IMLebanon

المحكمة العسكرية ومحاكمة الإرهابيين

 

منذ اكثر من 4 سنوات والأجهزة الأمنية اللبنانية في حرب متصاعدة ضد الإرهاب على الأراضي اللبنانية، وضد تنظيم داعش وجبهة النصرة ومنظمات إرهابية أخرى، كانت تفجّر سيارات وترسل انتحاريين الى المواقع الحيوية في لبنان وتقتل أبرياء وتخلق أجواء من الخوف والتوتر في لبنان ولدى الشعب اللبناني.

وتطور الوضع الى تصاعد قوة الأجهزة الأمنية اللبنانية، حتى باتت شبه مسيطرة على الوضع، وابتدأ الامر باكتشاف الأمن العام اللبناني لقطري مشبوه في فندق الحبتور، ثم جرى الافراج عنه وفق محادثات لا نعرفها حصلت بين الدولة القطرية ولبنان.

ثم جرى اعتقال شادي المولوي الذي هو من اخطر الإرهابيين، واعتقله الامن العام في مكتب النائب الصفدي وقامت القيامة. ومع الأيام ظهر ان شادي المولوي هو إرهابي وان ردّة الفعل على اعتقاله من قبل الامن العام اللبناني لم تكن في محلها، رغم الاشكال انه تم اعتقاله في مكتب النائب الصفدي.

وتطورت الأمور مع الوقت، وبدأت الأجهزة الأمنية تعتقل الخلايا الإرهابية، خلية وراء خلية، وتعطل اعمالا إرهابية، عملية بعد عملية، حتى اصبح الوضع الداخلي اللبناني شبه مضبوط وأصبح لدى الأجهزة الأمنية مئات المعتقلين وتكوّنت لديها ملفات امنية هامة عن الإرهاب ومصادره ومخططاته وشبكاته وكيفية عمله والوسائل التي يمتلكها، وكيفية الاتصال بين شبكات الإرهاب وبين عناصر الإرهاب، مما جعل الدول الأوروبية وحتى الولايات المتحدة تتصل بالاجهزة اللبنانية، بخاصة الامن العام اللبناني ومديرية مخابرات الجيش.

وهنا نشير الى ان الامن العام اللبناني ومديرية مخابرات الجيش وشعبة المعلومات في الامن الداخلي وامن الدولة قاموا بجهد كبير لمكافحة الإرهاب وتعطيل عمليات خطرة ضد المراكز الحيوية وشوارع ينتشر فيها مدنيون، واصبح الملف الأمني هاماً جداً لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية.

ومؤخرا قامت المقاومة اللبنانية بمعركة جرود عرسال وضرب جبهة النصرة من الجرود والكهوف والتلال والمغاور والانفاق وانتصرت على جبهة النصرة والإرهابيين، ثم قام الجيش اللبناني بقصف مركّز من المدفعية ومن طائرات على مراكز داعش قبالة جرود رأس بعلبك والقاع حتى أصبحت داعش في واقع الفوضى وجاهزة للانسحاب نتيجة الهزيمة التي لحقت بها.

وحصل تفاوض كانت نتيجته انسحاب جبهة النصرة وتنظيم داعش من الحدود اللبنانية – السورية الى منطقة دير الزور وأصبحت الحدود اللبنانية آمنة والجيش اللبناني منتشراً على طول الحدود بين لبنان وسوريا، ويضبط الوضع ولم تعد هنالك قوى إرهابية منظمة على تلك الحدود.

وبعد فترة بدأت الأجهزة الأجنبية الأوروبية والأميركية تتصل بالاجهزة اللبنانية، وتم توجيه دعوات للواء عباس إبراهيم مدير عام الامن العام اللبناني، من دول أوروبية ومن الولايات المتحدة لبحث الملف الأمني معه، كون الامن العام اللبناني بات يمتلك ملفاً هاماً جداً وجدياً، وذلك لتبادل المعلومات والتعاون بين لبنان وتلك الدول لمكافحة الإرهاب وساعد لبنان تلك الدول في التنسيق معها لمكافحة الإرهاب واستفادت دول أوروبية، وربما الولايات المتحدة من التنسيق مع لبنان في شأن مكافحة الإرهاب، ونقول – على الأقل – ان المخابرات المركزية الأميركية فتحت خطاً مع الامن العام اللبناني لبحث موضوع الإرهاب والتنسيق الأمني المشترك.

كذلك قام مدير المخابرات في الجيش اللبناني مؤخرا بزيارة الى واشنطن ضمن الوفد الذي ترأسه الرئيس سعد الحريري، لكننا لم نعرف اذا اجتمع مدير المخابرات في الجيش اللبناني مع مدير المخابرات المركزية الأميركية، أم بقيَ الامر على مستوى لقاءات اقلّ من مستوى الاجتماع مع مدير المخابرات المركزية الأميركية، كما حصل مع اللواء عباس إبراهيم الذي تم ارسال دعوة اليه وعندما رأى ان البرنامج يقتصر على الاجتماع بنائب مدير المخابرات الأميركية رفض زيارة واشنطن، حتى جاءت دعوة اليه وبرنامج يتضمن لقاء اللواء عباس إبراهيم مع مدير المخابرات الأميركية وليس نائبه.

كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية تعلن اكتشاف إرهابيين وخلايا لداعش وخلايا لجبهة النصرة ولتنظيمات إرهابية، وتقوم بالتحقيق معهم امنياً وتسعى لاكتشاف كل المعلومات في شأن التنظيمات الإرهابية وخلايا وعناصر موجودة في خلايا نائمة قد تتحرك في أي وقت للقيام بعمليات إرهابية.

وبعد التحقيقات الأمنية، كانت تصدر عبارات واضحة ان الأجهزة الأمنية اللبنانية سلّمت المعتقلين بعد التحقيق معهم الى القضاء اللبناني والجهات القضائية المختصة.

هنا كان دور مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر لتحويل الإرهابيين الى التحقيق العسكري، وأدى دورا كبيرا قاضي التحقيق العسكري الأول القاضي الأستاذ رياض أبو غيدا، إضافة الى قضاة التحقيق العسكري وهم: القاضي نجاة أبو شقرا والقاضي هاني عبد المنعم حجار والقاضي مارون زخور والقاضي نبيل وهبي والقاضي محمد بدران.

وصدرت على اثر التحقيقات العسكرية مع الموقوفين قرارات ظنية، وبخاصة عن قاضي التحقيق الأول القاضي الأستاذ رياض أبو غيضا قرارات ظنية وتم نشر بعضها في وسائل الاعلام، وربما دون كل التفاصيل لكن القرارات الظنية كانت واضحة بالنسبة الى الإرهابيين والتكفيريين ودورهم وجرائمهم.

وهذه الجرائم تستحق الإعدام لقسم كبير منها، لكن منذ ان أوقف الرئيس العماد اميل لحود قرارات تنفيذ احكام الإعدام، بعد ان كان الرئيس الراحل الياس الهراوي يوقّع قرارات في المحاكم بتنفيذ الإعدام، لم تجرِ اي عملية اعدام على الساحة اللبنانية، ونحن لا نطالب بالاعدام، وهذا الامر يعود الى رئيس الجمهورية، لكن هنالك احكام بالمؤبّد واحكام بعشرات السنوات تصدر عن المحاكم المختصة، وبخاصة المحكمة العسكرية.

والسؤال هو: ما دام ان القرارات الظنية قد صدرت عن قضاة التحقيق العسكري وتحولت الى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، فلماذا لم تقم المحكمة العسكرية بمحاكمة الإرهابيين والتكفيريين وأعضاء جبهة النصرة وتنظيم داعش وكل من تسبّب بأعمال إرهابية وقتل أبرياء؟ ولذلك هذا السؤال مطروح، واذا كانت المحكمة العسكرية لا تستطيع محاكمة الإرهابيين نظرا لانكشاف معلومات نتيجة جلسات المحكمة العسكرية واستجواب الإرهابيين، فان المحكمة العسكرية يمكن ان تعقد جلسات سرية وتحاكم الإرهابيين، لان المطلوب لا ان يكون الوضع امني مستتباً وحسب وتصبح الأجهزة الأمنية تعمل وحدها، بل المطلوب ان تعمل كل المؤسسات ويكون لبنان دولة مؤسساتية ولا يقتصر فقط على عمل الأجهزة الأمنية وقضاة التحقيق العسكري، بل يجب ان تتحرك مؤسسة هامة هي ركيزة كبيرة في القضاء وهي المحكمة العسكرية كي تظهر الدولة اللبنانية انها دولة مؤسسات على كل المستويات، سواء على مستوى الأجهزة الأمنية، ام القضاء عبر قضاة التحقيق العسكري، ام عبر المحكمة العسكرية التي تصدر الاحكام.

وهنالك امثلة كثيرة عن دول فيها اعمال إرهابية خطرة، ومع ذلك تقوم المحاكم العسكرية بإجراء المحاكمات. وأول من امس تم تنفيذ حكم الإعدام بإرهابي في العراق بعد محاكمته، وتقوم المحاكم العسكرية في العراق حيث تجري اعمال إرهابية كبيرة بمحاكمة الإرهابيين وإصدار الاحكام وتحويلهم الى السجون بعد اصدار الاحكام، وفق عمل المؤسسات من الأجهزة الأمنية الى التحقيق العسكري، الى المحاكم العسكرية المختصة.

كذلك هنالك مثال اخر في مصر، حيث تجري اعمال إرهابية كبيرة، ومع ذلك تجتمع المحاكم العسكرية وتحاكم الإرهابيين، حتى انها تحاكم رئيس الدولة السابق الرئيس محمد مرسي بتهمة افشاء معلومات سرية الى دولة أخرى هي قطر عن الجيش المصري وقدرات مصر العسكرية وقيام قطر بتسليم هذه المعلومات الى ايران.

وامس أصدرت المحكمة المصرية المختصة حكماً بالمؤبّد على الرئيس محمد مرسي، إضافة الى ان المحاكم العسكرية المصرية تحاكم الإرهابيين على مدى محافظات مصر كلها، من القاهرة الى الإسكندرية الى سيناء الى الصعيد وتصدر احكامها وتعمل مؤسساتياً.

والسؤال هنا لماذا لا تقوم المحكمة العسكرية بعمل مؤسساتي وتبدأ بمحاكمة الإرهابيين والتكفيريين كمؤسسة مختصة؟ والقانون أعطاها حق المحاكمات، وهكذا يكون لبنان دولة مؤسسات يرتكز على عمل الاجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب وكشف الخلايا واعتقال الارهابيين والتحقيق معهم، ثم تحويلهم الى قضاة التحقيق العسكري عبر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، ثم صدور القرارات الظنية وتحويلها الى المحكمة العسكرية او الى القاضي صقر صقر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.

والسؤال أيضا لماذا لا يجب ان يعرف الشعب اللبناني المعلومات عن الإرهاب وعن المناطق التي انطلق منها الارهابيون في لبنان، كذلك الدول التي جاء منها الارهابيون والتكفيريون الى لبنان لينظموا خلايا إرهابية على الساحة اللبنانية لتضرب لبنان وامنه واستقراره، لانه بعد حرب 4 سنوات ضد الإرهاب بات من المفيد ان يعرف الشعب اللبناني ما الذي حصل على مستوى هذه الحرب وعلى مستوى معلومات عن الإرهاب ضمن السرية التي تعتبرها الأجهزة الأمنية هامة لها، وضمن السرية التي تعتبرها المحكمة العسكرية في غاية الأهمية، وعندئذ تعقد جلسات للمحاكمة السرية، محصورة بضباط المحكمة العسكرية والمعتقلين. وإذّاك يكتمل عمل المؤسسات. اما حتى الان، فان الامر محصور بالاجهزة الأمنية وقضاة التحقيق العسكري ولا يعرف الشعب اللبناني معلومات هامة عن الحرب التي دارت مع الإرهابيين، بخاصة ان الخطر ما زال موجوداً وان اعمالا إرهابية قد تحصل.

خلال الأسبوعين الماضيين انتشرت اشاعات عن اعمال إرهابية ستحصل على الأراضي اللبنانية، وقيل ان الاشاعات مصدرها السفارات الأجنبية في لبنان وبخاصة السفارة الأميركية، وألغت السفارة المكسيكية احتفالا لها في كازينو لبنان، كذلك انتشرت اشاعات تطلب من أعضاء السفارات عدم التواجد في مراكز مطاعم او ملاه او غيرها.

وهنا نقول اننا حضرنا عشاء لعاملين في سفارة دولة كبرى في أوروبا، وكانت المسؤولة عن الاعلام موجودة، وكان المسؤول الأمني في السفارة موجوداً، رغم انه يعلن عن نفسه انه المسؤول عن العلاقات العامة في سفارة هذه الدولة، وكان عاملون عديدون في تلك السفارة موجودين، وتناولوا العشاء في مطعم مكشوف دون حماية او حراسة.

وبعد العشاء، طلبوا الذهاب الى ناد ليلي للسهر فيه، دون خوف، فاعتذر البعض، وأنا منهم، وعندما سألت عن الشائعات، عن حوادث إرهابية، سخر أعضاء السفارة من هذه الشائعات وذهبوا الى ناد ليلي واقضوا فيه بقية السهرة.

لذلك فان اطلاع الشعب اللبناني على المعلومات المتعلقة بالإرهاب وعملياته في السابق، تجعل اللبنانيين يدركون تماما الاخطار والحرب التي دارت والمخاطر الممكنة والتفرقة بين الشائعات وحقيقة تنفيذ اعمال إرهابية فعلية.

أخيرا نسأل: متى تتحرك المحكمة العسكرية وتبدأ بالمحاكمات للإرهابيين وهم بالمئات وتصدر الاحكام لكي يكون لبنان دولة مؤسساتية تنطلق من عمل الجيش والأجهزة الأمنية كلها، لتمر في القضاء العسكري وتصل الى مؤسسة المحكمة العسكرية، وهنا تكون دولة المؤسسات مكتملة وليست محصورة.