IMLebanon

رسالة رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي لا تساهم بحل مشكلة

المشكلة باختلاق «حزب الله» مطلب توزير ممثّل عن النواب السُنَّة وليس بأداء الرئيس المكلف

رسالة رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي لا تساهم بحل مشكلة تأليف الحكومة بل تزيدها تعقيداً

 

 

لا بدّ من مقاربة المشكلة على حقيقتها ومطالبة «حزب الله» بإزالة الاعتراضات التي فرضها على عملية التشكيل

أدى تهديد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتوجيه رسالة إلى المجلس النيابي لحثه على سحب التكليف من الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة وللخروج من مأزق التأليف، كما روّج لذلك بعض المقربين، وهي المرة الثانية التي يلوّح بمثل هذا الاجراء منذ تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة بعد اجراء الانتخابات النيابية مطلع شهر أيّار المنصرم، إلى توتر ملحوظ في المواقف السياسية لمعظم الأطراف، كون اللجوء إلى هذا الخيار وإن كان من صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية، لن يؤدي إلى حل مشكلة تأليف الحكومة المعقدة بفعل التنازع على الحصص والمقاعد وطرح الشروط من هنا وهناك وغيرها، بل سيخلق مشكلة أكثر تعقيدا وقد تكون مستعصية وتدخل البلاد في أزمة كبيرة لا يمكن التكهن بنتائجها.

فالمشكلة بتأليف الحكومة منذ البداية كانت بفعل الاختلاف على الحصص والحقائب بين رئيس «التيار العوني» الوزير جبران باسيل من جهة و«القوات اللبنانية»، وما كادت هذه المشكلة أو العقدة التي تطلب حلها شهورا وتخللها تصعيد في الاجواء السياسية وتبادل الحملات من كل حدب وصوب وقاربت الأمور حدود إصدار مراسيم التشكيلة الحكومية، حتى فاجأ «حزب الله» الجميع مطلب تعجيزي لتوزير ممثّل عن النواب السُنة التابعين له، ما أدى إلى فرملة عملية التأليف التي ما تزال تدور في متاهة هذا المطلب الذي وصفه رئيس الجمهورية في اطلالته التلفزيونية بأنه غير محق كون هؤلاء النواب ملحقين بكتل نيابية شاركت بالاستشارات في مرحلة تسمية الرئيس المكلف وبعدها، كل كتلة مجتمعة ولم يكونوا ككتلة واحدة ليتم التعاطي معهم على هذا الأساس.

وهكذا أصبحت العقدة، عقدة تسمية ممثّل عن النواب السُنة الستة الملحقين بحزب الله، تتحكم بتشكيل الحكومة دون أي عقدة أخرى، وبالتالي أصبح حلها مرتبطا بموقف الحزب دون سواه كما ظهر ذلك جلياً للرأي العام بالرغم من كل محاولات تبديل الصورة وقلب الوقائع وتصوير المشكلة بأنها بين الرئيس المكلف وهؤلاء النواب خلافاً للواقع وللمواقف التي أظهرت بوضوح ان المشكلة بين رئيسي الجمهورية والحكومة من جهة وحزب الله من جهة ثانية.

لذلك، فإن تهديد رئيس الجمهورية بتوجيه رسالة إلى المجلس النيابي بعد كل الذي حصل في الأسابيع الماضية، يعطي انطباعاً بأن الرئيس عون قد نقل المشكلة من مسؤولية الحزب لسبب من الأسباب غير المعلنة وحاول إلقاء مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة على الرئيس المكلف خلافاً للواقع، الأمر الذي زاد في تعقيدات الأزمة لو لم تتكثف الاتصالات والمشاورات بعيدا من الأضواء لسحب تداعيات اللجوء لمثل هذا الاجراء ووقف ما تسبب به من تشنج سياسي حاد كاد ان يدخل البلاد في نفق لا نهاية له.

ولا شك ان مسألة تشكيل الحكومة الجديدة، أصبحت مطلباً ملحاً لمعظم الأطراف السياسيين الحريصين على مصلحة البلد، ولكن لا بدّ من مقاربة المشكلة على حقيقتها ومطالبة «حزب الله» بإزالة الاعتراضات التي فرضها على عملية التشكيل، بدل إلقاء تهمة التعطيل على الرئيس المكلف خلافاً للواقع أو السعي إلى نقل المشكلة إلى المجلس النيابي كما ظهر جلياً من خلال التلويح بتوجيه الرسالة الرئاسية للمجلس بالرغم مما تحمله مثل هذه الخطوة من محاذير وارباكات، ليس أقلها إدخال البلاد في أجواء انقسامية سياسية تعيد التذكير بما كان سائداً في السابق ومخاطر غير محمودة على الإطلاق.

ويلاحظ ان أكثرية السياسيين لم تحبذ لجوء رئيس الجمهورية إلى خيار توجيه رسالة إلى المجلس النيابي بخصوص مشكلة تأليف الحكومة، أكان لجهة ما سمي بسحب التكليف للرئيس المكلف وهو اجراء غير دستوري على الإطلاق ولا يمكن اعتماده لأن لا نص دستورياً بخصوصه ولا حتى تلميحاً بالرغم من كل الادعاءات والبدع التي يروّج لها بعض الموتورين وأصحاب النظريات الدستورية المزيفة، أو لجهة إعادة وضع مسألة تأليف الحكومة في يد المجلس النيابي من جديد خلافاً لأي نص دستوري محدد بهذا الخصوص أيضاً.

ومن وجهة نظر هؤلاء السياسيين ان توجيه رئيس الجمهورية رسالة إلى المجلس النيابي في هذه الظروف كما يحكى أو يروّج لأهدافها وان كانت من باب التهويل، فإنها ستؤدي حتماً إلى انقسام كبير داخل المجلس، بين من يؤيد تلقفها والتعاطي معها انطلاقاً من دور وصلاحيات مجلس النواب وبين من يعترض عليها ويرفض رفضاً قاطعاً مناقشتها أو مقاربتها حسب متطلبات ما يريده ويسعى إليه دعاة ومؤيدي هذه الرسالة، والنتيجة ستكون إدخال المجلس النيابي في حال من الانقسام السياسي الحاد وهذا بالطبع سيؤدي إلى تعميم الشلل في هذه المؤسسة الدستورية التي ما تزال تجمع ممثلي كافة الفئات والشرائح اللبنانية بالرغم من التباين والخلافات فيما بينها حول المسائل الداخلية والخارجية، وتستمر في العمل التشريعي ولو بالحد الأدنى مع استمرار تعثر تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي يرفضه أكثرية اللبنانيين ويصرون على وحدة المجلس النيابي واستمراره في مهماته لجمع اللبنانيين وليس لتفرقتهم والغرق بالشلل كما سائر المؤسسات الأخرى.

ولذلك، فالمصلحة الوطنية تتطلب مقاربة المشكلة على حقيقتها ومعالجتها بدلاً من الهروب إلى الامام نحو توجيه رسالة للمجلس النيابي.