العشاء غير السري في بيت الوسط بين الرئيس المكلَّف سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، حمل أكثر من دلالة ووجَّه أكثر من رسالة في اتجاه أكثر من طرف، ورسم خارطة طريق لمرحلة تشكيل الحكومة.
جاء العشاء في وقتٍ لم يصل فيه جواب قصر بعبدا على ما حمله الرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية يوم الجمعة الفائت، لم يصل الجواب لكن الذي وصل هو رئيس حزب القوات اللبنانية، وهذه هي الرسالة الأولى التي مفادها أنَّ مروحة خيارات الرئيس المكلف ليست قليلة، إذ لا يمكن حشره في خيارات محددة وضيقة.
***
الموقف الذي أعلنه جعجع من بيت الوسط عكس جو الإرتياح، فهو أعلن أننا سنكمل بالمساعدة في حلحلة العقد التي تحول دون التأليف، إلا أنَّ هناك مسألة واحدة لا يمكننا حلّها وهي أننا لا يمكننا أن نصغِّر من حجمنا التمثيلي، ولا أعتقد أيضاً أنَّ أحداً من المسؤولين الرئيسيين في البلاد إن كان رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب يقبل بذلك أو في هذا الوارد، عدا عن ذلك لن نتأخر بتقديم أية مساعدة في أية مسألة، وفي ما يتعلّق بمسألة الحقائب والأحجام فالإنتخابات النيابيّة هي التي أفرزتها.
الأهمُّ من كل ذلك أنَّ جعجع أعاد تصويب البوصلة في اتجاه أنَّ مَن يشكِّل الحكومة هو الرئيس المكلف بالتعاون مع رئيس الجمهورية الذي يوقِّع على مراسيم التشكيل، لذا هو قال:
إنَّ مسألة تأليف الحكومة هي بيد رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وعليهما يقع تقييم أحجام الأحزاب باعتبار أنه لا يمكن لهذه الأحزاب أن تُحدِّد حجم بعضها البعض.
***
السؤال هنا:
هل يسلِّم رئيس التيار الوطني الحر، رئيس تكتل لبنان القوي، جبران باسيل، بهذا الطرح الذي يعني سحب ملف التشكيل من أيادي الجميع بمن فيهم باسيل، ووضعه مجدداً بين أيدي رئيس الجمهورية والرئيس المكلَّف حصراً؟
يصعب تصوّر تخلي الوزير باسيل عن الدور الذي يمارسه منذ مطلع العهد، لكن هل يمكن اعتبار أنَّ دوره قد ضعف بعدما ابتعد أو إستبعد شريكه السياسي نادر الحريري؟
هذا احتمال، والأيام الآتية ستنفيه أو تؤكده.
***
من خلال كل ما تقدم فإنَّ تأليف الحكومة دخل في نفق دستوري وسياسي وفي محاولة سحب كل الشروط التي لا تُسهِّل عملية التأليف، وفي هذا المجال تقول مصادر عليمة إنَّ مَن يضع الشروط يعلم مسبقاً أنَّ شروطه مستحيلة التنفيذ، فالرئيس الحريري وبحسب المصادر يسعى لأن تتمثل كل القوى ذات الأغلبية النيابية في حكومته من أجل نجاحها وانتاجيتها، ولا يمكن أن يبقى أيُّ مكِّونٍ أساسيّ خارجها، باعتبار أنَّ الأمر هو حقٌّ طبيعي لهذه القوى.
في المحصلة، هناك مناخ في البلد بدأ يروِّج أنَّ هناك مَن يحاول المس بصلاحيات رئيس الحكومة، وهذا المناخ يدعو الرئيس الحريري إلى الصمود والصبر وعدم التنازل عن صلاحياته التي منحه إياها الدستور اللبناني وعدم الخضوع للضغوط التي يتعرض إليها.
***
إنَّها عملية كباش جديد، والمطلوب هو الإنتظار لاستكشاف نتائج هذا الكباش.