أظهرت الساعات الماضية خارطة تحركات واتصالات عززت الإشارات الدالة إلى حرص القوى السياسية المختلفة على تجنيب البلاد «هزة» كبيرة على خلفية الملفات الخلافية «الدسمة»، رغم الانقسام المستمر حول قضايا اساسية محورها سوريا بلاجئيها وتداعيات وجودهم في لبنان او بالموقف المبدئي حول «الاعتراف» بشرعية النظام السوري، والذي لم يفسد في ود تحالفهما السياسي قضية حماية العهد، خصوصا بعد ما حكي عن «امتعاض» بعبدا من طريقة التعامل مع قائد الجيش.
فغداة جرعة الدعم التي تلقتها قيادة الجيش من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري اثر الاجتماع الامني في السراي، نجح الجيش في استثمار الغطاء السياسي الذي وفره لقاء السراي، متحركا بأسرع من كل المخاوف والتحذيرات الامنية والعسكرية من الموجات الارهابية الداهمة ، مسددا ضربة موجعة للرؤوس الارهابية والشبكات المتغلغلة بين النازحين السوريين في مخيماتهم، متجاوزاً محاولات التشويش على انجازاته وتوظيف تفاصيل صغيرة، لم يهملها، لمصلحة تشتيت الانظار عن حجم ما يحقق في مجال الامن الاستباقي، واجباره على الانتقال الى موقع الدفاع بعدما اعلن قائده «اننا اصحاب المبادرة بعدما امسكنا بالمعادلات وبادرنا الى الهجوم».
وتشير مصادر مطلعة على اجواء لقاء السراي ان العماد عون قدم شرحاً مفصّلاً لتدابير الجيش الاحترازيّة ونشاطه ومهامه في عرسال، حيث كان رئيس الحكومة مستمعا ومستفهما طارحا الاسئلة، ليخرج بخلاصة ضرورة دعم الجيش و«ضب بعض الازلام» بعدما تأكد ان المؤسسة العسكرية حريصة على امن وسلامة الابرياء من النازحين السوريين بقدر حرصها على المدنيين اللبنانيين، اذ أنّ الجيش لا يقوم بالانتقام من أحد، بل يبني تحرّكاته على اساس المهام التي اناطها به القانون لجهة حماية لبنان، وسوق الارهابيين الذين اعتدوا على عسكرييه وعلى المدنيين في مختلف المناطق اللبنانية الى القضاء لنيل عقابهم وفقا للقوانين اللبنانية المرعية الاجراء، من هنا فان الجيش يعمل تحت سقف القانون والخيارات السياسية للحكومة اللبنانية التي تخضع لها القوات المسلحة وفقا للدستور، وان اي مخالفات قد تحصل تبقى في اطارها الفردي ويحاسب متركبها على ما فعل، «لان الغلط ممنوع وسمعة الجيش فوق كل اعتبار».
وكشفت المصادر ان وجود تناغم كامل بين اليرزة والسراي، عززته الزيارات الدورية لقائد الجيش الى رئيس الحكومة لاطلاعه على كافة التقارير والمعطيات وبحث حاجات المؤسسة معه، سواء ظهرت في الاعلام ام بقيت بعيدة عنه لاسباب امنية، مذكرة بزيارة رئيس الحكومة الى وزارة الدفاع وقيادة الجيش منذ اسابيع للثناء على الجهود والتضحيات المبذولة، داعية الى عدم النفخ في جمر بعض الشكليات لضرب العلاقة التي تبقى اكبر واعمق خصوصا في هذا الوقت الحساس، معتبرة ان كلام العماد عون كان واضحا بأنّ وحدات الجيش المنتشرة على جبهة الجرود الشرقية تتربص للعدو، وستتحرّك عند ملاحظة أيّ تقدّمٍ للإرهابيين نحو الداخل اللبناني نتيجةٍ اي عمليّة عسكريّة يتوقع حدوثها من الجانب السوري، وهي ستقوم بواجبها في التصدّي لهؤلاء، وإن حاولوا نقل المعركة إلى الداخل ضمن إطار الردّ، فالجيش لن يكون «متفرجاً»، وهو ما حظي بدعم كامل من «الشيخ سعد»، الذي اشاد بالتزام قيادة الجيش بسياسة الحكومة، تاركا للسلطة العسكرية الاهتمام «بالمسائل العسكرية التي ليست من اختصاصه».
الا انه ورغم الكلام الواضح والصريح الصادر عن رئيس الحكومة والذي لا يحمل اي لبس، والذي تدعمه وتؤيده مصادر في التيار الوطني الحر واصفة اياه بكلام دولة ، معتبرة ان من حق رئيس الحكومة ممارسة صلاحياته في الاستماع الى قائد الجيش والوقوف منه على حقيقة ما جرى ، طالما ان ذلك جاء وفقا للقوانين والانظمة، يصر البعض على الاستمرار في خطته «الجهنمية» مستهدفا الجيش هذه المرة من بوابة زيارة رئيس الحكومة الى واشنطن ملمحا الى عدم سفر العماد عون في عداد الوفد الرسمي، حيث تؤكد مصادر عليمة انه منذ البداية لم تطرح فكرة مشاركة قائد الجيش في الوفد، كما ان ذلك لا يعد عرفا تبدل هذه المرة، مذكرة بان قائد الجيش قام بصفته العسكرية بتلبية دعوة وجهت اليه بعد موافقة الحكومة اللبنانية وزار واشنطن عارضا ملفاته، من هنا فان لا مبرر لوجود القائد في عداد الوفد، علما ان ضابطا رفيعا سيرافق الحريري للمشاركة في الجانب الامني والعسكري من المشاورات التي ستشهدها العاصمة الاميركية، باعتبار انها ستتناول ملفي مكافحة الارهاب والدعم الاميركي للجيش والاجهزة الامنية اللبنانية، علما ان الادارة الاميركية رسمت خطاً احمر تجاه الاستقرار الامني اللبناني، على رغم ان ملف لبنان ليس في اولوياتها ، وهي للغاية مستمرة في دعم اجهزته العسكرية والامنية ببرنامج مساعدات، هو الاهم، من بين ما تحصل عليه من دعم خارجي، اضافة الى قناعة تكونت لدى ادارة ترامب بأن شد الخناق على حزب الله يكون من البوابة الايرانية لا اللبنانية.
هكذا اذا تستمر محاولات البعض لضرب المؤسسة العسكرية التي يبدو انها نجحت في تحقيق ما لا يرغب الكثيرون به على صعيد حربها ضد الارهاب ، ناجحة حيث فشل الكثيرون من جيوش المنطقة فارضة ايقاعها ومعادلاتها على الاطراف الاقليمية مفشلة مشاريع كبيرة كانت في ما لو تحققت ادت الى سقوط الدولة والكيان.