IMLebanon

لقاء بوتين ورفيق الحريري ووزير الدفاع الأميركي: ظاهرة غامضة

امبراطورية برلمانية تائهة بين التجديد والتمديد

ووقائع رافقت الحياة السياسية في العاصمة الشمالية

طبعاً، ليس القانون الجديد للإنتخابات هو الأمثل والأفضل، لكن فيه عودة الى أنظمة سابقة وقوانين اعتمدت قبل اكثر من نصف قرن. من التاريخ السياسي، تلقي الأضواء على وقائع مضت وذهبت ادراج الرياح.الا انه قانون اعتمد في السابق، مرشح للاعتماد اللاحق. ولعل الأفضل في هذا المشروع، التجميع بين الأقضية لا التصغير والتفريق.

في العام ١٩٧١، وقع البالوتاج أي المساواة في النتائج بين الكبار، الا ان الجميع اعترفوا بالنتيجة، ومن كان في أقضية البترون والكورة وبشري ظل مثلاً صارخاً بين تنافس الجبابرة في الدوائر الإنتخابية.

والناس، تتذكر انه في انتخابات العام ١٩٤٧ فاز، وعلى لوائح متنافسة الكبار في الأقضية من امثال الرئيس رشيد كرامي بعد والده عبد الحميد كرامي، والاستاذ حميد فرنجيه والاستاذ عدنان الجسر والد النائب الحالي عن طرابلس سمير الجسر. والنواب فيليب بولس وفؤاد غصن ونقولا غصن وسليمان العلي ونصوح الفاضل، كما برز الاستاذ يوسف ضو والنائب جان الخورب حرب.

هل تعود الحروب الانتخابية مجدداً الى مثلث الكورة، البترون وبشري ام ان الاجتزاء يظهر مجدداً ويسري في بعض المناطق.

عند رحيل مفتي طرابلس الشيخ عبد الحميد كرامي، ورثه نجله الشاب المحامي رشيد كرامي، في مقعد العاصمة الثانية.

وعلى مدى دورات انتخابية عديدة، ظل الصراع مستمراً بين العائلات الطرابلسية العريقة خصوصاً بين عائلة المقدم وكرامي وبرزت اسماء لامعة في التاريخ الطرابلسي كالاستاذ مايز وفواز المقدم والاستاذ فاروق المقدم كما ظهرت اسماء طبعت الصراع السياسي في العاصمة الثانية للبنان وفي المقدمة، اضافة الى رشيد عبد الحميد كرامي النواب السابقون محمد حسن حمزة، والدكتور هاشم الحسيني والدكتور أمين الحافظ وفؤاد البرط.

الا ان حقبة الاربعينات عرفت وجوها كبيرة من أمثال رئيس الوزراء السابق سعدي المنلا.

بيد ان زعامة رشيد كرامي ظلت هي الطاغية الى ان برز اسم القائد السياسي الدكتور عبد المجيد الرافعي الذي اصبح زعيماً لحزب البعث العربي الإشتراكي ونال في انتخابات العام ١٩٧٢، رقماً صعباً، اذا حصل على ١٧٥١٧ صوتاً كما حصل الزعيم رشيد كرامي على ١٦٩٧٤.

كان انتخاب الرئيس سليمان فرنجيه رئيساً للجمهورية اللبنانية، وهو ابن زغرتا والمقيم في طرابس، رقماً فاصلاً بين زعماء الشمال، لانه اثر عدم التدخل في الإنتخابات النيابية، وكان قراره الحياد بين المتنافسين.

في تلك المعركة، أي في العام ١٩٧٠، ظهرت أسماء الأقوياء في المنافسات ولا سيما الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني نقولا الشاوي والمرشح القومي العربي مصطفى الصيداوي والدكتور عمر البيسار الى جانب الدكتور عبد المجيد الرافعي. الا ان العنصر الأبرز كان التوافق السياسي الذي حصل بين رشيد كرامي وعبد المجيد الرافعي على التعاون مع الأقوياء من الطوائف الأخرى، ولا سيما بين النائب الراحل موريس حبيب فاضل ومنافسه القاضي جبرائيل خلاط.

ولا أحد ينسى اسم السياسي الطرابلسي العريق قيولي الذوق الذي ترشح في العام ١٩٥١ مع الرئيس رشيد كرامي، ثم كان الافتراق الصعب بين الرابح الدائم والخاسر الدائم.

وفي العام ١٩٩٦، برزت أسماء جديدة في العاصمة الثانية كان يقودها النائب الحالي أحمد كرامي المدير السابق لمرفأ طرابلس والسيد عوني الأحدب والد النائب السابق مصباح الأحدب في حقبة التسعينات، الا ان النقطة الحاسمة في تلك المعركة، كانت فوز النائب جان عبيد والنائب السابق الراحل احمد حبوس عن الطائفة الإسلامية العلوية.

وبين المعارك الانتخابية في العام ١٩٩٢ وفي دورة ١٩٩٦، ظهر مرشحون في طرابلس كان أبرزهم الزميل شارل أيوب والرئيس السابق للحزب السوري القومي جبران عريجي وبروز اسم المرشح الفائز عن طرابلس الرئيس عمر كرامي بعد غياب الرئيس رشيد كرامي وظهور السيد فتحي يكن والوزير السابق رشيد درباس والنائب السابق أحمد علوش والنائب سليم حبيب عن المقعد الارثوذكسي.

الا ان ثمة أسماء لامعة ظلت في المقدمة بين المتنافسين من أمثال الدكتور عبدالله بيسار ونقيب المحامين سعدالله شعبان والنائب سالم كباره.

غير ان القاعدة التي التزم بها الرئيس رشيد كرامي هي التعاون السياسي الدائم مع هاشم الحسيني لأرضاء اليسار الطرابلسي والدكتور أمين الحافظ الذي كان يحظى بدعم القوى المثقفة في المدينة.

في الحقبة الأخيرة ظهرت نواة انتخابية قوية، تمثلت بالوزير السابق محمد الصفدي، والوزير الحالي محمد كباره والنائب الراحل موريس فاضل، الا ان الظهور الحالي للرئيس نجيب ميقاتي خلق ظاهرة استثنائية في المدينة بعد استشهاد الرئيس الحريري في باحة العاصمة الثانية، وظهور التحالف الغامض بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والنائب سعد الحريري، الذي آلت اليه زعامة الطائفة الاسلامية السنيّة في طرابلس وعكار وبيروت وصيدا والجنوب، في مواجهة زعامة حزب الله وتحالفه مع الرئيس الحالي لمجلس النواب نبيه بري.

ويقال الآن ان اقرار التمديد أحد عشر شهراً للمجلس النيابي الراهن خلق امبراطورية تخيم في أجواء سياسية جديدة، وتترك معالمها على الطريق بين بيروت وطرابلس.

وقائع ومفاصل

غادر الرئيس رفيق الحريري أسوار الكرملين، وقرر التوجه الى مكان آخر. اتصل يومئذ بالوزير محمد بيضون، وطلب منه ان يتوجه مع ثمانين شخصاً من الفندق المقيم فيه، الى مطار موسكو.

وعلى الفور طلب من سائقه ان يتوجه به الى مقر بطريرك موسكو، لأن المعتمد البطريركي الارثوذكسي الصيقلي سيلاقيه الى هناك.

ما ان وصل الرئيس رفيق الحريري الى هناك، حتى رنَّ الهاتف في يد أحد مرافقيه، كان على الخط مسؤول يقول نيابة عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان وزير الدفاع الأميركي أصبح في المطار، وان موعد اللقاء بين رئيس الوزراء اللبناني والوزير الأميركي سيكون بعد ثلاث ساعات في فندق يقع على مقربة من مقر رئاسة الجمهورية الروسية.

تناول الرئيس الحريري سماعة الهاتف، وطلب من الوزير بيضون أن يكلف مسؤولاً عنده، الاتصال بمطار الرياض، ويطلب من المسؤول هناك طائرة الى موسكو، لتقله في اليوم التالي الى العاصمة السعودية.

عقد اللقاء الثلاثي في الفندق الضخم الذي سماه الرئيس الحريري وروى الثلاثة: بوتين، رفيق الحريري، وزير الدفاع الاميركي قصة اللقاء المتوقع ليلاً، بين القادة الثلاثة، في مطار موسكو.

واللقاء كان مخصصاً من أجل أن يتفادى الاقطاب الثلاثة، مواجهة محتملة بين الأقطاب، حول تطورات قد تنطوي على ما لا تحمد عقباه.

في العام ٢٠٠٥ ذهب الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى البرلمان، وكان قد ترك رئاسة الحكومة وأخذ يعد العدّة لأخطار محدقة به، لكنه خرج بعد مدة من مجلس النواب، وعرّج على مقهى يقع في مواجهة البرلمان، الذي كان يدرس إمكان اعداد مشروع قانون انتخابي جديد.

بعد مدة وقف الرئيس رفيق الحريري، وغادر المقهى وتوجه منه الى منزله في قريطم، حيث كان متواعداً مع وزير خارجية سابق في احدى حكوماته هو فارس بويز.

الا ان أخباره انقطعت عن الناس، بعد دوي انفجار هائل في أجواء بيروت، من دون الإهتداء الى مصادره.

يومئذ كان الرئيس الدكتور سليم الحص في مستشفى الجامعة الاميركية، ومعه الوزير السابق ابراهيم الطرابلسي الذي كان يغادر غرفته المجاورة عائداً إلى بيته.

لا أحد كان يعرف شيئا عن الإنفجار، حتى الساعة الأولى والنصف، عندما أخذ بعض السياسيين والوزراء السابقين يترددون على غرفة رئيس الحكومة السابق فيما كان رئيس مجلس الوزراء عمر كرامي يتابع تطورات الموقف الرابض على صدور الناس.

عند الساعة الثانية وصل الى الجامعة الاميركية نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ووزير الثقافة الآن غطاس خوري وبعض الأصدقاء، ومعظمهم يستبد بهم القلق على مصير الرئيس رفيق الحريري.

وبعد انتصاف النهار شاع في الأجواء انه عثر في مكان الإنفجار على أجزاء من جسد الرئيس الراحل وثيابه.

جريمة العصر

مضت سنوات، ولم يعرف أحد سر غياب الرئيس الشهيد ولا السر الكامن وراء استشهاده.

إلا ان أخباراً تراكمت في الأفق السياسي، ولم يرافقها وضوح في الرأي والرؤية، الا ان القصص عن الحادث كانت تزداد بلبلة وغموضاً ولا أحد يمكنه أن يسجل مضبطة اتهام، ترسي بالشبهات على أحد من المتهمين أو من المقصودين.

منذ أعوام عديدة، أخذت تسري في لبنان قصص غير واضحة عن معالم جريمة العصر، ذلك ان رحيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مسألة معقدة، ولا أحد يمكنه أن يبدد عنها الغموض المهيمن على الصدور والرؤوس، لأن رحيل الرجل ينبىء بوجود خطة غامضة وكبيرة على الرؤوس والعقول.

ماذا حدث قبل صدور القرار؟

أولاً، على صعيد الدور القيادي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فقد دأب على رفض التمديد للمجلس النيابي الحالي، وتجاهل أي فراغ سياسي ينشأ عنه والتشديد على إيجاد مشروع قانون جديد يعرض على مجلس الوزراء، ويحال إلى مجلس النواب لاقراره.

وكان الرئيس عون يشدد على احترام الدستور، لافتاً الى ان القانون الجديد محطة مهمة في الحياة السياسية والوطنية. في لبنان، لانه يفسح في المجال أمام ولادة مجلس نواب جديد. يُفترض أن يجسد بأمانة خيارات اللبنانيين وتطلعاتهم إلى صناعة مستقبل البلاد، اضافة الى كونه الضامن للوحدة الوطنية والمساواة بين اللبنانيين.

يبقى المشروع الذي أنجزته لجنة فؤاد بطرس واللجنة التي أعدته لجنة الوزير السابق للداخلية مروان شربل، والذي يتبناه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، وبين الإثنين يبرز الدور الذي اضطلع به وزيرالداخلية السابق زياد بارود، عضو لجنة فؤاد بطرس والذي قيل ان الرئيس السابق العماد ميشال سليمان حرص على اختياره لما يتمتع به من مواهب ومزايا قيادية.

ويأمل الرئيس نجيب ميقاتي اقرار مشروع قانون الانتخابات، منعاً لادخال البلاد في المجهول لكنه يستغرب مصير النقاشات حوله.

ولا يفضل الرئيس ميقاتي لفت الأنظار إلى ملابسات رافقت التسويق للمشروع ويسأل عن السبب الذي يدفع الحكومة الى البحث عنه لاحالته إلى المجلس، ومبررات العجز عن التفاهم على أسسه، وكان يقول دائماً: ارسلوا مشروع القانون الى المجلس، أو اطرحوا مشروعاً جديداً، بعد سحب المشروع السابق، لان المشروع المطروح على طاولة البحث، تعرَّض للتغيير أكثر من مرة. ولا سيما من وزراء سابقين للداخلية، إلى مشروع جديد يحمل أوزاره النائب القواتي جورج عدوان.

ويعلِّق الرئيس ميقاتي على ذلك، بقوله ان المشروع الذي يتم تداوله، انطلق في الأساس من المشروع الذي أقرّته حكومته السابقة في أيام الوزير شربل.

الا ان الرئيس ميقاتي لا يخفي انزعاجه من سلسلة الانقلابات التي استهدفت المشروع، وكان يردد ان لا مفر من التمديد لفترة معينة، شرط الإفادة منها لإنجاز العملية الانتخابية. لكن الثابت ان المشكلة أعمق بكثير، فهي مشكلة من يحق له ملء الفراغ السياسي، واستتباعاً ارساء أسس عصبية سياسية ولا ريب ان هناك من يزعم العمل على بلورة مناخات ملائمة لذلك أبرزها تقدم فريق ١٤ آذار سابقاً بعد انحسار الدور السوري واغتيال الرئىس الشهيد رفيق الحريري، وفي المقابل ثمة من ينظر الى الأمر بعين مغايرة، إذ يرى ان قوى ١٤ آذار استعجلت قطف الثمار قبل أوانها، ومضت بعيدة في الرهان على قهر الخصوم، وخصوصاً حزب الله والتيار البرتقالي. صحيح ان تلك القوة كسبت جولات سياسية أبرزها تظاهرة ١٤ آذار العام ٢٠٠٥ ثم جلاء الجيش السوري بعد صدور القرار الدولي ١٥٥٤، ثم ما ترتب على إسقاط حكومة الرئىس سعد الحريري الأولى، ووجود شخصية سنيّة كالرئيس نجيب ميقاتي تجرأت ان تنكب الرئاسة الثالثة في لحظة احتدام سياسي نجم عن أفول حكومة وبروز ثانية، في لحظات كان فيها سعد الحريري على أبواب البيت الأبيض الأميركي.

وعليه، فان هناك من كرر ويكرر القول ان اقرار القانون الجديد للانتخابات افضل من البقاء على قانون الستين، فان ثمة وعدا بسريان دورة جديدة للحياة السياسية تعيد تظهير مظاهر جديدة في البلاد.

اما التيار الوطني الحر يبرر مطالبته بضوابط سياسية خلال تقسيم الدوائر، لان معركة تحسين التمثيل السياسي مستمرة، توصلا الى السقف الذي يريده هذا التيار، لان الإنجاز الكبير تمثل في تحقيق أمرين: أولاً زيادة المقاعد المقترحة للمغتربين اللبنانيين في الدورة المقبلة وتحديد الكوتا النسائية، وهذا ما حصل، وكانت هذه بداية مهمة للإعتراف بدور عنصر الإنتشار في الخارج، وتصحيح مرحلة عدد النواب، وهؤلاء يخصون معظم الطوائف والمذاهب. ويرى أركان في التيار الوطني الحر ان الاتفاق على موعد الانتخابات تم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وان كان جماعة التيار طالبوا بحرية لا تخرج عليها أي رغبة في تغييرات تقنية، لا تبدل في قناعات الجميع سياسياً وشعبياً ولا تلقي الحرم والضرر على أحد، في المجالات العامة.

وفي المعلومات فان النواب جميعاً، كانوا متفقون على تمديد تقني للمجلس المنتهية ولايته خلال أيام قصيرة، وعلى خلق مقاعد نيابية تمثيلية، وهذا ما ظهر خلال الجلسة.

إلا ان ثمة إجماعا على ان التمديد الذي حصل هو أفضل الممكن وانه نتاج توافق سياسي بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري. وان برزت أصوات معارضة من أبرزها نواب ينتمون الى كتلة الكتائب ونواب المردة والى الحزب السوري القومي الاجتماعي ونواب الوزير طلال ارسلان.

إلا ان اقرار مشروع القانون الجديد، في البرلمان، خلق دينامية جديدة للانتخابات النيابية، وان اعترته ملاحظات نيابية سلبية طرحها النائب سامي الجميل، ولو من باب الإعتراض على أخطاء ظهرت عشية اقراره وخلال الجلسة.

ويقال ان هذا الاقرار، هو بمثابة قانون جديد، في موازاة قانون قديم هو قانون الستين وقد عاش منذ أكثر من نصف قرن، الا ان دعم القانون الجديد في البرلمان، هو بمثابة قوة سياسية لا يستهان بها على معظم الأصعدة.