IMLebanon

سعادة الحاكم.. هل تعرف أين معالي وزير المال؟

 

 

إستحق سند دين على الدولة بمليار ونصف المليار مع فوائده بتاريخ 28 تشرين الثاني 2019. أعلن البنك المركزي أنه سدّد الدين بالكامل نقداً وعدّاً. لم نسمع أي تصريح أو بيان من وزارة المالية. ويستحق على الدولة أيضاً سندات يوروبوند في آذار ونيسان وأيار. وفي هذا العام، يجري البحث الآن في كيفية التعاطي معها خصوصاً من البنك المركزي. لماذا هذه المقدمة؟

 

ببساطة ليس من بنك مركزي في أي دولة في العالم كما هو في لبنان؟ كان يملك محفظة من 2,9 مليار دولار يوروبوند، وارتفعت بسبب سداده عن الدولة إستحقاقات مختلفة الى 5,7 مليار. كيف يدفع؟ مَن يُراجع؟ ما هي مرجعيته القانونية؟ أين تبدأ حدود علاقته مع وزارة المالية، وأين تنتهي؟ حتى المصارف والمصرفيين في الداخل والخارج لم يتساءلوا مَن هو المقترض، وهل هي الدولة اللبنانية أم المصرف المركزي؟ لم يسأل أحد حتى مَن هُم أبناء المهنة، عن نفوذ المصرف المركزي في كل نظام المديونية، ما دام المستدين الدولة اللبنانية.

 

لمن لا يعلم. تقوم الدولة اللبنانية عند حاجتها للإستدانة باختيار مصرف إستثماري لتسوية السندات المعروضة، الذي يقوم بدوره في الإتصال بالمصارف وصناديق الإستثمار، ودعوتهم للإكتتاب. لا دور قانونياً للمصرف المركزي في عملية الإستدانة، ونظرياً لا دور له في عملية التسديد غير ما حصل ويحصل أخيراً، أي عدم قدرة الدولة على التسديد، فيقوم المركزي بدفع المبلغ للدائنين من الإحتياط لديه، والذي هو من أموال الشعب اللبناني، ويصبح هو الدائن للدولة.

 

تدهورت مالية الدولة خلال سنوات عديدة، مما جعلها غير مؤهلة للإستدانة من الأسواق المحلية أو الدولية، وفي خلال كل تلك السنوات تدخّل الساحر صاحب الأرانب المتعددة ليعبِّئ الفراغ، مستعملاً دولارات المودعين في المصارف التي أودعتها عنده متجاهلة، كما المركزي. إن هذه الدولارات هي ملك شعب بكامله إئتمنهم على ودائعه. وما لم يتم استعماله من دولارات الناس في استدانة الدولة بقرار أوحد يتم استعمالها في تمويل قطاع المعرفة والقطاع العقاري، وتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، ودعم شركات الإعلام وكل ما يمكن لتحصين نفوذ المركزي في مفاصل الدولة. أصبح مجلس وزراء مصغّر يحكم خفياً ويشبع نزوات ويشجع المجالس الوزارية المكبرة والمجلس النيابي المتكرر. لهذه الأسباب وغيرها، لم يسائل أحد البنك المركزي عما فعله ويفعله وما سيفعله.

 

الأخطر من كل هذه الممارسة، هو غياب وزارة المالية بصفتها الجهة التي تمثل قانونياً المستدين الرسمي، أي الدولة اللبنانية.

 

لماذا نقول هذا الكلام؟

 

مما لا شك فيه، وفي ضوء هذه الأزمة الإنهيار، بعد أن أسيء استعمال ودائع الناس، ونهبت أموال ضمانه الإجتماعي، ما زال هناك مبلغ من الدولارات في المصرف المركزي وبعض المصارف المراسلة. في وقت بات المواطن يفتقد الدواء والفيول والغذاء. ثم دفع استحقاق 1,5 مليار دولار من فوائده في تشرين الثاني 2019. ألم يكن من الأجدى أن يُعطى المواطن صاحب الوديعة الأولوية للحصول على هذا المبلغ، بدل أن يدفع تسديد الديون؟ كذلك يتم الترويج للضغط على المصارف اللبنانية لعدم المطالبة بديونها عند استحقاقات آذار ونيسان وحزيران، والإكتتاب «خيار بليّ الأذرع» في سندات جديدة بفوائد مخفضة لسنوات مقبلة. لكن هذا قد لن يندرج على أصحاب السندات من صناديق إستثمارية ومصارف أجنبية، الذين سيحصلون على اموالهم بالكامل، فيحصلون على أرباح مزدوجة من شراء التأمين على عدم السداد و CDS ومن استعادة اموالهم مع الفوائد. يروَّج لهذا بحجة المحافظة على سمعة لبنان المالية (التي اصبحت مصدر سخرية واستهزاء المجتمع المالي المحلي والدولي) وإن لبنان لم يتخلف يوماً عن السداد.

 

دول عديدة تخلفت عن السداد وأعادت جدولة ديونها وكان وضعها المالي أفضل أضعاف من مالية الدولة اللبنانية، كالأرجنتين، التي تخلّفت 3 مرات خلال الـ 20 سنة الماضية. واليونان وأوكرانيا. فقط سمعة لبنان هي التي قد تهزّ «الإستقرار العالمي». كيف لدولة لا توصف بالإجرام، ورجالها تبكي لخسارة جنى العمر، أو لموظفين لا يعلمون إن كانوا سيحصلون على راتب آخر الشهر، وإن حصلوا عليه قيد في الدفتر، هل سيقبضوه نقداً؟ وإن قبضوه نقداً بالليرة، ماذا سيكون مصير الراتب والليرة تتدهور نزولاً؟ مَن أجدر للحصول على دولاراته من المودع الذي هاجر وآمن ببلده، فأرسل تعب العمر، ورب العمل اللبناني الذي بنى تجارته أو صناعته ودعم قطاعه المصرفي، والموظف أو الضابط أو القاضي أو المعني أو صاحب الدكان الذي لا ملجأ له سوى وطنه. هؤلاء، أم الصناديق العالمية التي لا يمثل استثمارها أقل من 1% من محفظتها، ويمكنها امتصاص خسارتها لفترة معينة، بينما هؤلاء اللبنانيون يخسرون أمنهم الإجتماعي، وتفضح أعراضهم نتيجة خسارة ودائعهم.

 

أين وزير المال؟ أليس هو المؤتمن على أموال الدولة ومنها على الأمن المالي والإجتماعي؟ خلال أزمة اليونان، انتفخت عينا وزير المال ورئيس حكومته لقلة النوم وهما يتواصلان مع الشعب يومياً لتهدئة خاطره، ثم يتنقلان من بلد الى آخر يستجديان الخبرة ممن ينجدهما. في لبنان وزير يشكو من تهريب الجمارك الذي هو تحت سلطته، ومن الدولة المهترئة، ويجول في عطلة الاسبوع لأخذ الخاطر في ذكرى وفاة، ثم يخطب في الجمهور شاكياً وضع الدولة. علّنا يجب أن نعتذر منه ومن الدولة كوننا «المذنبين».

 

 

أين وزير المالي يضرب يده على الطاولة ويخرج الى البنك المركزي ليتشاور وإياه حول خطة إنقاذية؟ أين هو ليخبرنا والبنك المركزي والمصارف عن وضعنا المالي؟ ولماذا لا يتم تأليف خلية طوارئ لإدارة الأزمة ومصارحة الناس؟

 

أليس وزير المال من يقرر بالتشاور مع حكومته اذا كان سيدفع الدين أم سيتخلف؟ مَن الذي يعطي الصلاحية لحاكم البنك المركزي أن يُسدد الدين، ومَن يراجع في هذه الأمور؟ هل يمكن لشعب بكامله أن تكون أمواله تحت سلطة رجل واحد وواحد فقط؟ اي دولة لا تسأل ولا تهتم؟

 

مَن أساء الأمانة لودائعهم خلال 25 سنة، وبتغطية نظام سياسي مستمر من حكومات ومجالس نيابية ومصالح مشتركة؟ حتى بعد الوصول الى حافة الجوع والعوز والحرمان والإذلال، يستمر في هدر وسوء استعمال ما تبقّى للشعب من أموال في البنك المركزي.

 

يجب وقف هذا الأمر فوراً واللجوء الى المؤسسات الدولية لإعادة هيكلة الدين للجميع، وليس للداخل فقط، ودمج المصارف المتعثرة، وإنشاء قطاع مصرفي جديد برأسمال خارجي وداخلي ينهض بالإقتصاد. لكن مع هكذا دولة، هل مَن يدلّنا على كيفية تحقيق طموحنا بالإصلاح؟