IMLebanon

«البازل» يتكامل والحَسمُ خلال الصيف

 

يقف لبنان عند نقطة حسّاسة تتساوى فيها الفرص: إما الانفراج وإما تكريس الاهتراء إلى حدود وآجالٍ لا متناهية. ويَعتقد بعض المتابعين أنّ حسمَ الاتجاه وتبلور أحد الخيارين بات مسألة أسابيع.

 

هناك «بازل» يتكامل في المشهد الإقليمي – الدولي، وسيقود الشرق الأوسط إلى مناخات جديدة ويترك تأثيراته القوية على لبنان. وعلى الأرجح، سينقله من «ستاتيكو» السنوات الـ4 الأخيرة إلى «ستاتيكو» آخر.

 

مفتاح التغيير كان خروج الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض. فهو استتبع عودةَ العلاقات إلى طبيعتها بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، وانتقالَ المناخ بين الولايات المتحدة وطهران من تصادمي إلى تفاوضي، ووضْعَ أطُر جديدة للعلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، ولا سيما منهم إسرائيل والمملكة العربية السعودية وتركيا.

 

وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، طرأت تحوُّلات واضحة على مجمل الملفات التي تعني الشرق الأوسط. ويُنتَظر أن تتواصل في الأسابيع المقبلة، ما يؤدي إلى اكتمال تركيبة «البازل» الجديد. وفي هذا المخاض، ستتحدَّد صورة لبنان الغارق في الانهيار والفشل، وتؤدي إلى تبديل «الستاتيكو»، سواء إيجاباً أو سلباً. وملامح هذا «البازل» الإقليمي – الدولي هي الآتية:

 

1- عودة الانسجام إلى العلاقة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، وخصوصاً بين الرئيسين جو بايدن وإيمانويل ماكرون. وقد رشح أنّهما تطرّقا في لقائهما الأخير، قبل يومين، إلى الوضع اللبناني تفصيلاً.

 

واتضح أنّ واشنطن وباريس متوافقتان على منع سقوط الهيكل الأساسي للدولة اللبنانية، وعلى الاستمرار في نهجهما التقليدي القاضي بدعم المؤسسات ومنعها من السقوط، من أجل إبقاء لبنان في وضعية تؤهّله الصمود بالحدّ الأدنى، بحيث يكون جاهزاً لمواكبة التسويات الكبرى في الشرق الأوسط، عندما يحين أوانها.

 

ولذلك، بادر الطرفان إلى دعم الجيش اللبناني في شكل طارئ. وقد طرح ماكرون مبادرته الرامية إلى تأمين مستلزمات الاستمرار لخدمات الإدارة في لبنان. ومن هنا أيضاً حرص واشنطن، منذ سنوات، على تجنيب لبنان الانهيار الكامل، مالياً ومصرفياً، على رغم من أنّها تمتلك أوراقاً عدّة خطرة في هذا المجال.

 

فحتى إدارة ترامب تجنّبت تحريك دعاوى الدائنين في سندات «اليوروبوند» ضدّ الدولة اللبنانية، أو الدعاوى الأخرى المرفوعة منذ سنوات ضدّ مصارف لبنانية في نيويورك. ومعلوم أنّ واشنطن قادرة على التحكّم بجزء وافر من احتياط الذهب اللبناني الموجود هناك في مواجهة السلطة القائمة حالياً، لكنها لم تفعل حتى الآن. كما أنّها تمتلك القدرة على التحكّم بالقرارات الأساسية في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

 

2- استتباعاً، سيكون الشرق الأوسط (من ملفات إسرائيل وإيران إلى سوريا والعراق ولبنان) وجبةً أساسية على طاولة بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم، إضافة إلى النزاع على النفوذ في أوروبا وموقع الصين. ولا يستبعد المطلعون أن يتمّ خلال القمة إنجاز عدد من المقايضات الإقليمية بينهما.

 

3- الخروج المدوّي لبنيامين نتنياهو من السلطة في إسرائيل، بعد حُكم دامَ 12 عاماً. ويوحي ذلك، بعد خروج ترامب من البيت الأبيض، باحتمال دخول إدارة بايدن على خط الاتصالات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لتكريس مسار جديد في التسوية، ربما يشعر فيه الجانب الفلسطيني بشيء من التوازن والعدالة. وفي لحظة تسلّمه الرئاسة، عمد بايدن إلى إطلاق مواقف في هذا الاتجاه.

 

وما يعني لبنان من المناخ الإسرائيلي الجديد هو:

 

– المقاربة الإسرائيلية للملف الإيراني وموقع «حزب الله» في النزاع.

– حصة لبنان في «صفقة القرن»، خصوصاً في ما يتعلق بتوطين الفلسطينيين.

– النزاع الحدودي بحراً، حيث من المقرَّر أن تبدأ جولة جديدة من مفاوضات الناقورة بوساطة أميركية مستجدة.

 

4- مناخات التفاوض السعودية – الإيرانية بمساعٍ عراقية. وهي انعكست ليونة غير مسبوقة بعدما كانت قد بلغت ذروة التصعيد في ظلّ الحرب في سوريا.

 

5- مؤشرات التبريد في علاقات السعودية مع دمشق، بوساطة من موسكو والقاهرة.

 

إذا فشلت مساعي التهدئة والتبريد والتوافق في هذه الملفات، فسيكون مرجحاً أن يمضي لبنان في وضعية الانهيار، مع استمرار القوى الدولية في حفظ الحدّ الأدنى من صيانة مؤسسات الدولة، ولا سيما منها الجيش وقوى الأمن ومصرف لبنان. وأما إذا نجحت، فستترك إيجابياتها لبنانياً.

 

فالتسويات في لبنان – كما الحروب – تولد دائماً بقرار خارجي، لأنّ القوى اللبنانية تتصرف بوحي «كلمة السرّ» أو التعليمات التي تتبلّغها من الخارج. وعمق الأزمة اليوم هو أنّ القوى الخارجية في صدد المواجهة لا التسوية، وخصوصاً على مستوى النزاع بين الولايات المتحدة وإيران.

 

فإذا توصَّل الأميركيون والإيرانيون إلى تسوية جديدة، ستتغيَّر مناخات الشرق الأوسط، وسيتلقّى لبنان تَردُّدات هذا التغيير. والتسوية بين هؤلاء حول النووي والصواريخ البالستية والنفوذ الإقليمي يستتبع، على الأرجح، توافقاً في لبنان حول دور «حزب الله» وموقعه.

 

إلى أي اتجاه ستنحو المناخات الإقليمية والدولية؟ وهل يمكن لبنان أن يتوقع انفراجاً أم تكريساً لمسار الانهيار حتى إشعار آخر؟

 

ليس واضحاً ما ستُفرِج عنه الاتصالات. ولكن، على الأرجح، الانتظار لم يَعُد طويلاً، وصيفُ لبنان سيكون حاسماً في تحديد مصير أزماته كلِّها.