«قامت الدنيا» ولم تقعد على المشاهد القاسية التي عُرضت أمس عبر القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعيّ. إقتنص البعض فرصة التصويب على الجيش من بوابة استعمال القوّة ضدّ المتظاهرين و»الاستنسابية» في التعامل مع الشارع بين منطقة وأخرى، فاستذكر رواد التواصل الاجتماعي مشاهد رمي المولوتوف والحجارة على الجيش في «الرينغ» فيما اقتصر تدخّله على الفصل بين المتظاهرين، أما الصورة في جلّ الديب فكانت مغايرة تماماً.. حيث استعمل الحزم مع المتظاهرين.
بين الالغام الداخلية وعلى خطوط المواثيق الدولية يسير الجيش في تعامله مع الأحداث، وانطلاقاً من التوصيات الدولية التي تطالب الجيش بحماية المعتصمين، والتي حدّدت بحسب المعلومات حمايتهم ضمن «ساحات» الاعتصامات، وهي لم تشمل قطع الطرق التي لا تغطّي أيّ دولة في العالم أيّ محاولة لقطعها.
وسبقت تلك التوصيات حملة أعدّها الجيش على مواقعه الرسمية على صفحات التواصل الاجتماعي مع بداية الاعتصامات، تشدّد على وقوف الجيش الى جانب المتظاهرين في مطالبهم الحياتية المحقة، والتزامه حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين أو استغلال البعض للقيام بأعمال شغب».
شعارات كثيرة أطلقها الجيش تصبّ كلها في خانة واحدة وهي وقوف المؤسسة العسكرية الى جانب المتظاهرين، رغم رفضها إقفال الطرق.
وجاء كلام قائد الجيش العماد جوزف عون خلال جولته على الوحدات المنشرة في بيروت والمتن ليؤكّد المؤكد ويحمّل نفسه مسؤولية أمن المتظاهرين كما المواطنين، إلّا أنّه كان جازماً في رفضه إقفال الطرق باعتبار أنّ حرية التنقّل مقدّسة في المواثيق الدولية».
فماذا حدث؟ ولماذا تغيّر المشهد برمّته أمس؟ علامات استفهام عدّة تطرح، فهل من «كلمة سرّ» أعطيت؟
تقول الرواية الأمنية أنّ الجيش لم يجد أمس أيّ مسوّغ لإقفال الطرق، فالاستشارات النيابية الاثنين، ولا يوجد لديه موقوفون، ومع ذلك تؤكّد المصادر الأمنية أنّ للمعتصمين حريّة التعبير عن الرأي في الساحات، ولكنّ إقفال الطرق ممنوع.
وفي حين تقرّ المصادر أنّ المشهد في الفيديوهات بدا قاسياً، لكنّه في الواقع لم يعكس الصورة الكاملة لما حدث، وتوضح أنّ الجيش استعمل ما يعرف «بالقوّة المتدرّجة» (كلام – تدافع – فضرب).
وأكدت المصادر أنّه ولدى وصول الجيش الى جلّ الديب صباح أمس، حيث تمّ إقفال الطرق، طلب من المعتصمين فتح الطريق فجاء الرد من قبلهم بالسباب والكلام النابي وصل الى حدّ التطاول على العناصر. وهنا حصلت ردّة الفعل القوية.
وعن سبب عدم اعتماد الجيش الأسلوب نفسه في «الرينغ»، حيث كان الاعتصام سلميّاً، وتعرّض المعتصمون للضرب على يد عناصر حزبية، يشير المصدر الى أنّه مع بدء الانتفاضة تمّ تقسيم المناطق بين القوى الأمنية، ومنطقة «الرينغ» من مسؤوليّة قوى الأمن الداخلي وهي تتولاها، وتقتصر مهمات الجيش هناك بمؤازرتهم حين يحتاجون الى ذلك.
وتشرح أنّه حين حصل إشكال «الرينغ» الأخير، تدخلت قوى الأمن الداخلي، وأطلقت القنابل المسيّلة للدموع، واقتصر تدخل الجيش على الفصل بين المواطنين المتشاجرين، وشكّل الجيش سدّاً لفضّ الإشكال ومنعهم من الاحتكاك مع بعضهم بعضاً، هنا الوضع مختلف، ففي جلّ الديب هناك طرف واحد يقفل الطريق ويرفض إعادة فتحها.
وفي حين تنفي المصادر نفياً قاطعاً أن تكون هناك أوامر بضرب المعتصمين، تشير الى أنّ هناك تخوّفاً من أسماء عدّة باتت معروفة لدى الجيش، والقوى الأمنيّة وتتواجد في كلّ مكان يحدث فيه إشكال، ما يطرح علامات استفهام عدّة حول إمكانيّة دخول طابور خامس يستغلّ هذه التحرّكات ويأخذ التحركات الى سياق آخر، خصوصاً أنّ بيانات عدّة للجيش تظهر اقدامه على توقيف أناس من التبعيات الفلسطينية والسورية، وسألت ما علاقتهم بالانتفاضة؟
وختمت المصادر مؤكدة أنّها تضمن حقّ التظاهر في الساحات وعلى جوانب الطرق، فالجيش يتصرّف بكلّ ضمير وحكمة مع جميع الناس، مجدّدة التأكيد أنّ قطع الطرق ممنوع.
ورغم أنّ الصورة شيء، والرواية الأمنية شيء آخر، الاّ أنّ وحدة الحال الاقتصادية والأمنية تجمع مطالب المعتصمين القابعين في الطرق منذ 60 يوماً بمطالب «المحجوزين» منذ 60 يوماً في الخدمة…