مع تسييس «كورونا» الذي تلاعب بجهاز المناعة الوطنية الهشة في لبنان، أخذ خصوم «حزب الله» عليه، مباشرة او تلميحاً، انّه استخدم نفوذه للتأثير على قرارات الحكومة والحؤول دون اتخاذها التدابير اللازمة في الوقت المناسب لتطويق الفيروس، فكيف تبدو الصورة من منظار الحزب؟
ليس خافياً انّ هناك من حمّل الحزب مسؤولية التأخير في وقف الرحلات الجوية مع إيران، والتراخي في تطبيق إجراءات الحجر الإلزامي، وإرجاء اعلان حالة الطوارئ العامة، وغيرها من التفاصيل الإجرائية التي كانت موضع تباين وانقسام بين عدد من القوى السياسية.
لكن العارفين بما كان يجري في كواليس الحزب ومقرّاته، يقدّمون صورة مغايرة تماماً لتلك التي يروّجها خصومه، ويؤكّدون انّه قارب الأزمة الصحية، منذ بدايتها، بجدّية تامّة وحزم كامل، انعكسا بوضوح في الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله، الذي وضع التحدّي المستجد في مصاف معركة تُخاض ضد عدو، «وهذا أعلى مستوى من التصنيف يمكن الوصول اليه في توصيف طبيعة الخطر الداهم».
ويلفت هؤلاء، إلى أنّ الحزب كان حاسماً في تجميد كل الزيارات إلى إيران على صعيد جميع الأطر التنظيمية والقيادية. كذلك لجأ الى فرض حجر صحي إلزامي في داخل سوريا على مجموعة من طلابه الذين كانوا عائدين من الجمهورية الإسلامية إلى لبنان عبر مطار دمشق، ودفع أيضاً في اتجاه إقفال المدارس والجامعات، ولم يمانع في إعلان حالة الطوارئ، تاركاً الأمر للدولة، فيما تولّت هيئاته المختصة تنفيذ رقابة دقيقة على العائدين من الجمهورية الإسلامية للتثبت من خضوعهم إلى قواعد الحجر المنزلي، «وهذا ما يفسّر انّ حالات انتقال العدوى من هؤلاء إلى أشخاص آخرين هي قليلة بالمقارنة مع نسبة انتقال العدوى من وافدين من دول اخرى».
وما فاجأ قياديين في الحزب، هو أنّه خلال الاجتماع الأخير للجنة الصحة النيابية، كانت الملاحظات والانتقادات التي وجّهها نواب من «القوات اللبنانية» إلى وزير الصحة حمد حسن، مندرجة تحت السقف المقبول والواقعي وتخلو من الحدّة، خلافاً للهجة القاسية التي استخدمها رئيس حزب «القوات» سمير جعجع في مؤتمره الصحافي، ملوّحاً بإمكان مقاضاة رئيس الحكومة ووزير الصحة، ما لم يبدّلا طريقة مواجهتهما لأزمة كورونا.
وبينما يصرّ البعض على اعتبار حسن ناطقاً رسمياً بإسم «حزب الله»، وجزءاً لا يتجزأ من تركيبته التنظيمية، يكرّر الوزير باستمرار، انّه ليس منخرطاً في صفوفه وإنما هو مناصر له.
ويُروى، انّ قيادياً كبيراً في «حزب الله» قال مرة لحسن: «مهما نفيت الهوية الحزبية، ومهما حلقت ذقنك وارتديت ربطة العنق، لن يصدقوك ولن يتعاطوا معك الّا على اساس انك تنتمي الى الحزب..».
ويُنقل عن القيادي إيّاه، تأكيده انّه لولا الجهد الذي بذله الحزب منذ ظهور أولى طلائع «كورونا» في لبنان، سواء على صعيد صفوفه الداخلية او على خط التواصل مع الدولة، ما كان الوباء ليبقى محصوراً ضمن الحجم الذي وصل اليه حتى الآن.
وتفيد المعلومات، انّ الحزب كان على سبيل المثال من المتحمسين لفكرة إقفال المدارس والجامعات، في إطار السعي الى حصر تمدّد الفيروس. وقد ابدى نصرالله شخصياً اقتناعه بجدوى هذا الاقتراح، عندما ناقشه معه أحد مساعديه.
ويوضح المطلعون، انّ الحزب بادر ايضاً الى «تلقّف» مجموعة كبيرة من الطلاب اللبنانيين، كانوا في صدد العودة من ايران الى لبنان عبر مطار دمشق، فقرّر اخضاعهم الى حجر صحي إلزامي في مكان واحد ومغلق داخل سوريا، وتحت اشرافه وادارته، ولم يسمح لهم باستكمال رحلتهم الى الداخل اللبناني الّا بعد انتهاء مدة الحجر الضرورية وإخضاعهم الى فحوصات «كورونا» التي اثبتت انهّم غير مصابين بالفيروس.
وخلال تشييع احد العناصر اخيراً، واجه مسؤولون في الحزب حرجاً عندما دعوا المعزين الى الامتناع عن التقبيل، ما تسبّب في امتعاض بعضهم، فما كان من أحد هؤلاء المسؤولين الّا ان نقل هذه الواقعة الى قيادي بارز في الحزب، ليصدر بعد ذلك تعميم تنظيمي اوصى باعتماد أقصى شروط الوقاية، ولاسيما في مناسبات التشييع والتعزية، انطلاقاً من ضرورة مراعاة مقتضيات الحماية من وباء «كورونا»، الأمر الذي عاد وشدّد عليه نصرالله في خطاب يوم الجمعة.
ويشير القريبون من الحزب، إلى دلالة رمزية يحملها الخطاب الاخير، وتكمن في وقوف نصرالله خلف «الاستراتيجية الدفاعية» التي رسمتها الدولة لمواجهة «كورونا»، وتأكيده الاستعداد لوضع كل طاقات الحزب في تصرفها، مشدّداً على أنّها هي التي تقود معركة التصدّي للعدو الجديد ويجب التقيّد بكل التدابير التي تعتمدها، موحياً بأنّ قرار «الحرب والسلم» في هذه المواجهة تملكه الدولة حصراً.