان الغضب.
يوم نقل السفارة الأميركية إلى القدس جاء عشية ذكرى نكبة 1948، لنكء كل جروح أصحاب الأرض التي نهبتها عصابات الصهيونية وزورتها وبطشتها، لكنها ما زالت عاجزة عن تركيع الفلسطيني وانتزاع استسلام منه.
الإرهاب إرهاب أياً تكن الضحية، ولن ينتظر العرب جواباً من الأميركي الذي ما زال يعطي شرعية لـ «حق إسرائيل وجنودها في الدفاع عن أنفسهم» ولو قتلوا بدم بارد كما حصل في المذبحة على حدود غزة يوم نقل السفارة.
في عُرف الأميركي وبعض الغرب– وأحياناً كله– الإسرائيلي أولاً، ولم تمض بعد أيام كثيرة على حملة شعواء طاولت الرئيس محمود عباس حين ارتكب «هفوة» تحولت «خطيئة» في حق المحرقة!
قلق المنطقة يتطابق مع تقدير أميركا ترامب لحجم الأخطار الإيرانية التي تزعزع أمن العرب وتهدد مصالح الخليج، ومصالح الولايات المتحدة. تلك الحقيقة تنطبق على إيران كما على تطلعات تركية، وأي تدخل خارجي انتهازي يتهافت لجني ثمار «الربيع العربي» وارتداداته.
ماذا عن إسرائيل؟ أليست عدواً تحصّنه الرعاية الأميركية المطلقة والوعود التي تتلاعب بمصير شعب وأرضه؟
مرة أخرى، ما زالت واشنطن تعمى عن منابع الإرهاب وأصله. بعد نقل السفارة إلى القدس، كَم «داعشياً» سيتاجر بالإرهاب الإسرائيلي؟ كَم «تنتفض» إيران وتركيا تعاطفاً مع دمائنا الفلسطينية؟ مَن سيحرّض ومَن سيموّل؟… كَم ضحية للاحتلال ستسقَط؟
صحيح أن ترامب يفضّل «عبقريته» على الذكاء الاصطناعي، ولكن ألم يفتعل يوم نقل السفارة الذي وصفه بأنه «عظيم لإسرائيل»… عشية ذكرى نكبة يتغاضى الغرب وجيران العرب عن الهوية الحقيقية لضحيتها لعلها تركع يوماً… ولن تركع.