هل يطرح أهل الجماعة السياسية على أنفسهم السؤال الآتي ومتفرّعاته: أين نحن وأين الناس في لبنان؟ تبادر الى ذهني، أمس عندما كنت أقف الى جانب أحد الأنسباء في المستشفى الذي أُدخل إليه في حال صحية حرجة. فأدركت ماذا يعني الاستشفاء في لبنان في هذه المرحلة الضاغطة بقسوة على الناس. فالتكلفة خرافية، ومن دون أدنى مبالغة بآلاف الدولارات يومياً ما بين معاينات أطباء واحتساب بدل أتعاب ممرضين وممرضات، وبدل استخدام أي جهاز، وما أكثر الأجهزة (…)، ناهيك بأثمان الأدوية والمصل الخ… وأما مقابل كل أربع وعشرين ساعة في الغرفة فحدّث ولا حرج.
والوقت في المستشفى ثقيل وضاغط على المريض وأيضاً على ذويه. هذا في المطلق، فكم بالحري في هذا الزمن اللبناني الرديء! ويزداد الضغط وطأةّ وثقلاً مع الطاقم السياسي الذي لا يحقق شيئاً إيجابياً، فقط هو بارع في السلبيات. وعندما يسجّلُ أي منهم هدفاً في مرمى الآخر أو الآخرين فإنما يكون في التعطيل وليس في الإنجاز.
إنها الطبقة السياسية التي لم يُبْتَلَ بلدٌ في العالم بمثلها، كم ابتُلي بها لبنان.
ليس لهم همٌّ سوى الأحقاد، وليس لهم غاية إلا كيف يوقع بعضُهم الأذى في البعض الآخر. إنهم ينتظرون بعضُهم بعضاً على كل كوع ومنعطف، وفي كل زاوية وتحت كل درج، لكي يلتقط خطأً أو يسجّل مأخذاً، أو يرى عيباً، حتى إذا حقق ذلك انتفخت أوداجه زهواً وكأنه «عاد برأس كليب». ويفوته أنه يرى القشة في عين الآخر ولا يرى الجسر في عينه.
ومن أسف كبير أن الانهيار الهائل الذي يضرب لبنان لا يلقى من اهتمام لدى أهل السياسة سوى في المزايدات الرخيصة، والكلام الغوغائي، والخطاب البروباغاندي.
والأنكى أن هؤلاء السياسيين لا يتوقفون عن الإمعان في ضرب آخر مقومات الصمود في الشعب اللبناني المنكوب بهم، وتعميق معاناته، ومضاعفة إذلاله… ولا يرعوون!
ليت الواحد من هؤلاء، بسلامة قلوبهم، يمضي بضع ساعات في المستشفى ليطّلع على أحوال الناس وأوضاعهم وظروفهم، فلربما يقذف الله في صدره نوراً، وفي صدور أمثاله من الجماعة السياسية قاطبةً. لعلّ وعسى.