يعيش لبنان منذ فترة مرحلةَ إستقرارٍ أمنيّ ممزوجٍ ببعض المخاوف من عودة الإهتزازات والخضّات الأمنية، لكنّ وراءَ هذا الهدوء خطة أمنية إستباقية وضعتها قيادة الجيش، وتُنفَّذ بحذافيرها.
تُعتبر الحرب الإستباقية من أهمّ المعارك التي تخوضها الجيوش في العالم، إذ إنّ تفادي وقوع الهجمات الإرهابية أو غزوات المسلحين تمثّل إنجازاً في حدّ ذاتها، أما وقوع التفجيرات، فلا يعني أنّ الأجهزة الأمنية فشلت في فرض الأمن، لأنّ الخرق يحدث في أكبر الدول، وخير دليل على ذلك، أحداث 11 ايلول 2001 التي هزّت الولايات المتحدة الاميركيّة، وفتحت مرحلة جديدة في تاريخ العالم الحديث.
في لبنان، شكّلت غزوة المسلّحين عرسال يوم 2 آب المشؤوم، تاريخاً جديداً في المواجهة بين الجيش والمنظمات الإرهابية. فبعد الإنتهاء من المعركة، انصرفت قيادة الجيش الى وضع خطط إستباقية للحدّ من تفشي ظاهرة الإرهاب وانتشارها في بؤر تُعتبر حاضنة لمثل هذه الحركات.
وفي هذا السياق، يكشف مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية»، أنّ «لبنان كان أمام مخطّط جهنّمي، وحرب عرسال على رغم سلبياتها، إلّا أنّ هناك إيجابيات نتجت عنها ولا يمكن إغفالها، حيث أخرجت الإرهابيّين وشبكاتهم المنتشرة في المناطق اللبنانية كافة من أوكارهم، وهذا ما ساعد الجيش على التقاط طرف الخيط، والبدء بتوجيه الضربات المتتالية لهم».
وفي التفاصيل، يوضح المصدر العسكري أنّ «الحرب الإستباقيّة التي خاضها الجيش تركّزت على تفعيل دور المخابرات بشكل أساس، وإستنفار كلّ وحداته، وإعلان الجهوزية التامة، وكأنّ البلد يعيش حرباً حقيقيّة، وهذه التفاصيل لا تعلمها إلّا الأجهزة التي وضعت الخطط».
ويلفت المصدر إلى أنّ «الخطوة الاهمّ كانت التنسيق التام بين قيادة الجيش التي تتولّى الإتصال مع السلطة السياسيّة وتشرف على إدارة المعركة، وبين مخابرات الجيش التي تعمل على الأرض، وتُحقّق مع الشبكات والأشخاص الذين تقبض عليهم.
وقدّ تمّ الإعتماد في الحرب الإستباقيّة، على سرعة الإتصال بين محقّقي المخابرات، والأفواج المنتشرة في منطقة العمليات، فعندما يعترف أيّ موقوف، كانت تتحرّك المخابرات في أيّ منطقة، وتُنفّذ عملية خاطفة، وهذا ما حصل بالنسبة إلى عدد كبير من الشبكات، وأبرزها شبكة «أحمد ميقاتي» في الضنّية التي تُعتبر من أخطر الشبكات المكشوفة حتى الساعة».
أما العامل الذي ساعد في هذه الحرب، حسب المصدر، فكان وصول المساعدات العسكرية اللازمة من الولايات المتحدة الاميركيّة، والتي شكّلت «الاوكسيجين» الداعم للجيش في كلّ معاركه اللاحقة، وكانت أبرزها حرب طرابلس، حيث إنّ طائرة رصاص من المساعدات لا تكفي لليلة واحدة في حرب شوارع شبيهة بمعركة طرابلس.
ويضيف: «العامل المساعد الآخر، كان وقوف الاهالي مع الجيش، إذ لا يستطيع أيّ جيش البقاء على أرض إحتلّها في أيّ منطقة من العالم في غياب بيئة تدعمه، وإلّا لما كانت نجحت حركات المقاومة في العالم، مع أنّ المقارنة لا تجوز لأنّ الجيش اللبناني يقاتل على أرضه وبين أهله، لكنه كان بأمسّ الحاجة إلى الدعم المعنوي».
ولذلك، يوضح المصدر أنّ «الحرب الإستباقية، بدأت من الحدود عبر عزل لبنان عن الحرب السورية، وهذا العزل ما كان لينجح لو لم يكن هناك
قرار سياسي لبناني ورغبة إقليمية بتحييده عن نزاعات المنطقة، لينتقل بعدها الجيش الى تنظيف بؤر الداخل، وقد ساعده التعاون والتنسيق الإستخباري مع الولايات المتحدة الأميركية ودول عدّة في تسجيل ضربات إستباقية للإرهابيين».
من هنا، يُطمئن المصدر الى أنّ «العين الأمنية يقظة والسواعد تضرب، ولا شيء يدعو الى القلق في لبنان، لأنه عندما يجتمع القراران السياسي والعسكري، يستطيع الجيش فعل المعجزات، أما تكبيل الجيش وعدم إعطائه الضوء الأخضر من ثمّ محاسبته فهذا أمر انتهى، والتجارب أثبَتت أنّ الجيش هو من كل لبنان ولكل لبنان، والشهداء من مختلف المناطق والبلدات».