يُهدّد الخلاف بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش جوزيف عون بتوقف أعمال المحكمة العسكريّة، إذ كان يفترض تشكيل هيئات المحكمة (الدائمة والاحتياطيّة والتمييز) مع بداية العام 2023، وهو ما لم يحصل. يعزو سليم الأمر إلى «إجراءات روتينيّة»، فيما يؤكّد متابعون أنّ الأمور ليست كذلك
منذ شغور موقع الرئاسة الأولى، زاد تأزّم العلاقة بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش جوزيف عون. بعد الصراع على الصلاحيات في المفتشية العامة والمديرية العامة للإدارة، جاء الدور على المحكمة العسكرية المهدّدة بالتوقف.
فمنذ بداية العام، كان مفترضاً أن يتسلّم العقيد خليل جابر الذي جرى فصله منذ 3 أشهر، زمام الأمور في «العسكرية» على رأس الهيئة الدائمة فيها، وهو ما لم يحصل، إذ لا يزال العميد روجيه حلو يُسيّر الجلسات باعتباره رئيساً للهيئة الاحتياطيّة في غياب الهيئة الدائمة، فيما يُسيّر المقدّم مارون طنّوس أمور المحكمة الإداريّة من توقيع البريد وجدولة الملفّات، ويجلس جابر في مكتبه أو على قوس المحكمة ولكن ليس بصفته رئيساً.
المشكلة أن حلو يُحال على التقاعد بعد أقلّ من شهر ونصف شهر. وفي حال عدم نجاح الوساطات بين الوزير والقائد، ستتوقف أعمال المحكمة العسكريّة حكماً لأنّ جابر لا يُمكن أن يقوم بعمله الرسمي من دون قرارٍ من سليم بتشكيل الهيئات.
هي الأزمة نفسها تتكرر بإصدار قائد الجيش قرارات فصل في انتظار أن يصدر وزير الدّفاع قرارات التشكيل للضباط المفصولين، وإن كانت سلطة قائد الجيش على «العسكرية» مختلفة عنها على المفتشيّة العامّة والمديريّة العامّة للإدارة باعتبار الأخيرتين تابعتين لوزارة الدفاع، علماً أن الأزمة في «العسكريّة» مُغايرة وسابقة للخلافين الأخيري،. إذ اختير جابر بعد تشاور بين سليم وعون كوْنه يحمل شهادة دراسات عُليا في القانون وبعد موافقة الثنائي الشيعي. إلا أن وزير الدفاع رفض بعض الأسماء المرشّحة إلى رئاسة أو عضويّة هيئات المحكمة: الدائمة، الاحتياطية، والتمييز. وتمحورت ملاحظاته حول ثلاثة أسماء:
– قائد الشرطة العسكرية العقيد طوني شديد لرئاسة الهيئة الاحتياطيّة. إشكاليّة وزير الدّفاع لم تكن على الاسم، وإنّما لكوْن شديد هو المسؤول عن الجهة التي تُحقّق (التحقيق الأولي) مع الموقوفين في وزارة الدّفاع، وبالتالي لا يُمكن أن تكون الضابطة العدليّة هي نفسها السلطة القضائيّة التي تُصدر أحكامها على الموقوفين أنفسهم. إلا أن سليم تراجع عن رفضه بعدما أقنعه المعنيون بأن شديد لا يوقّع أصلاً على محاضر التحقيق الأولي ولا يحضر جلسات التحقيق.
– تردّد أن لدى الوزير اعتراضاً على أن يكون العقيد علّام بوضاهر عضواً في الهيئة الدائمة حتى لا تكون مؤلفة من عقيدين.
– رفض سليم تعيين العقيد ريمون فرحات عضواً في محكمة التمييز العسكرية استناداً إلى أن فرحات كان عضواً في الهيئة الدائمة، وبالتالي لا يجوز لعضو أن يقبل أو يرفض طلب التمييز في حكمٍ ذاكره ووقّع عليه سابقاً.
وفيما يؤكد متابعون أنّ مسألة الأسماء حُلّت مع رضوخ المجلس العسكري في الجيش لمطالب الوزير و«تطيير» الأسماء التي كان يرفضها، إلا أن الخلاف بينه وبين قائد الجيش عاد وعرقل الأمور، إذ إن المجلس العسكري وافق على تعيين هيئات المحكمة وأرسله إلى الوزير الذي لم يوقّعه، بناءً على القاعدة نفسها للخلافات الأخيرة المستندة إلى عدم قبول الوزير قرارات الفصل التي يصدرها القائد.
سليم: إجراءات روتينية
ينفي وزير الدفاع لـ«الأخبار» أيّ خلاف في موضوع «العسكريّة»، مؤكّداً أنّ الأمر «مرتبط ببعض الإجراءات الروتينيّة. ويوضح أنّ جابر الذي فصله قائد الجيش إلى المحكمة هو عضو في الهيئة التأديبية في الجيش، ولا يُمكنه أن يكون عضواً في هيئتين، وبالتالي يحتاج الأمر إلى إصدار مرسوم جديد من قبل رئاسة الحكومة والوزراء المعنيين بفصله عن هيئة التأديب». ويضيف: «وقّعت منذ أيّام قرار فصل جابر عن هيئة التأديب وأرسلته إلى رئاسة الحكومة، في انتظار التوقيع عليه»، مستبعداً أن يتأخر الأمر إلى ما بعد إحالة رئيس الهيئة الاحتياطيّة إلى التقاعد وتوقّف أعمال المحكمة.
مع ذلك، يشير متابعون إلى أنّ الأزمة ليست في الإجراءات الروتينيّة وإنما في مكانٍ آخر، وخصوصاً مع تأخر التوقيع على قرار فصل جابر عن «التأديبية» لأشهر. ويشير هؤلاء إلى أن جابر انقطع منذ فصله إلى المحكمة عن حضور جلسات المجلس التأديبي الذي لا تعارض أصلاً بينه وبين هيئة المحكمة الدائمة، باعتبار أنّ أحكامه لا تُميّز أمامها بل أمام هيئة التمييز العسكريّة خلال 15 يوماً من تبليغه إلى الضبّاط. والأهم أنّ مراسيم التعيين في «التأديبي» هي مراسيم جمهوريّة تصدر مع بداية كل عام. وبالتالي، مع عدم صدور مرسوم تعيينه في بداية 2023، فإنّه لم يعد عضواً في الهيئة ويُمكن أن يحلّ مكانه عضو آخر من الهيئات الاحتياطيّة، كما يحصل عندما يحال أعضاء في «التأديبي» على التقاعد.
ويعتقد هؤلاء أنّ الأزمة ليست محصورة بالخلاف بين وزير الدّفاع وقائد الجيش، وإنّما في أسماء المرشحين لعضويّة الأعضاء، مشيرين إلى أنّ سليم كان يرغب في أسماء مُحدّدة قريبة منه لم يأخذها المجلس العسكري في الاعتبار.
وجهة نظر أُخرى تشير إلى أنّ عدم تكليف هيئات جديدة في المحكمة مرتبط بملف خلدة بعدما اتخذ القرار بأن يكون حلو هو من يصدر أحكامه في الملف، لأنه قاد الاستجوابات في المحكمة منذ أشهر، ولأن تكليف هيئة أُخرى سيؤخّر إصدار الأحكام للاطلاع على الملف وإعادة جلسات الاستجواب مع الموقوفين.
في المحصلة، لا حلول في الأفق، وفق ما يقول المتابعون، وإن كان آخرون يشدّدون على أنّه لا يمكن توقف عمل المحكمة التي تتكدّس فيها آلاف الملفات رغم انعقادها أكثر من 3 مرّات أسبوعياً مع وجود أكثر من 90 دعوى بين جنح وجنايات في اليوم الواحد. وبالتالي سيعمل المعنيون على حل المسائل الإجرائيّة في أسرع وقت ممكن.