بالتقاطع مع انعقاد «اللقاء الثلاثي» في القصر الجمهوري في بعبدا اليوم الثلاثاء بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، لتعزيز تراجع التوتر السياسي وغير السياسي، الذي اصاب البلد الاسبوع الماضي، ودعم اسس التهدئة بتعزيز دور المؤسسات العسكرية والامنية، والدفع بإتجاه «ما سببته كل الامور الخلافية التي ظهرت الى العلن، وابعادها، قدر المستطاع، عن الشارع، تحضر اليوم الذكرى الثانية عشرة لــ «تفاهم مارمخايل» الذي وقعه العماد ميشال عون (بوصفه رئيسا لــ «التيار الحر») مع الامين العام لــ «حزب الله» السيد حسن نصرالله … والبلد. والمنطقة عموما، يمران بمرحلة بالغة الدقة والخطورة والتحديات وعلى كل المستويات الداخلية والخارجية، سواء بسواء… من ابرزها التهديدات الاسرائيلية المعززة اميركيا المتلاحقة ضد لبنان، سواء عبر الجدار الاسمنتي على الاراضي اللبنانية المحتلة، او عبر ادعاء وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان ملكية «اسرائيل» «البلوك 9» الغازي في المنطقة الاقتصادية اللبنانية ناهيك بالاجراءات الاميركية المتلاحقة ضد «حزب الله» ومؤيديه وعلى كل المستويات.
لا احد ينكر اهمية «تفاهم مارمخايل» ودوره في تعزيز «المصالحات الوطنية»، وصياغة نهج سياسي – تحالفي عابرا لحدود الطوائف والمذاهب والمناطق.. وذلك على الرغم مما تعرض له هذا «التفاهم» من خروقات واهتزازات ليست هينة بعد وصول العماد عون الى رئاسة الجمهورية وتسلم صهره الوزير جبران باسيل رئاسة «التيار» وخلال صياغة قانون الانتخابات وما بعده، وعبر الجدالات التي لم تتوقف حول مسألة التعيينات والتوظيفات، ومرسوم الاقدمية وتكللت بمواقف الوزير باسيل الاخيرة ضد «حزب الله» … وقبله ضد احد مكوني «الثنائي الشيعي» الرئيس نبيه بري.
تعزيز «التفاهم» ضرورة الضرورات في نظر عديدين، ازاء الاستقرار الداخلي، ولبنان على ابواب الانتخابات النيابية، واهمية صياغة شبكات تحالفية خارقة للطوائف والمذاهب والمناطق، وان كان ذلك لم ينعكس بالتمام والكمال داخل مؤسستي مجلس النواب ومجلس الوزراء حيث اختطلت الاجواء المتلبدة بالعواطف السياسية، والخلافات الداخلية، التي لم يكن لها من داع، بنظر قيادات «حزب الله» في وقت تواصل الادارة الاميركية و»اسرائيل» التحريض ضد «حزب الله» وعلى كل المستويات.
اتسعت دائرة التباينات بين الحزب و «التيار» على خلفية مسائل عديدة، من ابرزها قانون الانتخابات الحالي والتعيينات .. وكادت تصل الى حدود ليست في مصلحة «التفاهم» لولا تدخل مباشر من الرئيس العماد عون… الذي قطع الطريق عبر التواصل المباشر مع السيد نصر الله امام كل كلام تحريضي … خصوصا وان قيادات في «التيار» قرأت في قانون الانتخاب ما لم يقرأه الحزب لجهة «كيفية ادارة التحالفات وتطبيقاته» يعرف انه لا يمكن لاي جهة ان تسيطر لوحدها، لاسيما وان لبنان لا يمكن ان يحكم بجهة واحدة، سواء كانت سياسية ام طائفية ام مذهبية، فلبنان، على ما قال وزير الشباب والرياضة محمد فنيش «يحكم بالشراكة، وطبيعة نظامنا السياسي، على علته وشوائبه، هو نظام توافقي تشاركي … واي جنوح من قبل اي جهة نحو التفرد والالغاء، سينجم عنه فشلا لهذه الجهة، وضررا في ادارة شؤون البلد؟!» وهي مسألة لم تغب عن بال واهتمامات ومتابعات الرئيس سعد الحريري الذي تعرض ولا يزال الى ضغوطات وعلى جميع المستويات على خلفيات عدة من ابرزها ترؤسه حكومة ممثل فيها «حزب الله».
على ابواب الانتخابات لا تترك قيادات في «المستقبل» مناسبة الا وتؤكد فيها استحالة التحالف مع «حزب الله» وذلك على الرغم من ان الرئيس الحريري الذي اطلق مبدأ «النأي بالنفس» عن الصراعات الخارجية، وخصوصا العربية منها… مع اعطاء هامش واسع للصراع مع «اسرائيل».
يؤكد الرئيس الحريري في غير مناسبة … وامام الضغوطات التي يتعرض لها وان مسألة «حزب الله» اكبر من لبنان … والجميع يدرك المخاطر التي تواجه لبنان، ان كانت مخاطر اقتصادية او سياسية او مخاطر مقلقة بالاستقرار.
تتقاطع المقاربات بين الرئيس الحريري والرئيس عون، اكثر كثيرا مما كان يتوقع عديدون وقد حقق الرجلان خطوات ايجابية مميزة على خط وضع الاختلافات جانبا من دون ان يدير ظهره لدور العماد عون مع قيادات حزب الله، التي ساهمت بدور بالغ الاهمية وفاعل في سحب التوترات الاخيرة من الشارع وانعقاد «لقاء الحدت» الذي كان مقدمة للقاء بعبدا، اليوم الثلاثاء، ورسالة بالغة الاهمية باتجاه ان احدا لا يريد اللجوء الى الشارع… الامر الذي يتطلب برأي عديدين العودة الى حوار وطني بناء وصريح وجاد.. خصوصا وان الجميع مدرك ان ما حصل اذا ما عاد الى الشارع – فان المسألة ستكون اكبر من لبنان…
القرار في يد «لقاء بعبدا»، والاطراف الثلاثة، يحملون بين اياديهم قراءات وتصورات تحتاج الى الانفتاح والى المزيد من «طول النفس» مع تأكيد سياسة «النأي بالنفس» «شرط الا يكون لبنان يوما حياديا مع اسرائيل» على ما كان قال الرئيس الحريري في حواره مع معهد «كارنيفي» للشرق الاوسط.. كما ويحملون قناعات بإن «الضرورات تبيح المحظورات» وان التحالفات يجب ان تبقى تحالفات ولا تنقلب الى عداوات، وان طرأت مسائل خلافية عديدة.
والتحدي الاكبر الذي يواجهه لقاء بعبدا اليوم يستوجب مسؤوليات كبيرة، ولا يدعي اي فريق انه منزه عن الاخطاء والارتكابات بل و»الخطايا» ويجب ان تكون هناك مناقشات واضحة وصريحة لطي صفحة ما جرى والعودة بلبنان الى اسس الاستقرار وعلى كل المستويات – لكي يبقى لـ «تفاهم مارمخايل» قيمة عملية حاضرة ولا يتحول الى جزء من الماضي؟!