لا تزال حقيبة الطاقة هي “أم العقد”، لأسباب كثيرة، بعضها يتصل بمشاريع انتاج الطاقة المستقبلية التي يفترض أن تكون في صلب أجندة الوزير المقبل، وبعضها الآخر يتصل بما يحوم من اتهامات فساد تشوب ادارة هذه الوزارة.
في مطلق الأحوال، يواجه الوزير الجديد سلسلة تحديات صعبة وقد تكون شبه مستحيلة اذا لم تقرن بإرادة اصلاحية صلبة وبظروف سياسية داعمة، خصوصاً وأنّ للقطاع تأثيراته على كل القطاعات الأخرى، الصناعي، الاستشفائي، التربوي، والاتصالات وغيرها. ما يعني أنّ ازدهاره يؤدي فوراً الى ازدهار بقية القطاعات والعكس صحيح. ولهذا ثمة حاجة ماسة إلى وزير يعيد الثقة بالقطاع من خلال تطبيق القوانين المرعية الاجراء التي تمّ اقرارها من العام 2002 والتي وضعت في الأدراج فأجيزت الاستثناءات وأهمل الأصل. وأهم مندرجات تلك القوانين هو تعيين هيئة ناظمة مستقلة بعيدة عن المحاصصة الطائفية والسياسية.
أما أبرز تلك التحديات فهي:
– اشكالية سعر صرف الدولار والشحّ في كمياته ما زاد من عمق الأزمات التي يعاني منها القطاع بسبب عقود الصيانة والتشغيل لمعامل الانتاج في الزهراني والجية ودير عمار، وهي مستحقات بالعملة الأجنبية.
– الحاجة إلى زيادة الانتاج ما يعني بناء عدد موضوعيّ من المعامل وليس عدداً عشوائياً بالشراكة مع القطاع الخاص وفقاً لقانون الشراكة 48/2017 الذي هو بحاجة الى تطبيقه بحذافيره، وهو العمود الأساسي لمشاريع “سيدر”، وهو ينصّ على اجراء المناقصات بطريقة شفافة لأنّ هذه الشراكة لا تحتمل بعد الآن خضوعها لمنطق الصفقات، لا بل تحتاج الى تلزيمات شفافة تجذب الشركات العالمية ذات السمعة الطيبة والصدقية العالمية، ولا يمكن بالتالي الاستمرار في سياسة العقود غير المجدية كعقد مقدمي الخدمات الذي تمّ على أساسه التعاقد مع أربع شركات للجباية نيابة عن شركة كهرباء لبنان، خصوصاً وأنّه حتى الآن لا يزال مصير هذه العقود مجهولاً، كما القيمة التي كبدتها للخزينة العامة. الحقيقة الواحدة الثاتبة هي أنّ هذه الشركات لم تقدم أي قيمة مضافة أو تحسينات للقطاع مقابل تكاليف باهظة.
– تحويل معامل الانتاج لتمكينها من العمل على الغاز اذ لا يمكن بعد الآن استخدام الفيول ذي الكلفة العالية وبسبب إضراره بالبيئة والصحة.
– تشجيع الطاقات البديلة وهذه مهمة الوزير الجديد، للدفع باتجاه اقرار مسودات قوانين لا تزال في الادراج والعمل لوضعها موضع التنفيذ. لا يمكن بعد الآن العمل في هذا القطاع بطريقة عشوائية وألّا يكون مجلس الوزراء صاحب صلاحية منح التراخيص وانما الهيئة الناظمة للقطاع وفق مناقصات شفافة او شراكة هادفة مع القطاع الخاص.
– إعادة تأهيل شبكة النقل لتقليص الخسائر والهدر الفني أو الحد منهما اذا تمّ بناء معامل جديدة.
– اجراء الاتصالات مع الخارج لاعادة احياء الربط الخماسي والسداسي الكهربائي مع دول الجوار وهي اتفاقيات وقّع عليها لبنان بإمكانه الاستفادة منها.
– حسم مصير العقد مع شركة روسنفت الروسية لتشغيل منشآت النفط في طرابلس خصوصاً وأن الوقائع تشي بأن الاتفاق “لا معلق ولا مطلق” وتشوبه العيوب.
– تحديد مصير جيش المستشارين الذين يتقاضون رواتب ومخصصات خيالية من دون أي انتاجية، ومن دون العمل على تحديث الادارة.
– تفعيل دور مجلس ادارة مؤسسة كهرباء لبنان الجديد والذي تمّ تعيينه ارضاء للمجتمع الدولي بطريقة غير شفافة عبر محاصصة طائفية سياسية بعد عقود من هيمنة سلطة الوصاية فقط لارضاء المجتمع الدولي.
– حسم مصير عقد دير عمار الذي تحول من EPC الى BOT من دون الاستناد الى أي مسوغ قانوني.
– اعادة بناء مبنى مؤسسة كهرباء لبنان بعد تعرضه للتدمير بشكل كلي نتيجة انفجار الرابع من آب.
– انتهاء عقد سوناطراك نهاية العام الحالي من دون أن يتبيّن ماذا اذا كان تمّ تحضير دفتر شروط جديد خصوصاً وأنّ سوناطراك تؤمن 60% من حاجة لبنان من الفيول. كذلك الأمر بالنسبة لامتياز كهرباء جبيل الذي سينتهي نهاية العام، أسوة بامتياز زحلة.
وفي هذا السياق تقول المحامية والخبيرة القانونية كريستينا أبي حيدر المتخصّصة في شؤون الطاقة إنّ هناك حاجة ماسة إلى إجراء تدقيق جنائي في القطاع لمعرفة كيف صرفت المليارات على قطاع الكهرباء من دون زيادة الانتاج على الشبكة، علماً بأن الكهرباء كانت تدر الارباح على الخزينة اللبنانية، مشيرة إلى أنّ أداء وزير الطاقة المقبل سيكون الاختبار الفعلي للحكومة ما اذا كانت جادة باجراء اصلاحات حقيقية، اول مؤشرات اداء الوزير هو كيف سيستعيد الثقة وما اذا كان سيجري تدقيقاً جنائياً وسيضع “زيحاً” مع تصرفات الماضي للتخفيف من عجز القطاع أم أنه سيكون مجرد حلقة متممة لمسلسل الفشل المستمر منذ عقود.
وتساءلت: حتى الآن لا نعرف ما هو وضع المؤسسة أو قيمة خسائرها، ما يضع علامات استفهام كثيرة وكأن هناك من يخطط لبيع المؤسسة وهي بحالتها المدمرة أو الخصخصة الكلية المجانية بحجة الدمار!
وقالت: “نريد الشراكة الشفافة وحماية القطاعين العام والخاص لتحقيق أفضل خدمة للشعب اللبناني، ولجذب الشركات العالمية وهذا لا يتم الا عبر تطبيق قانون الشراكة رقم 48/2017 وقانون تنظيم قطاع الطاقة المعطل منذ العام 2002 فلبنان لا يتحمل الانتقال من قطاع عام فاشل كان يدير هذا القطاع إلى قطاع خاص محتكر، وهنا الخطورة كون ذلك سيؤدي إلى تأمين الخدمة بكلفة عالية جداً خاصة اذا لم تتأمن المنافسة وفتح السوق بطريقة عادلة”.
وأضافت، أنّ الخلاص الوحيد يبقى بتطبيق القانون 462 الذي يؤدي حكماً الى تجزئة قطاع الكهرباء الى ثلاثة اجزاء وهي الانتاج، النقل، والتوزيع في الانتاج وعلى عكس ما يحاول البعض أن يلصقه بالقانون زوراً بأنه سيؤدي الى خصخصة كلية للانتاج فان تطبيقه يعني تشركة مؤسسة كهرباء لبنان مع القطاع الخاص وبالتالي تستطيع الدولة أن تشرف على معامل الانتاج كونها ستبقى شريكة فعالة. وهذا ما سيؤدي الى فتح الاسواق امام منافسة شريفة وفعالة. أمّا النقل فسيبقى بيد مؤسسة كهرباء لبنان. وسيكون مصير التوزيع مشابهاً لمصير قطاع الانتاج أي شراكة فعالة بين القطاعين العام والخاص… من هنا ضرورة تطبيق هذا القانون فوراً ما يعيد الثقة للقطاع ويؤدي حكماً الى ضخ استثمارات من القطاع الخاص نحن بأمسّ الحاجة اليها.
وتؤكد أنّ التحديات الكثيرة التي تواجه الوزير العتيد تتطلب وزيراً مستقلاً يمكنه أخذ قرارات سريعة وجريئة والأهم شفافة وقانونية.