Site icon IMLebanon

صلاحياتنا محدودة في مواجهة مستغلّي الكورونا

 

نداء الوطن” تجول في الأسواق مع مفتّشي وزارة الإقتصاد

 

يبدو أن التجار، ولا سيما المسجلين في الهيئات الإقتصادية والغرف التجارية منهم، يشكلون حالة مستعصية على الحكومة اللبنانية المنشغلة بالتعبئة العامة لمواجهة انتشار فايروس كورونا الجديد، وخصوصاً مع الإرتفاع غير المسبوق في أسعار أغلب السلع الإستهلاكية، بذريعة “الإقتصاد الحر” وعدم امكانية توحيد الأسعار في هذا النظام. واليوم، تشهد الأسواق اللبنانية، احتكاراً “لا رادع له” وسط اتهامات لوزارة الإقتصاد بالتقصير على رغم صلاحياتها المحدودة والتي تتوقف عند المراقبة وتحرير محضر “الضبط” فقط، لتتكدس بعدها المخالفات في أدراج القضاء.

استثنت الحكومة من قراراتها الحامية للمواطن اجراءات “حماية جيبته”، وذلك بالحد الأدنى الواجب لتأمين مقتضيات العيش الكريم حرصاً على منع تهالك القدرة الشرائية للمواطن ودرءاً لجشع التجار. وفيما كانت دوريات التفتيش والرقابة التابعة لدائرة حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد تجوب الشوارع ملاحقةً تفلّت الأسعار، نزلت “نداء الوطن” إلى الميدان لتبيان حقيقة ما يثار عن تدني فعالية دور المفتشين، ولرصد وتوثيق المشاكل التي تقف عائقاً في وجه “دائرة حماية المستهلك” ولتكتشف فضيحة “محدودية صلاحياتها”، فمن المسؤول عن غلاء الأسعار؟

 

لا رادع

 

لم تسلم الخضار والفواكه بما فيها المنتجة محلياً من قفزات الأسعار، وحالياً، تعيش الأسواق اللبنانية أزمة خطيرة من شأنها أن ترفع نسبة الغلاء على الأراضي اللبنانية إلى ما لا نهاية بحسب تقديراتنا، إذ أننا وبعد جولتنا المتواضعة على المحال التجارية مع المراقبين التابعين لوزارة الإقتصاد اكتشفنا أنه لا رادع فعلياً وحقيقياً أو عملياً للتاجر يمنعه من رفع أسعاره إذ أنه ليس من صلاحيات وزارة الإقتصاد ملاحقة المخالفين بل يقتصر دور المراقبين على تسجيل “إخبار للقضاء” وليس الملاحقة المباشرة ولا المحاسبة الفورية.

 

وفي هذا الصدد تقول عليا عباس المديرة العامة لوزارة الإقتصاد لـ”نداء الوطن” أنهم لا يستطيعون إقفال المحل المخالف بشكل فوري ومباشر وأضافت ” إن أثر ارتفاع الأسعار الجنوني على كافة السلع وبخاصة الأساسية بشكل متواصل يؤدي إلى نشر صورة سلبية عامة عن وزارة الإقتصاد ودورها في تدارك الأمور. فقد تظاهر ظهر أمس الأربعاء ناشطون أمام الوزارة معتبرين أن ما نقوم به في الوزارة وفي مصلحة حماية المستهلك منتقص وغير كافٍ لردع التجار وحماية المواطنين والمقيمين في لبنان”.

 

وتابعت “شرحنا لهم أن أيدينا مكبلة، فليس من صلاحياتنا القيام بعقوبات فورية عند اكتشافنا أي “تزعبر” أو “جشع” مما يضعف من هيبتنا أمام التجار، فالتاجر يعلم تماماً أنه ليس بيد المراقب من قبلنا صلاحيات الإجراء الفوري وأنه غير مخول لفعل أكثر من تسطير ضبط وتحويله للقضاء الذي بدوره تتكدس عنده المخالفات وأحياناً تسقط بمرور الزمن أو يتم تخفيض قيمة الجزاء الى أدنى حد”. كما أكدت أن “القضاء لا يتحرك بشكل فوري حتى الآن” و أن “هناك تقاعساً دفع بالوزير راوول نعمة إلى إرسال لائحة بأسماء المؤسسات المخالفة والمحولة الى القضاء في جميع المحافظات إلى وزيرة العدل ماري كلود نجم من أجل الضغط لاتخاذ التدابير اللازمة من أجل الإسراع في البت بالمحاضر التي تم تسطيرها بحق تلك المؤسسات والتشدد في تطبيق أحكام الفصل الخامس عشر والعقوبات المنصوص عليها في قانون حماية المستهلك رقم 659”. وقالت “حتى اليوم تقدمنا إلى القضاء بمخالفات تجاوزت الـ 500 محضر ضبط نرجو البت بها سريعاً في القضاء، وعلى الشعب أن يعلم أن المشكلة لا تكمن عندنا بل في عدم اعطائنا صلاحية التصرف الفوري وفي كثرة المخالفات التي ترسل إلى القضاء الذي يولي أهمية اليوم للموقوفين وحل أزمة السجون والمحاكمات الالكترونية وليس لضبط السوق التجارية”.

 

كما طالبت عباس كل التجار بالإلتزام بالنصوص القانونية المرعية الإجراء ودعت المواطنين الذين يتظاهرون ويرفضون ما يحدث من غلاء أسعار بالتطوع لدى وزارة الإقتصاد كمفتشين متطوعين على الأرض لأن عدد الموظفين غير كاف ويحتاجون إلى عناصر أكثر وسط تراكم الشكاوى، طالبة من الراغبين في التطوع التواصل مع الوزارة عبر موقعها على الإنترنت أو الإتصال بالوزارة وقالت “ساعدونا لملاحقة المخالفين أيضاً وبلغوا عنهم على الخط الساخن 1739 لتسجيل الشكاوى وملاحقتها”. وختمت “العمل جار في الوزارة بالتعاون مع الشعب والجمعيات لإعداد أفضل وأحدث قانون يحمي المستهلك اللبناني مرفقاً بقانون المنافسة”.

 

مستغلو كورونا

 

من جهتها اعتبرت المفتشة ندى ضو، والتي رافقناها في جولتها الميدانية، أنها وزملاؤها في مديرية حماية المستهلك يجوبون على المحال التجارية والمؤسسات والأسواق في كافة المناطق اللبنانية بشكل يومي للتدقيق في الأسعار وفواتير شراء التجار ومقارنتها بأسعار المبيع بهدف معرفة هوامش الربح التي من المفترض ألا تتخطى هامش الـ3% ومن بعدها تنظم محاضر بحق المخالفين الذين أسمتهم بـ”مستغلي الكورونا” لتتجاوز أسعارهم نسب الربح المعقولة والقانونية. ذلك أنها تسطر محضراً في المرة الأولى وبعدها تعود مرة أخرى لزيارتهم بشكل عشوائي فإن تكررت مخالفتهم يتم تسطير محضر آخر. هذا وتحال كل محاضر الضبط إلى القضاء مع تقديم اقتراح بإقفال المؤسسة التجارية لمكرري المخالفات. وتقول: “صراحة تتأخر الأحكام ولكن كمراقبة نحن لا نهدأ، وجودنا في السوق مهم كعامل من عوامل ردع التجار عن المخالفة، وبرأيي الشخصي يمكن لتراكم المحاضر أن يضر بالتاجر الجشع وعندي الأمل أن تكون خطواتنا في ضبط السوق فعالة ومجدية وضرورية لذا حتى لو تأخرت الملاحقات القضائية لا يمكننا ترك السوق فمسؤوليتنا تقتضي العمل بشفافية والضغط اليومي على المخالفين”.

 

وفي السياق عينه يقول مدير حماية المستهلك طارق يونس”نحن مستمرون بأداء مهامنا ضمن الصلاحيات والإمكانيات ونتأمل إصدار الأحكام القضائية بمحاضر الضبط بأسرع وقت”.

 

الهيئات الإقتصادية

 

تراوحت ردود الهيئات الإقتصادية برئاسة رئيسها الوزير السابق محمد شقير حول مشروع تعديل قانون حماية المستهلك الذي يعمل وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة على اقراره بين الرفض والمراوغة والتحذير منه. كما أصدرت الهيئات بياناً أشارت فيه إلى أنها ترفضه “من نواحي التوقيت والشكل والمضمون”.

 

فمن حيث التوقيت، اعتبرت الهيئات ان طرح المشروع الذي يحمي المواطنين من جشع التجار “غير مناسب على الاطلاق” وقالت إن صرخات الشعب ما هي الا “حملات ظالمة تطال القطاع التجاري، والتي لا تستند الى وقائع حقيقية”.

 

ومن حيث الشكل أسفت الهيئات لنشر الوزير نعمة مشروع التعديل على الموقع الالكتروني وتحديد مهلة أسبوع لإعطاء الرأي حوله، عملا بحق المواطنين بالوصول الشفاف الى المعلومات ولاموه على أنه لم يترك لهم “أي فرصة لعرضه ومناقشته مع الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص”.

 

أما من حيث المضمون، فأكدت الهيئات “حرصها الشديد” على ضرورة اتخاذ كل الاجراءات والتدابير التي من شأنها “حماية المستهلك ومنع الاحتكار وتفلت الاسعار” الا انها في الوقت نفسه تشدد” على ضرورة حماية مبادئ النظام الاقتصادي الحر والمنافسة التي نص عليها الدستور، وهذا لم يراعه مشروع التعديل الذي وضعه الوزير نعمة”. أي باختصار شديد، على الشعب اللبناني أن يتحضر لمعركة طاحنة بين التجار ومجلس النواب وتعرض المشرّعين حتماً للضغط من قبل الهيئات الإقتصادية رفضاً لإعطاء وزارة الإقتصاد الصلاحية بالضرب بيد من حديد.

 

قانون يحدّثه الشعب

 

في اطار التعاون والشفافية بين المواطن والوزارة التي عليها حمايته، طرح وزير الإقتصاد مشروع قانون حماية المستهلك على الموقع الالكتروني للوزارة طالباً من المهتمين مساعدته وابداء الملاحظات حول القانون بهدف الوصول إلى “النسخة الأكثر شعبية” من القانون وبهدف حماية المستهلك من الجشع والاستغلال. كما غرّد وزير الاقتصاد راوول نعمة عبر حسابه على تويتر قائلا: “مع انتهاء مهلة اعطاء الملاحظات على مشروع قانون حماية المستهلك، نعدكم بأخذ أفكاركم البناءّة لإعداد افضل قانون لحمايتكم كمستهلكين واحالته بسرعة الى مجلس الوزراء.” وأضاف: “شكراً لكل المشاركين، بفضل تعاونكم سنبدأ مرحلة جديدة من الردع ومكافحة الغش واتخاذ اجراءات اكثر فعالية بحق التجار المخالفين”.

 

من جهته، تمنى عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص عبر “نداء الوطن” انتهاء أزمة كورونا في أسرع وقت ممكن كي تعود الحياة التشريعية إلى العمل والخروج بقانون جديد يحمي المستهلك الى أقصى حد. إذ أوضح أن وزير الإقتصاد كان قد عرض مشروع قانون لتعديل قانون حماية المستهلك الحالي للرأي العام لإعطاء الشعب رأيه وملاحظاته على المسودة وهي سابقة. وأكمل “فور تحويل مشروع القانون الجديد من الحكومة الى المجلس النيابي أفترض أن يرسل الى لجنتي الاقتصاد والادارة والعدل وسندلي بدلونا بالنسبة للملاحظات حينها، ليكون أكثر فعالية بالاستفادة من التجارب التي تحدث حالياً”. أما بالنسبة إلى الوضع الحالي بانتظار القانون فاعتبر عقيص أن “هناك حاجة وحكمة للبت سريعاً في الأحكام القضائية بحق المخالفين لما في السوق من تفلت في ظل انخفاض سعر الليرة وهناك خيار واضح أمامنا بعدها بإعطاء وزارة الإقتصاد القدرة على وضع محاضر ادارية وغرامات ادارية نافذة دون الحاجة الى تدخل المحاكم واجراءات قضائية طويلة”.

 

ما قاله عقيص أكده رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان الذي كشف لـ “نداء الوطن” أن المجلس النيابي سيعود الى التشريع قريباً وأنه سيعطي كامل الإهتمام والمتابعة المطلوبة فور طرح وزير الإقتصاد للتعديل الأخير على قانون حماية المستهلك قيد المناقشة، ووعد أنه سيضعه في أولويات اجتماعات اللجان لما يحمل في طياته من أهمية قصوى، خاصة في زمن زادت فيه رقعة الفقراء وتراجعت فيه القدرة الشرائية لجميع المواطنين.