Site icon IMLebanon

معمعة الدستور  وحقوق المسيحيين

أخطر ما في الدستور اللبناني أنَّ كلَّ طرف يستطيع أن يقرأ بنوده، من زاوية معيَّنة، ليقول إنَّه على حق، فإذا قرأته مثلاً أربعة أطراف، يقولُ كلٌّ منهم إنَّه على حق، مع أنَّه تكون هناك أربع قراءات.

نحن اليوم أمام هذا الواقع بالذات:

رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون يقول إنَّ رئيس الحكومة تمام سلام يخرق الدستور، ويستند العماد عون في موقفه هذا إلى مواد الدستور.

أوساط الرئيس سلام تردُّ على العماد عون بالقول إنَّ رئيس الحكومة لا يخرق الدستور، وتستند في موقفها هذا إلى مواد في الدستور، فأين الحقيقة؟

بالعودة إلى الأزمة الحالية فإنَّ المعركة تدور حول عدة مواد:

المادة 17 من الدستور تقول:

تُناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء وهو يتولاها وفقاً لأحكام الدستور.

ثم تأتي المادة 62 من الدستور لتقول:

في حال خلو سدة الرئاسة لأيِّ علة كانت، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء.

هنا تبدأ الخلافات، لأنه عند الوصول إلى مجلس الوزراء فإنَّ آلية اتخاذ القرارات ملتبسة، ففي حال وجود الرئيس تُتَخذ القرارات إما بأكثرية الثلثين وإما بالأكثرية المطلقة، ولكن في حال خلو سدة الرئاسة وإناطة صلاحيات الرئيس بمجلس الوزراء فهل هذا يعني أنَّ هذه الصلاحيات تُعطى للوزراء، وتحديداً لكلِّ وزير منفرداً؟

هذا السؤال لم يجد جواباً له حتى الآن، مرَّت الحكومة باختبارات عديدة، منها أن القرارات كانت تُتَخذ بالإجماع، حتى ولو كان القرار على تعيين حاجب، علت أصوات من داخل طائفة رئيس الحكومة أنّه يُفرِّط بصلاحياته. وقعت أزمة آلية اتخاذ القرارات فاستُعيض عن الإجماع بآليةٍ أخرى، لتقع معركة جديدة على مسألة فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب.

هنا، هل خالف الرئيس سلام الدستور؟

أم ما زال تحت سقفه؟

تقول المادة 33 من الدستور:

لرئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود إستثنائية بمرسوم، هنا يبدأ الإجتهاد، فالقراءة المبسطة تقول:

إذا كانت صلاحيات رئيس الجمهورية تناط وكالةً بمجلس الوزراء فيجب صدور قرار عن مجلس الوزراء بفتح الدورة الإستثنائية، وهنا لا يكون رئيس الحكومة قد خالف الدستور إلا في حال إصداره المرسوم منفرداً، لكنَّ قراءةً مناقِضةً توصِل إلى عكس ذلك وهي أنَّ مجلس الوزراء لا يستطيع ممارسة كل صلاحيات رئيس الجمهورية، فهو مثلاً لا يستطيع قبول إستقالة الحكومة، وهي من صلاحيات الرئيس. هنا ندخل في بابٍ ثانٍ من الإجتهادات وهو:

هل يستطيع مجلس الوزراء ممارسة كل صلاحيات رئيس الجمهورية أو قسم منها؟

واستطراداً ما هي الصلاحيات التي يستطيع ممارستها وتلك التي لا يستطيع ممارستها؟

هنا بعض مواد الدستور بحاجة إلى تفسير دستوري، وهذه المهمة لا يقوم بها إلا المجلس الدستوري، فأين هو؟

وهل الظروف اليوم هي ظروف تفسير الدستور؟

إذاً نحن في معمعة، والأسوأ من كلِّ ذلك أننا في معمعةٍ دستورية لا منتصر فيها، وليس هناك من فريق يستطيع إقناع الفريق الآخر بوجهة نظره الدستورية.

موضوع آخر أثار جدلاً وهو قرار دعم الصادرات الزراعية، ورد في بيان مجلس الوزراء الأخير:

تمنى الرئيس سلام على المجلس بت موضوع طلب وزير الزراعة دعم الصادرات اللبنانية من زراعية وصناعية. وبنتيجة المناقشة، قرَّر مجلس الوزراء الموافقة على تخصيص مبلغ 21 مليون دولار أميركي لدعم فرق كلفة تصدير المنتجات الزراعية والصناعية إلى الدول العربية. فهل صحيح أنَّ القرار اتُخذ؟

وزراء العماد عون وحلفاؤهم رفضوا البحث في أيِّ قرار قبل بحث بند التعيينات، فهل هذا يعني أنَّ القرار اتُخذ من دونهم؟

وهل في هذه الحال تكون قد طُبِّقَت آلية التصويت بالنصف زائداً واحداً؟

مرةً جديدة هناك معمعة… ومعمعة دستورية، لكنَّ الأخطر من ذلك كله أنَّ مصير المنطقة بكاملها موضوعٌ على المحك وليس مصير اللبنانيين أو المسيحيين فيه. مُحقّةٌ المطالبة بحقوق المسيحيين لكن من أين تبدأ هذه الحقوق؟

أليس من إنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية؟

إذا كانت أجواء المنطقة مقفلة على هذا الموضوع فكيف يمكن تمرير الوقت بأقلِّ كلفةٍ ممكنة وبأقلِّ إضطراباتٍ ممكنة إلى حين فتح الباب المقفل على الإستحقاق الرئاسي؟

إنّه التحدّي الأكبر.