رسالة الرؤساء الـ5 نواة جبهة لإعادة التوازن وتحجيم النفوذ الإيراني!
النبرة التخوينية رسالة لكمّ الأفواه ومحاولة لقطع الطريق على الإعتراض على سلاح الحزب ومشروعه الإقليمي
حزب الله يتخوّف من «إعادة تكوُّن» حركة لبنانية جامعة إسلامية – مسيحية تُحدِث إزاءه ما أحدثته انتفاضة الإستقلال
يروي أحد السياسيين الذين عايشوا يوميات المواجهة الصامتة مع الوجود السوري في لبنان، أن «عين النظام بعدما أطبق على الحياة السياسية اللبنانية، كانت باستمرار على أي لقاء أو اجتماع يشتم منه أنه قد يشكل مساحة تلاق بين أطياف مسيحية وإسلامية معارضة لتحكم نفوذه في البلاد، ذلك أنه كان مدركاً أن أصوات مسيحية لوحدها أو مسلمة لوحدها لا يمكنها أن تفعل فعلها ما دامت غالبية القيادات المسلمة قد تم إخضاعها بالترغيب والترهيب، وغالبية القيادات المسيحية قد تم إضعافها، وأضحت إما في السجن أو المنفى. ووحده تلاقي الارادة المشتركة الداخلية يمكن أن يشكل خطراً عليه، لأن بمقدوره أن يفعل فعله إذا توافرت الظروف المناسبة وعرف أصحابها كيف يستثمرونها». مناسبة هذا الكلام مردها إلى تلك الهجمة الشرسة على الرسالة التي وجهها الرؤساء الخمسة إلى القمة العربية في الأردن، والتي أخرجت «حزب الله» تحديداً من عقاله، بحيث ذهب ممثله في البرلمان علي عمار إلى وصفهم بـ«خمسة عبيد صغار»، ترافقت مع حملة على مواقع التواصل الاجتماعي عبر إطلاق هاشتاغ بالاسم نفسه ووسم الرسالة بأنها «رسالة السفارة».
لم تكن الرسالة عملياً هي الحدث، بل ردة الفعل عليها، والحملة التخوينية التي طاولت الرؤساء الخمسة (رئيسا الحمهورية أمين الجميل وميشال سليمان ورؤساء مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام). فالرسالة بذاتها ربما تكون قد تأخرت بمغزاها السياسي، إذ كانت لتعطي صدى أكبر لو أنها جاءت في أعقاب الموقف الذي أطلقه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من مصر، حول سلاح «حزب الله» المكمل لسلاح الجيش اللبناني، وهو الموقف الذي أدى إلى ردود فعل ليس فقط خليجية بل ودولية أيضاً، بحيث كشف المحضر الذي سُرّب عن اجتماع سفراء مجموعة الدول الداعمة للبنان عن عينة لحجم تداعيات «الدعسة الناقصة» لرئيس الجمهورية، والتي جرى العمل على احتوائها. وجاءت في بعدها السياسي مع انعقاد قمة عمان كخطوة استباقية أو احترازية تخوفاً من تداعيات لموقف لبنان إذا خرج عن الإجماع العربي، على غرار ما جرى في اجتماعات عربية أو إسلامية سواء على مستوى قمة أو وزراء خارجية وداخلية لدى ادانة تدخل إيران في الشؤون العربية وإدانة «حزب الله» لقيامه بأعمال إرهابية ودعمه حركات وجماعات إرهابية»، ولاسيما أن القمة في توقيتها الدقيق والقرارات المنتظر أن تصدر عنها أحدثت مخاوف لدى جهات سياسية عدة من انعكاسات أي موقف للبنان يأتي متصادماً مع تلك القرارات، خصوصاً أن رئيس الحكومة تحديداً هو جزء من الوفد، بحيث يقيد أكثر موقف لبنان الرسمي. ففي أزمة تصريح رئيس الجمهورية، سعى رئيس الحكومة إلى التخفيف من مفاعيل موقف عون من بوابة أن مجلس الوزراء هو السلطة التنفيذية في البلاد.
فالهجمة الشرسة لا يمكن فهمها إلا من زاوية قلق «حزب الله» المشابه لذلك الذي كان ينتاب سابقاً النظام السوري من تكوّن «نواة ما» لحركة لبنانية جامعة إسلامية – مسيحية قادرة أن تتحول مستقبلاً إلى مركز استقطاب أوسع إذا ما توافرت ظروف إقليمية ودولية مماثلة لتلك التي تماهت مع تلاقي الإرادة الداخلية الإسلامية – المسيحية التي أحدثها اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فكان أن أدت إلى انتفاضة الاستقلال التي أفضت مع المظلة الخارجية إلى خروج الجيش السوري من لبنان، والذي كان بالنسبة للبنانيين ضرباً من الخيال. فالحزب اليوم يعتبر نفسه أنه نجح في تطويع القوى السياسية الرئيسية، التي سلمت بنفوذه واستطراداً بالنفوذ الإيراني في لبنان. ولا يمكن إدراج ذهاب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وزعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري بخيار الجنرال عون مرشح «حزب الله» ومعه المحور السوري – الإيراني في نهاية المطاف، سوى في خانة التسليم وإن اشتبه على جعجع أن «تفاهم معراب» قادر على إحداث تغيير في المعادلة، أو اعتقد الحريري أن التفاهم مع «حزب الله» بواجهة عون له صفة الديمومة، والاثنان قد اختبرا الانقلاب على التفاهمات والاتفاقات.
وفي رأي داعمي الرسالة أن قيمتها تكمن في توقيع الرؤساء الخمسة عليها معاً بما يجعلها نواة لـ«حركة أكبر وربما جبهة»، يمكن المراكمة عليها من الآن وإلى حين ظهور ظروف إقليمية ودولية مؤاتية تسمح بالتقاط الفرصة ثانية لاعادة التوازن السياسي إلى لبنان، عبر تحجيم النفوذ الإيراني في البلاد. لكن هذا ليس أمراً متيسراً ولا سهلاً في الوقت الراهن، ويرتكز بشكل رئيسي على قدرة اللبنانيين مجدداً على النهوض كما فعلوا في 2005، وجهوزيتهم للاستفادة من لحظة تقاطع المصلحة الوطنية مع التحولات الخارجية، غير أن إمكانات حصول مثل هذه التحولات ليست مستحيلة في ظل التبدلات التي يشهدها الإقليم والمنطقة عموماً مع مجيء إدارة أميركية جديدة بسياسة مختلفة حيال إيران والمنطقة، وإن كان من المبكر الجزم بالمدى الذي ستصل اليه المواجهة الأميركية – الإيرانية غير المباشرة والنتائج المترتبة عنها في الساحات التي تشهد حروباً تنخرط ايران وأذرعها العسكرية فيها بقوة، لتجميع مزيد من الأوراق وتحسين شروطها.
عدم استحالة تبلور ظروف مؤاتية لتمرد لبناني ضد نفوذ «حزب الله» وإيران هو الدافع وراء تلك النبرة التخوينية التي يعتبرها رافضو الهجمة بأنها «رسالة تهديدية لكم الأفواه» لكل من يمكن ان يعترض على سياسة الحزب وسلاحه ومشروعه ودوره الإقليمي، وإلى قطع الطريق أمام محاولات من هذا النوع مهما كانت بسيطة أو صغيرة. فقبل هذه الرسالة، سجل بطريرك الموارنة مار بشارة بطرس الراعي موقفاً من سلاح «حزب الله» على نقيض موقف رئيس الجمهورية، وهو موقف جاء مفاجئاً وأحدث نقزة لدى المراقبين على ضفة «حزب الله» الذي يرصد الاشارات المختلفة ويعمل على تفكيك ألغازها وتجميعها لتكوين الصورة الأشمل، من تسريب محضر اجتماع سفراء مجموعة الدول الداعمة للبنان إلى توقيف رجل الاعمال الشيعي قاسم تاج الدين، الى تغريم الجامعة الإميركية في بيروت لمخالفتها القانون الأميركي وقبولها في برنامج تدريب للاعلاميين مشاركين إثنين تابعين لكيانين مشمولين بالعقوبات الأميركية (إذاعة النور وتلفزيون المنار)، إلى ترقب لائحة أسماء جديدة من وزارة الخزانة الأميركية يتردد أنها وصلت إلى مصرف لبنان، لكنه غير معني بنشرها، وأخيراً وليس آخراً رسالة الرؤساء الخمسة إلى رئاسة القمة العربية التي وإن كانت حصدت ردوداً من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، لكن أهدافها واسبابها ومراميها مختلفة جداً.