هل هناك مبالغة فعلا في المراهنة على مؤتمر باريس-4 بتسميته الجديدة «سيدرز»، في شأن النتائج التي قد يخرج بها؟ واستطرادا، هل سينعقد هذا المؤتمر في توقيته السابق، قبيل الانتخابات النيابية؟ وهل من علاقة بين المساعدات الدولية، وبين نتائج الانتخابات؟
لا يختلف اثنان على دقة الاوضاع المالية والاقتصادية التي يمر بها البلد حاليا. وفي غياب المعطيات التي تسمح بالمراهنة على تحسين الاحوال من خلال تغيير المشهد العام، أي العودة الى مرحلة جذب الاستثمارات الخارجية، وتنشيط السياحة، وتزخيم التصدير الصناعي، ومع انحسار الدور الخدماتي والمالي الاقليمي، هناك جنوح نحو تضخيم الرهانات على ملفين: الاول آني وسريع، يرتبط بالمساعدات الدولية التي قد تُقدم للبنان عبر ثلاث مؤتمرات مبرمجة للانعقاد في خلال العام 2018. والثاني، طويل المدى، يتعلق بالآمال المعقودة على بدء التنقيب عن الغاز والنفط في المياه اللبنانية.
بصرف النظر عن المبالغات المفرطة في الرهان على الثروة النفطية، وهو رهان طويل المدى يحتاج عشر سنوات في أقل تقدير، يتم التركيز حاليا على مؤتمرات لدعم لبنان. وهنا ينبغي التفريق بين مؤتمر باريس-4، وبين المؤتمرين الآخرين المخصّصين لدعم القوى المسلحة الشرعية، ودعم الحكومة لتخفيف حدة التداعيات السلبية لملف النازحين السوريين.
في ملفي دعم القوى المسلحة والمساعدة على الصمود امام ضغوطات ومفاعيل النزوح، هناك قناعة مستندة الى حقائق، تشير الى ان لبنان سيحصل على حصة مقبولة في الاتجاهين. اذ أن موضوع دعم القوى المسلحة لمواجهة الارهاب، وتقوية شكيمة الدولة، يحظى برعاية دولية، تقودها الولايات المتحدة الاميركية المقتنعة بهذا المنحى. وبالتالي، يبدو الحصول على المساعدات شبه محسوم.
في ملف النازحين، هناك معطيات تسمح بالتفاؤل النسبي أيضا، على اعتبار المصالح المشتركة، خصوصا بالنسبة الى الطرف الاوروبي المتحمّس للمساعدة لتشجيع السلطات اللبنانية على الاحتفاظ بالنازحين، ومنع تسربهم الى القارة العجوز، بانتظار الحل الشامل للأزمة السورية.
لكن الاشكالية المعقدة تتعلق بمؤتمر الدعم المالي والاقتصادي. اذ لا توجد رعاية دولية حقيقية لهذا الملف، باستثناء حماسة فرنسية تحاول عبرها باريس لعب دور رأس الحربة في إقناع المجتمع الدولي بتقديم دفعة جديدة من المساعدات استكمالاً للمساعدات التي جرى تقديمها في مؤتمرات باريس واحد واثنين وثلاثة.
نواة التعقيدات في هذا الامر معروفة، وهي تتعلق بنقطتين اساييتين، أُضيفت اليهما أخيرا نقطة ثالثة.
النقطة الاولى لها علاقة بتنفيذ مشاريع سابقة رصدت لها الدول والجهات الدولية المانحة، وفي مقدمها البنك الدولي، مبالغ للتنفيذ، لكنها لم تُنفذ حتى الان. وبما ان الوقت صار ضيقا، ارتأت الحكومة ان تدمج تلك المشارع ضمن الخطة الشاملة التي ستعرضها للنقاش في مؤتمر باريس-4. هذا الدمج القسري لا تنظر اليه الجهات المانحة بارتياح، على اعتبار ان لا ضمانات ان ما لم يُنفذ سابقا سيُنفذ لاحقاً.
النقطة الثانية والأهم تتعلق بالاصلاحات البنيوية المطلوبة كشرط للافراج عن مساعدات جديدة، سواء على شكل قروض أو هبات. في هذا السياق، تبدو الحكومة عاجزة عن تقديم مادة مُقنعة.
اذ ان كتلة الاجور الضخمة قياسا بحجم الموازنة، والتي كان مطلوبا خفضها، اما من خلال تكبير الموازنة، او من خلال خفض الرواتب عبر عمليات تطهير شبيهة بما جرى في الميدل ايست، منذ سنوات عندما اتخذ قرار وقف التدهور وانقاذ الشركة، لم تحصل، بل جرى تضخيم هذه الكتلة اكثر فأكثر، من خلال رفع مستويات الاجور في القطاع العام (سلسلة الرتب والرواتب)، واستمر التوظيف العشوائي في المؤسسات الرسمية، في الملاك وخارجه عبر التعاقد او تثبيت ما يُعرف بالمياومين.
وتبدو محاولة خفض الانفاق من خلال قرار خفض موازنات الوزارات 20 في المئة، محاولة عقيمة ولن توصل سوى الى المزيد من التضييق على الناس، من دون تغيير جذري في ارقام العجز المالي.
تبقى النقطة الثالثة المستجدة، والتي يهمس بها البعض، ومفادها ان فوز حزب الله مع حلفائه بالاكثرية في المجلس النيابي ستشكل مادة اضافية لفرملة المساعدات الدولية، اذا وجدت.
وعليه، تبدو حظوظ «سيدرز» في تحقيق نقلة نوعية في المشهد الاقتصادي والمالي متواضعة جدا. ولا يمكن الرهان على خوف الدول من انهيار مالي في لبنان يدفع الى نزوح سوري معاكس في اتجاه اوروبا، لأن الحكومات المعنية تعتبر ان مستوى العيش في البلد لا يزال مرتفعا مقارنة بدول الجوار غير النفطية، وبالتالي، لا شيء يمنع خفض مستويات القدرة الشرائية اكثر، وتحميل اللبنانيين انفسهم، تبعات ما سمحوا بحصوله على المستوى الاقتصادي. ومن المؤكد ان ما تبقى من طبقة وسطى ستكون الضحية الاساسية في هذا الانهيار اذا ما حصل.