حتى الأمس القريب، كان اللقاء المنتظر بين الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري معلقا على بعض الشكليات، خصوصا أن الاتصال الذي جرى بينهما مؤخرا كان وديا، وتبادل فيه الرجلان الدعوة الى الغداء، حيث بادر ميقاتي الى دعوة الحريري لتناول «ورق العنب الطرابلسي»، فيما دعاه الحريري الى تناول «الباستا»، فكان جواب ميقاتي «ورق العنب الطرابلسي أطيب يا دولة الرئيس».
هذا الود شجع عددا من الوسطاء على التفتيش عن إطار مناسب لترتيب هذا اللقاء، بهدف كسر هذه الشكليات التي بدا أنها تعني الكثير للرئيسين السابقين للحكومة، انطلاقا مما سبق من خلاف سياسي بينهما على خلفية ترؤس ميقاتي لحكومة المصلحة الوطنية التي عمل الحريري على محاربتها ومحاربة رئيسها على المستويين السياسي والشخصي، وصولا الى التوتير الأمني في طرابلس.
ويبدو من كلام الحريري، في برنامج «كلام الناس»، أنه ما يزال متمسكاً بالشكليات وبالموقف السياسي أيضا، فجاء ترحيبه بالرئيس ميقاتي بمثابة رسالة واضحة بأنه ما يزال ينتظر زيارته، لكن الرد جاء سريعا وراقيا من طرابلس يوم أمس، حيث أكد ميقاتي في كلمة ألقاها «أن طرابلس علمتنا ان نتعاون مع الجميع بيد ممدودة، وبيوت مفتوحة، مرحبيّن بكل أخ عزيز»، وذلك في رسالة ودية واضحة أيضا الى الحريري تدعوه الى احترام هذه الثنائية ضمن الطائفة السنية.
وما يثير الاستغراب هو أن الحريري حرص منذ عودته الى لبنان على زيارة كل المرجعيات السياسية من مختلف الطوائف، وصولا الى زحلة حيث زار مؤخرا النائب إيلي ماروني والسيدة ميريام سكاف، فيما أحجم عن زيارة كل القيادات السنية التي بادر بعضها الى زيارته أو تلبية دعوته على الغداء في بيت الوسط، باستثناء الرئيس نجيب ميقاتي، ما يؤكد أن «زعيم المستقبل» مستمر بسلوكه الاحادي ضمن الطائفة السنية، وبرفضه الاعتراف بالتعددية القائمة فيها، أو على الأقل بالثنائية التي يتقاسمها معه «إبن طرابلس» وهي باتت أمرا واقعا.
ولعل زيارة الحريري الأخيرة الى طرابلس والبرودة الشعبية التي رافقتها، أظهرت أن مزاج المدينة قد تغير، وبات في مكان آخر، وأن طرابلس متمسكة بقياداتها وباستقلاليتها السياسية، وبالثنائية التاريخية التي لطالما تقاسمتها مع بيروت على صعيد الزعامة السنية ورئاسة الحكومة.
ومن هذا المنطلق فان كل مآخذ الحريري السابقة على ميقاتي قد تلاشت، لا سيما بعد تخليه عن «لاءاته» التاريخية تجاه «حزب الله» ومشاركته معه في الحكومة والحوار.
كان ميقاتي رعى امس احتفالا تكريميا للمدارس المتفوقة في طرابلس، كرر في خلاله اقتراحه القاضي بالاتفاق على اختيار «شخصية مؤهلة لرئاسة بلدية طرابلس وان تُترك له حرية اختيار فريق عمله، مع امكان اعطائنا الحق في وضع فيتو على شخص معين، لا فرض شخص آخر على اللائحة». وشدد على «اننا ضد التوافق الذي يكرر تجربة الانتخابات السابقة».
وتطرق ميقاتي الى الأخبار المتداولة عن أحداث امنية مرتقبة في الشمال وطرابلس تحديدا فقال «إن الامن مستتب والاجهزة الأمنية ساهرة تماما على دورها في حفظ الأمن ومنع حصول اي اخلال امني، كما ان المظلة الدولية لا تزال تحمي لبنان رغم الظروف الصعبة التي تمر بها منطقتنا».