الحملة الإعلامية على مرسوم التجنيس
سباق سياسي غير منفصل عن مسار تشكيل الحكومة
تُبرز الضجّة التي أُثيرت حول مرسوم التجنيس الذي وقّعه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الحادي عشر من شهر أيّار الفائت وسُرّب الى الإعلام في التاسع والعشرين منه، حجم التفلّت السياسي- الإعلامي من أيّ ضوابط كفيلة بكبح جماح العاملين في الدعاية السياسية من اختلاق فرضيات والبناء عليها، لتصبح الشائعة أو الفرضية، حقيقة منزلة ترقى إلى مستوى الخبر- الفضيحة، قبل التحقّق من المعطيات المتوافرة.
ينطلق مراقبون لما حدث في الأيّام القليلة الماضية على خلفية مرسوم التجنيس، من حقّ أيّ رئيس للجمهورية اللبنانية، في صلاحية استنسابية- تقديرية، في منح الجنسية اللبنانية إفراديا لعدد من طالبيها بما يتناسب مع الشروط المطلوبة ويفيد المجتمع اللبناني لا سيما من الناحية الاقتصادية، مذكّرين بعائلات سورية كثيرة حصلت على الجنسية اللبنانية في سنوات خلت، لما كان لها من مساهمات فاعلة في إنعاش الاقتصاد اللبناني، وبعضها يعمل اليوم في السياسة. ويشيرون الى أنّ الرئيس سعد الحريري كان واضحا في كلامه من قصر بعبدا بأحقية رئيس الجمهورية، وحيدا، بالتصرّف بهذا الموضوع.
ويسجّل المراقبون أنفسهم عددا من الملاحظات، أبرزها:
أوّلا-تزامن الحملة الإعلامية على رئيس الجمهورية والمقرّبين منه، واستطرادا على العهد من باب الاتهامات بالفساد وحتى الرشوة، مع مسار تشكيل الحكومة بعد السجال الذي حصل على خلفية حصّته وفصلها من عدمه عن حصّة تكتّل لبنان القوي.
ثانيا- إثارة الموضوع بعد ثمانية عشر يوما على توقيع المرسوم (وهي الفترة بين الحادي عشر من أيار والتاسع والعشرين منه) تثير الشكوك حول رغبة المسرّبين، من خلال تسريب الخبر الى منصّة إعلامية ذات تأثير مباشر في الرأي العام المسيحي، في استغلاله ضمن السياق السياسي الموجّه ضدّ العهد ومحاولة التضييق على رئيس الجمهورية في مسار تشكيل الحكومة.
ثالثا- تزامن الحملة الإعلامية اليومية مع حملة سياسية قادها أفرقاء بارزون هم أحزاب الاشتراكي والكتائب والقوات التي أبدت استعدادها للطعن بالمرسوم مستندة الى معطيات إعلامية سرعان ما تبيّن عدم دقّتها.
رابعا- اتّساع الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليجتمع مناصرون لأضداد في السياسة على مهاجمة العهد من باب مرسوم التجنيس.
وإذ يُدرج المراقبون هذه النقاط في إطار الكباش السياسي الحاصل في البلد، يتوقّفون عند تعاطي الرئيس عون مع الموضوع، مشيرين الى إنفتاحه على تصحيح أيّ خلل قد يكون اعترى المرسوم- موضوع الخلاف وبالتالي سحب الجنسية من أيّ شخص يتبيّن أنّه غير مستحقّ أو أنّه خالف المسار المطلوب للحصول عليها، طالبا، لهذه الغاية، من المديرية العامة الأمن العام التدقيق في الملفّات والتحقّق من الأسماء، ونشرها أمام الرأي العام، مع الإشارة الى أنّه غير ملزم بالنشر.
ويشيرون الى انّ تصرّف رئيس الجمهورية، الذي لم يوقّع على المرسوم في آخر عهده كما درجت العادة عند أسلافه، قطع الطريق على محاولة الاستغلال السياسي لهذه القضية، من خلال إشراك الرأي العام اللبناني بعملية التحقّق من الأسماء وإبلاغ الجهات المعنيّة بأيّ معلومات موثوقة عن الأشخاص المشمولين بالمرسوم، بما قد يؤدّي الى تصويب المسار في حال وقوع أي خطأ.
وسط هذه المعمعة، لا يخفي أكاديميون ومعنيّون بالعمل الإعلامي أسفهم لاستغلال الاعلام بشكل يتخطّى كلّ معايير المهنة، في الصراعات السياسية القائمة في البلد، مستغربين صمت المعنيين ونأيهم بأنفسهم في العمل على إرساء آلية قانونية تعمل أوّلا على مكافحة التضليل الإعلامي وثانيا تحدّ من الفلتان في مواقع التواصل الاجتماعي حيث الشتائم والإتهامات بلغت حدّا غير مسبوق، تحت ذريعة حماية حرية الإعلام. ويعطون مثلا على ذلك فرنسا التي يناقش برلمانها مشروع قانون ضدّ التلاعب بالأخبار، تقدّم به الرئيس إيمانويل ماكرون على خلفية ما واجه من حملات وشائعات في حملته الرئاسية، وألمانيا التي وضعت قانونا بفرض غرامات تصل الى خمسين مليون يورو على مواقع التواصل الاجتماعي، يلزمها بإتخاذ إجراءات حاسمة لإزالة الأخبار الكاذبة والتي تحرّض على الكراهية في مهلة اربع وعشرين ساعة، تحت طائلة تغريمها. ويركّز القانون على فايسبوك وتويتر ويوتيوب، غير أنّه قد يشمل مواقع إضافية.