Site icon IMLebanon

خطة وزارة البيئة للنفايات: علاج أو تفجير لملف المطامر؟

 

بين الطمأنة والتحفّظ والتحذير حيال إقرارها… إصابات اليرقان إلى تزايد

 

 

العدد الفعلي لإصابات التهاب الكبد الفيروسي – أ (اليرقان) في تزايد مستمر. التحذيرات تتصاعد من احتمال ازدياد غير مسبوق في أعداد الإصابات والتي يعود أحد مسبّباتها إلى تلوّث المياه الجوفية. وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، ها هو ناقوس الخطر يُدقّ مجدداً في ما يتعلّق بأزمة النفايات بعد إقرار مجلس الوزراء الشهر الماضي توجّهات استراتيجية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة في لبنان، أبرزها «تطوير المطامر الصحية القائمة حالياً واستحداث مطامر صحية حديثة». فهل من رابط أو داعٍ للهلع؟

 

قرار مجلس الوزراء، الذي لم يأتِ صراحة على ذكر مواقع المطامر المقترحة الجديدة بتاريخ 20/05/2022 حاملاً الرقم 67، جاء استكمالاً لقرار سابق صدر في شباط الماضي، وافقت خلاله الحكومة على الخطة التي عرضها وزير البيئة مكلّفة إياه اتخاذ ما يلزم لوضعها موضوع التنفيذ. وهو قرار قابلته اعتراضات بيئية واستنكار لما قد ينتج عن بعض المطامر من تسرّبات لعصارة النفايات تصيب ينابيع المياه مباشرة، لا سيما بعد اكتشاف أنّ المواقع المقترحة الجديدة هي الناعمة وبعاصير التي سبق أن جوبهت برفض صارم من الأهالي، إضافة إلى غوسطا وأبو ميزان التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن نبع جعيتا. وجهات النظر تتباين كالعادة بين الرسمي والبيئي والطبي منها. إلى التفاصيل.

 

خطة وتوجهات استراتيجية

 

في حديث له مع «نداء الوطن»، وصّف وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال، الدكتور ناصر ياسين، الخطة المطروحة من قِبَل وزارة البيئة لمعالجة حوالى ألف مكبّ عشوائي على الأراضي اللبنانية تتمركز بمعظمها خارج المدن الرئيسية، شارحاً بداية: «هذه المكبات العشوائية التي جاءت نتيجة سوء إدارة ملف النفايات الصلبة عبر السنوات الماضية معرّضة دوماً للاحتراق ما يتسبب بانبعاثات خطيرة تؤدي إلى مشاكل صحية وأمراض سرطانية، إضافة إلى تلوّث المياه الجوفية، كذلك خطر اندلاع الحرائق في الغابات والأحراج المحيطة كما التدهور البيئي». لكن، رغم حراجة الموقف، لم يتم عرض أي حلّ جذري حتى اليوم لمعالجة أزمة النفايات. فالإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، بحسب ياسين، تمرّ بعدّة مراحل، لخّصها في توجهات استراتيجية سبعة كما وردت في خطة الوزارة، وهي: التوجه الأول يندرج في سياق تطبيق القانون رقم 80/2018 عبر تفعيل الدور التنظيمي والرقابي لوزارة البيئة؛ ضرورة تعزيز الإدارة اللامركزية لملف النفايات وتمكين السلطات المحلية والبلديات من القيام بدورها الفاعل في عملية الفرز كونها تشكّل خط الدفاع الأول في إدارة الأزمة؛ تبنّي وتعزيز مبادئ الاقتصاد الدائري وتنظيم أنواع ومسارات النفايات كلّ على حدة، ما يعني الفرز من المصدر؛ تطوير وتشغيل مراكز الفرز الثانوي والتسبيخ على مستوى المناطق والمدن، وهي مرحلة أساسية جداً بسبب عدم الالتزام التام بالفرز المنزلي الأولي؛ وبعد الانتهاء من التوجهات الأربعة السابقة، ثمة ضرورة لتنظيم إنتاج الوقود البديل المستخرج من المرفوضات غير القابلة لأي علاج، انتهاء مع تطوير المطامر الصحية القائمة حالياً واستحداث مطامر صحية حديثة، كما إقفال وإعادة تأهيل المكبات العشوائية.

 

تطمينات ولكن…

 

هل من حلول بديلة عن المطامر؟ يجيب ياسين: «لا تقوم جميع البلديات للأسف بدورها في عملية الفرز الأولي. المحارق هي إحدى طرق المعالجة لكن تكلفتها باهظة وآثارها البيئية مضرّة. من ناحيتها، عملية بيع النفايات هي من الأساطير التي تعمّمت في الثقافة اللبنانية لأنها تجارة تحكمها قوانين ومعاهدات دولية متشددة إضافة إلى تعلّق الموضوع بأخلاقيات القطاع. وبانتظار تعميق ثقافة الفرز من المصدر، وهو أمر يتطلب سنوات من التغيير السلوكي، لا بدّ لنا من الذهاب إلى الحلول الأكثر تكاملاً رغم عدم ثقة المجتمع بنا».

 

كذلك، يلفت ياسين إلى أن مطمر الجدَيدِة سيبلغ قدرته الاستيعابية خلال عام تقريباً، «فالحلول الاستباقية ضرورية مع الأخذ بالاعتبار أن احتمالية تصريف الأعمال يمكن أن تطول، لذا لن أقبل بجَبَل من النفايات في المتن ولا على الشواطئ والسواحل اللبنانية». باختصار، القرار هو عبارة عن اقتراحات لخارطة مطامر ستخضع جميعها لدراسة أثر بيئي لمعرفة تأثيرها على المياه الجوفية والوضع الجيولوجي ومدى تقبّل الأهالي للفكرة. وهي ستحلّ محلّ مكبات عشوائية كانت موجودة سابقاً أو مواقع كسّارات قديمة تمّت دراستها بشكل أولي قبل اختيارها، مع التأكيد على ضرورة أن يكون لكل منطقة مطمرها الخاص، وفق ياسين.

 

حسناً. غير أن التطمينات التي أطلقها ياسين وتأكيده التوجه إلى مواقع أخرى في حال ثبت عدم صحة المطامر المقترحة، لم تحل دون أن يكون للناشطين البيئيين رأي آخر.

 

قنابل موقوتة؟

 

نسأل رئيس جمعية الأرض- لبنان، السيّد بول أبي راشد، فيبدي استغرابه بداية حول قرار مجلس الوزراء الذي لم يتطرق سوى لمطامر منطقتي بيروت وجبل لبنان دون سواها في البقاع والشمال والجنوب. وإذ تساءل عن الأسباب التي أدّت إلى عدم ذكر أسماء المواقع بوضوح، لفت إلى أن تبنّي المطامر الموجودة أساساً واقتراح أربعة مطامر جديدة، يعني أنه سيتمّ التجديد لمطمري كوستا برافا والجدَيدِة.

 

ويضيف أبي راشد: «لم تتمّ استشارتنا قبل إصدار القرار مع العلم أننا، كجمعية الأرض- لبنان، نمثّل الجمعيات في لجنة التنسيق التي شكّلتها وزارة البيئة من أجل إدارة ملف النفايات». وتابع موضحاً استحالة تحويل مواقع الكسّارات إلى مطامر صحية، لما تكون قد سبّبته الأولى من جرف لطبقات من الأرض ما يسهّل عملية تسرّب العصارة الناتجة عن النفايات إلى المياه الجوفية. المطامر الجديدة المقترحة، بحسب أبي راشد، هي قنابل موقوتة وخطيرة جداً. فمطمرَا غوسطا وأبو ميزان يبعدان كيلومترات قليلة عن نبع جعيتا الذي يغذّي 70% من بيروت. أما مطمرَا الناعمة وبعاصير، فقد سبق وووجها بمعارضة شديدة من الأهالي لما يتسببان به من روائح كريهة تنتقل إلى المناطق السكنية المجاورة. فطرح هذين المكبّين، والكلام لأبي راشد، هو «كمن يحركش في وكر الدبابير… فهل آلت بنا الأمور لأن نقترح مطمراً قريباً من البيوت لمجرّد التقاعس عن تطبيق عمليتي الفرز الأولي والثانوي بشكلهما الصحيح؟».

 

بالنسبة إلى مبدأ اللامركزية في إدارة ملف النفايات، أشار أبي راشد إلى عدم إمكانية أن يكون لكل قضاء مطمر خاص به إذ، بعد عملية الفرز والتسبيخ، يجب أن تُنقل النفايات بحسب نوعها إلى أماكن محدّدة: فنفايات البناء تُنقل إلى مكان، والنفايات الإلكترونية إلى آخر والعوادم إلى مكان ثالث، وهكذا دواليك. فما الفكرة إذاً من اقتراح مطمر بعاصير لقضاء الشوف، الناعمة لعاليه، الكوستا برافا لبعبدا، أبو ميزان للمتن، غوسطا لكسروان وحبالين لجبيل؟ «الحلّ يكون من خلال إعلان التعبئة العامة وإجبار البلديات من جهة على إنشاء مراكز فرز وترحيل، والمواطنين من جهة أخرى على فرز النفايات في المنزل»، ينهي أبي راشد. وكل ذلك يجري من ضمن خطوات استثنائية تتمّ مراقبتها من قِبَل موظّفي أو شرطة البلدية، ما يؤدي إلى ضبط عملية الفرز وتراجع نسبة النفايات المحوّلة إلى المطامر من 90% إلى 10% ما يقلّل من الحاجة إلى هذه الأخيرة.

 

التجارب غير مشجّعة

 

بدوره، يقول عضو تكتل الجمهورية القوية، النائب رازي الحاج، في اتصال مع «نداء الوطن» إن مشكلة القرار لا تتعلّق بمبدئه العام وإنما بتنفيذه، وتساءل: «ما الضمانات لناحية كون المطمر صحياً وألّا تُنقل إليه أيضاً المواد القابلة للفرز؟ لدينا مشهدية واضحة في مطامر سُمّيت بالـ»صحية» نفّذتها الدولة سابقاً في برج حمود والجدَيدِة والبوشرية لكنها أتت غير مطابقة للشروط». النقاش على حدّ تعبير الحاج ليس تقنياً إنما يحتاج لما يضمن تنفيذ المشروع بصورة صحيحة مع الالتزام بدفتر الشروط، خاصة وأن بعض المطامر المقترحة هي على ارتفاع أعلى من نبع جعيتا الذي يغذّي جزءاً كبيراً من بيروت وجبل لبنان. وأضاف: «من حقّنا التحفّظ ومعرفة التفاصيل ومعارضة القرار، ليس من مبدأ المعارضة المطلقة بل لأنّ التجارب السابقة غير مشجّعة». الحلول المطروحة، بحسب الحاج، هي مجرّد خطط غير مستدامة تأجيلاً للمشكلة لا معالجة لها. فالمطامر ليست الحلّ الأنسب والنهائي، حيث يجب العمل على مراكز الفرز وإجبار الناس على تطبيقه. والحال أن الاستهتار يأتي أولاً من السلطات المحلية، إذ «كيف يمكن السماح للنبّاشين بجمع المواد البلاستيكية والكرتون وبيعها، في وقت تُعتبر هذا المواد مصدراً مادياً للبلديات في ما لو اتّبعت إدارة سليمة حيالها». وفي وقت يتخوّف الحاج من انتقال الكارثة مجدداً من مكان إلى آخر في ظلّ غياب أي حلّ جذري، أشار إلى إمكانية تقديم مراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإعادة مناقشة القرار. فهل يمكن للحكومة المباشرة بتطبيقه من دون إعادة مناقشته كونها حكومة تصريف أعمال؟ الجواب على لسان الحاج: «طالما أن القرار اتُّخذ في آخر جلسة لمجلس الوزراء، قبل دخول الحكومة مرحلة تصريف الأعمال، مِنَ الممكن تنفيذه لكن ضمن الأصول، أي تحويله إلى إدارة المناقصات، إلّا في حال الذهاب باتجاه عقود بالتراضي الأمر الذي استبعده بعض الشيء».

 

إحذروا المضاعفات الصحية!

 

نُفّذ القرار أم لم يُنفَّذ، ليست كارثة تلوّث المياه بالمستجدة للأسف. فهي لا تتوقّف عن التسلل إلى أجسام الأطفال، وما إصابات اليرقان الآخذة في التزايد سوى دليل على ذلك. ماذا يقول الطب في هذا الإطار؟

 

تواصلت «نداء الوطن» مع الأخصائية في طب الأطفال والمراهقين، الدكتورة ثريا علم الدين، التي اعتبرت أن من أبرز مسبّبات تلوّث المياه هو اختلاط مواد غريبة بالمياه الجوفية أو السطحية أو تسرّب الطاقة الحرارية والإشعاعية، ما يؤدي إلى تغيير في وظائفها. فهذه المياه التي تنتقل بسهولة إلى جسم الطفل عبر الفم من خلال عملية الشرب أو الاستحمام أو تنظيف الأسنان أو حتى من خلال المأكولات التي يتناولها، إنما تؤدي إلى أمراض لا تُحصى منها الدزنطاريا، الكوليرا، حمى التيفوئيد، التراخوما، السالمونيلا، الإي كولاي، اليرقان أو حتى التهابات الأذن وهي عوارض شائعة خلال موسم السباحة. وإذ تشير الإحصاءات العالمية إلى وفاة أعداد كبيرة من الأطفال سنوياً بسبب المياه الملوّثة، تنصح علم الدين بـ»تعقيم المياه من خلال تعريضها للغليان لمدّة لا تقلّ عن خمس دقائق، وهي أكثر الطرق أماناً للقضاء على كمية لا بأس بها من البكتيريا والفيروسات». أما عوارض الإصابة، فتتلخص بارتفاع حرارة الجسم، التقيؤ، الغثيان، انعدام الشهية، الشعور بالتعب، وأحياناً بألم في منطقة الكبد، هذا إضافة إلى الاصفرار الذي قد يظهر تحت الجلد وفي بياض العين. وتختم علم الدين محذّرة: «العوارض تظهر أكثر وضوحاً مع التقدّم في العمر، ويمكن أن تتطوّر مضاعفاتها لتؤدي إلى فشل في الكبد وانخفاض مفاجئ في وظائفه». اللقاحات مفقودة في العيادات، وأسعار مياه الشرب العذبة تحلّق، أما ما تبقى من ينابيع غير ملوّثة فهي في مرمى خطط النفايات. الحذر يستوجب أن نُبقي عيناً على عدّاد الإصابات وأخرى على تطورات ملف المطامر في آن.