لا تزال أبيات الشاعر المبدع أحمد مطر أفضل ما يختصر واقع لبنان السياسي وأبالسته: “وجوهكم أقنعة بالغة المرونة/ طلاؤها حصافة، وقعرها رعونة/ صفّق إبليس لها مندهشاً، وباعكم فنونه/ وقال: إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه”…
المشهد بالأمس تحت وزارة الاقتصاد يختصر الواقع اللبناني الفاجر والذي لا يجد من يستطيع أن يضع ألف خطّ أحمر تحت عنوان لقمة المواطن، الأرقام المدويّة التي نشاهدها على رفوف السوبر ماركت عليها أن تنتظر ثلاثة أسابيع لتعود إلى تعقّلها بحسب وزير الاقتصاد راوول نعمة، واللبنانيّون لا يصدّقون معاليه، فحال الأسعار من حال “النّهب العامّ” الذي يعصف بالبلاد من صهاريج المازوت إلى شاحنات الطحين، وهلمّ جرّاً!!
أقصر طريق لقول الحقائق لأنفسنا، هي المصارحة تقود كل طرقها إلى تعرية “الأكذوبات” السياسية المسمّاة قيادات، والمصارحة تقتضي أن لا نكذب على أنفسنا ولا على القارئ، يحتاج هذا البلد إلى عقلاء يقدّمون مصلحة البلد على مصالحهم الشخصية ومكاسبهم الآنيّة،ولكن هيهات!
يشبه وضع لبنان الإقتصادي اليوم، وضعه في ثمانينات القرن الماضي إنهيارٌ أفضى لوضع اليد على الدولة اللبنانية، مثال واحد إذا استعدناه كافٍ لتوضيح الحال المرير الذي يستعدّ اللبنانيّون لعيشه من جديد، هل تذكرون عندما خرجوا علينا بنظريّة “أن الحل في تصدير النفايات” ومع الوقت تبيّن أن الحديث عن تصدير لكارثة النفايات أكذوبة كبرى، اليوم عاد الحديث عن أزمة النفايات هذا غيض من فيض المرارة التي تملأ صدور اللبنانيين من هذا الحكم ومن الحكم الذي سبقه والذي سبقه وهكذا كلّهم عيّنة واحدة، وإذا كان الحال كذلك في النفايات فكيف الحال في السياسات؟!
قبل أشهر عندما نشرت مجلة “the economist” الإقتصادية العالمية مقالاً تحدّثت فيه عن وضع لبنان الإقتصادي السيئ واحتمال تعرّضه للإنهيار مرفقاً بصورة للعلم اللبناني مفككاً والأرزة تسقط منه” قامت قيامة البعض وسارعوا لرفع دعوى بحقّها، اليوم ماذا يقول هؤلاء، خصوصاً وأن الوضع بلغ الأسوأ”، فيما جماعة الحكم متفرّغون لشنّ الحروب على بعضهم البعض!
نفد وقت الفرص والتجريب وتوزيع الوهم على الشعب اللبناني، ومع هذا لا يريد أحد أن يتصرّف على قدر هذه المسؤوليّة هل تذكرون عندما طمأن رئيس البلاد زوّاره قبل أشهر قائلاً “لن أترك لبنان يسقط”، نحن الآن في قعر السقوط، لم يسأل أحد يومها فخامته كيف ولا ما هي خطته لإنقاذ البلاد؟ في هذا الوقت المزري من تاريخ لبنان وأزماته الكثيرة ننتظر أن يجد اللبنانيون من يأخذهم على محمل الجدّ ويحترم عقولهم وأن يصارحهم بعيداً عن “العناوين العامّة” الواهية، التي لا تزيد الأمور إلا غموضاً!!
لبنان.. إلى أين؟ من يستطيع أن يجيب اللبنانيين على هذا السّؤال؟ نحن في بلدٌ غارق على جميع المستويات، والأفق اللبناني شبه مسدود، وكل وزارة فيها مغارة نهب منظّم، مغارة مدرّبة على الفساد؟ من المؤسف أنّ الذين يتولون أمور اللبنانيين “مافيا” مدرّبة على نهب ثروات الشعب، ولن تغادر هذه الطبقة السياسيّة الحكم إلا بعد إفلاس البلد وانهياره التامّ؟!