تتعامل القوى اللبنانية مع لقاء باريس على أنّه صار جزءاً من الرزنامة الداخلية، ولو أنّ سليمان فرنجية يترك الأمر مدار أخذ وردّ رافضاً فصل خيطه الأبيض عن الأسود، غير أنّ خروج بعض «المستقبليين» عن تعميم «الصمت» ليحسموا الجدل بالإيجاب وتأكيد الخبر الافتراضي وتثبيته بالوجه الشرعي، جعل منه أمراً واقعاً استدعى التعامل مع ترتيباته وتداعياته بكثير من الدقّة والحذر.
هكذا يتعامل معه البعض بدرجة عالية من الجدية وبوصفه مفصليّاً، بمعنى أنّ حدوثه ليس مناورة من جانب سعد الحريري ولا «زحطة» من جانب ضيفه أو استنساخاً للدرب الذي سبق وسلكه العماد ميشال عون وانتهى بحائط مسدود. لا بل ثمة طبخة حقيقية موضوعة منذ مدة على نار خفيفة، وتنتظر آخر مكونات نضوجها، إذا ما صدر القرار الإقليمي بذلك.
إذ لا يقلّ تأثير حصول تسوية انتخاب البيك الزغرتاوي رئيساً للجمهورية على الاصطفاف السياسي، عن حجم تداعيات هذه الصدمة على مكونات جبتهي النزاع وحساباتهما الداخلية. لا بل يذهب البعض الى حدّ وصف هذا الحدث، في حال تطابق حسابات بيدره مع حسابات حقله، بالانقلاب الذي من شأنه أن يخلط كل الأوراق.
أن يُنتخب ميشال عون رئيساً، كاحتمال تعامل معه البعض ببراغماتية دفع بهم الى رسم كل السيناريوهات المحتملة لهذا الخيار، لا يُقاس بالنتيجة التي ستحملها تسوية وصول فرنجية الى الكرسي المخملي، سواء في ارتدادات ذاك على قوى «8 آذار»، أو على خصومها في «14 آذار».
هكذا، ثمة من يتوقع أن تكون أولى ارتدادات هذا السيناريو في حال تتويجه رئاسياً، ازدياد متانة «إعلان النيات» القائم بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» ليصير حلفاً وأكثر من تفاهم، كما هو راهناً، خصوصاً أنّ هناك من يعتبر أنّ واحداً من الأهداف المكتومة لهذه التسوية هو تطويق سمير جعجع والحدّ من توسيع نفوذه، وفقاً لما يرسم له من خلال سعيه للانقضاض على «قانون الستين» وتمرير قانون انتخابي جديد يتيح له التحرر من أثقال «المستقبليين».
في حين أنّ «الكتائب» التي نسج شيخها سامي الجميل علاقات جيّدة مع الزعيم الزغرتاوي، قد تستفيد من الواقع الجديد، لتأخذ بثأرها من التقارب بين الرابية ومعراب، والذي حصل بعيداً عن ناظريها، لا سيما أنّ الشكوك تملأ أذهان الكتائبيين من أنّ التفاهم العوني – القواتي سيطيح الطبق المسيحي ويأكل أخضره ويابسه.
ومع ذلك، يفضّل الكتائبيون عدم التعليق على خبر اللقاء الباريسي، ويكتفون بالإشارة الى أنّه لا يزال في سياق جسّ النبض، أو بالأحرى في العموميات، وبالتالي لا يجوز الذهاب بعيداً في تسجيل المواقف قبل الوصول الى الخواتيم للبناء على الشيء مقتضاه.
لا ينفي الكتائبيون الصلات الجدية الي تربطهم مع بنشعي، ويؤكدون أنّ موقف «الكتائب» مبدئي بالسير بمرشح توافقي يبعد الشغور من القصر الرئاسي كي تستقيم الحياة السياسية، ويشددون بالقول إنه لا فيتو على أي مرشح.
ولهذا يبدو أنّ واحداً من الأضرار المنتظرة في حال انقلبت المقاييس، وصار الرجل الزغرتاوي سيداً للقصر الرئاسي، هو تشقق البيت الآذاري، لا سيما في جناحه المسيحي.
هنا، لا يُنتظر من مُستقلي هذا الفريق أن يبحروا عكس مياه «تيار المستقبل»، مع أنّ هؤلاء لا يشكلون فريقاً متجانساً ولا إطاراً جامعاً، ويتمايزون في كثير من المسائل ربطاً بحساباتهم المناطقية، مع أنّ كُثراً منهم يصبّون في الوعاء «الأزرق» حين تأتي ساعة الحسم، وقلّة نادرة منهم قد تتسلح باستقلاليتها. طبعاً، سيكون لموارنة هذا الفريق اعتبارات أخرى من مسألة ترشيح سليمان فرنجية، وقد لا يبلعون موسها بسهولة.