Site icon IMLebanon

الكرملين بعد إعادة روسيا تدمر إلى النظام وجه رسائل تتعدى أميركا إلى الأسد وإيران

لم ينتظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري بشار الاسد يشكره فيه على مساعدة القوات الروسية في تحرير تدمر وفق ما تقتضي بديهيات البروتوكول متى ساعد طرف طرفا آخر، بل بادر سيد الكرملين الى الاتصال بالاسد. وحرصت وسائل الاعلام الروسية الرسمية على إبراز النبأ بالتشديد على ان “الاتصال الهاتفي بادر اليه الجانب الروسي” وان الرئيس بوتين “هنأ نظيره باستعادة مدينة تدمر وان الرئاسة الروسية شددت على الدور المركزي لموسكو في هذا الإنجاز”. وأضاف البيان: “إن الرئيس السوري أعرب عن امتنانه للدعم الفاعل الذي قدمته القوات الجوية الروسية”. فيما قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “إن الرئيس السوري شدد على أن تقدما مثل تحرير تدمر ما كان ممكنا من دون دعم روسيا”. لم يكن للامور أن تكون أكثر وضوحا في تأكيد روسيا صراحة أنها هي من أتاح المجال أمام النظام السوري لإعادة السيطرة على تدمر في رسالة متعددة الاتجاه، تقول مصادر ديبلوماسية معنية انها موجهة الى كل من النظام وايران حول الارتباط الوثيق لأي تقدم لهذا الثنائي في سوريا، برعاية او اشراف من الطائرات الروسية وتقديمها المساعدة، مما يجعل الاثنين رهناً بالقرار الروسي بمقدار ما هي موجهة الى الولايات المتحدة. فالمساعدة الجوية التي قدمتها روسيا لقوات الاسد وحلفائه من الميليشيات الشيعية من أجل استعادة تدمر من تنظيم “الدولة الاسلامية” تأتي بعد أيام على زيارة قام بها وزير الخارجية جون كيري لموسكو حيث التقى الرئيس بوتين ونظيره سيرغي لافروف. وقد ظهر اختلاف في الموقفين الاميركي والروسي من بت مصير الاسد لجهة إعلان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف “أن الولايات المتحدة تفهمت موقف موسكو بأنه ينبغي عدم مناقشة مستقبل الاسد في الوقت الراهن في مفاوضات جنيف”. ومع أن عبارة مهمة تضمنها هذا التصريح، أي عدم مناقشة مستقبل الاسد في الوقت الراهن، مما يعني أن الموضوع ليس غير وارد على نحو كلي بل مؤجل راهنا، فإن الناطق باسم الخارجية الاميركية جون كيربي رد على الفور بأن أي اقتراح أننا غيرنا في أي شكل من الاشكال رؤيتنا لمصير الاسد هو اقتراح خاطئ، فيما أصدر المبعوث الاميركي الخاص الى سوريا مايكل راتني بيانا عن انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات السورية في جنيف، شارحا خلاصة الورقة التي استخلصها الموفد الدولي دو ميستورا من اللقاءات التي رعاها بين وفدي النظام والمعارضة، وفي تقويم راتني “اننا كنا وما زلنا واضحين في أن توقعنا هو أن هذه المفاوضات ستتناول القضية الجوهرية المتمثلة بالانتقال السياسي الذي ليس شيئا غامضا، بل هو انتقال بعيد من بشار الاسد”. ومع أن هذا الكلام قد يفيد أو يعني طمأنة المعارضة الى أن هدفها سيتحقق وان الاتفاق مع موسكو كما أوضحت الاخيرة يفيد باختلاف التوقيت حول الكلام على سحب الاسد من المشهد السياسي وليس عن عدم ورود هذا الاحتمال، وفيما تظهر المساعدة الروسية في استعادة تدمر أن الانسحاب الروسي الجزئي لم يكن مؤثرا على قدرات روسيا او انه كان انسحابا شكليا بمعنى توجيه رسائل سياسية عبره وتحقيق جملة أهداف من خلاله، فإن روسيا تحصد المزيد من رد الفعل الايجابي لجهة استعادة تدمر من “داعش” بالذات في أول استهداف علني وواضح للتنظيم، على غير ما اتصف به التدخل الروسي منذ ايلول الماضي وحتى اعلان الانسحاب الجزئي في 14 آذار الحالي، خصوصا ان هذا الانتصار على “داعش” يأتي بعد التفجيرات الارهابية في بروكسيل. وهذا الموقف الاميركي يفيد بوضوح ان الانتصار في تدمر وأي إنجازات يحققها النظام على الارض لن تغير مبادىء الحل السياسي الذي يجب إرساؤه في سوريا.

ليس قليلا أن تعيد روسيا الاسد السيطرة على تدمر بين جولتين من المفاوضات، بما يقوي موقع النظام ويعطيه زخما، علما أن ثمة من يرى ان الرسالة الروسية الى النظام وايران التي سارعت الى تهنئة الاسد باستعادة تدمر، كما لو ان هذه الاستعادة من قدراته وحدها وليست هدية قدمتها له روسيا لأهدافها الخاصة، قد لا تقل بلاغة في ضوء معلومات عن اختلاف بين الرؤيتين الروسية والايرانية، فيما تظهر إيران أكثر قدرة في التأثير على الأسد. فحين يعود الى روسيا تمكين النظام من استعادة تدمر والإصرار على أن تنسب روسيا الى نفسها الفضل وأن تنقل وسائل إعلامها إقرار الاسد بفضل روسيا، فإنما يعني ذلك أن على فريقي النظام وإيران احترام التزامات روسيا والتقيد بروزنامتها في مسار الاتفاق مع الولايات المتحدة وليس الاستعانة بروسيا من أجل تحقيق انتصارات على الارض بواسطة القصف الروسي، ثم الانصراف الى تحديد روزنامة خاصة بهما. في حين يقول موالون للنظام في لبنان ان روسيا ستساعد الاسد للانطلاق من تدمر في اتجاه استعادة المناطق في اتجاه الحدود مع العراق، وتاليا الطريق الى دير الزور، الامر الذي يمكنه من استعادة السيطرة على غالبية الاراضي السورية وفق ما كان صرح الاسد، بما سيدفع المعارضة في ضوء المكاسب المهمة للنظام، ولو برعاية واشراف روسيين، الى أن تقبل بأن وضعها ليس مميزا لتطالب بشروطها وليس فقط بشروط تغيير النظام.