Site icon IMLebanon

هل وزارة المالية «شيعيّة» بحكم مؤتمر الطائف؟

 

ليس في الدّستور أي نصّ يكرّس حصرية وزارة محددة بطائفة محددة، ولم تذكر «وثيقة الوفاق الوطني» المنبثقة عن مؤتمر الطائف في محاضر الاجتماع عن اتّفاق يقضي بتكريس وزارة الماليّة للطائفة الشيعية، تماماً مثلما لم تذكر طائفة أيّ من الرئاسات الثلاثة. الّا ان رئيس مجلس النّواب الأستاذ نبيه برّي قال مراراً أنه تمّ الاتفاق على أن تكون وزارة المال للطائفة الشيعيّة في مؤتمر الطائف، بحيث يأتي توقيع الوزير الشيعي على المراسيم في المحل الرابع في السلطة التنفيذية بعد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المختص. واليوم يُسارع «الثنائي الشيعي» الى طرح ميثاقية التواقيع لضمان بقاء «التوقيع الشيعي» في المالية بحجّة الحفاظ على التوازن الطائفي مع التوقيعين المسيحي والسنّي في مراسيم الدولة، لأنّ الثنائي يُريد احياء وتثبيت أن تذيّل المراسيم «الدّسمة» بتوقيع الوزير الشيعي إلى حين تكوين نظام سياسيّ جديد.

 

بالعودة الى المعلومات والمراجع المتوافرة بهذا الخصوص، نستنتج أنّ الرئيس برّى بصفته رئيساً لحركة «امل» آنذاك، كان هدفه منذ البداية انتزاع موقع ثابت للشيعة في السلطة التنفيذية وان يكون لهم توقيعاً فيها، إضافةً الى رئاسة السلطة التشريعية. ففي «مؤتمر جنيف» في العام ١٩٨٣، طرح برّي ان يستحدث منصب نائب رئيس للجمهورية يُسند الى شخصية شيعية، فكان الجواب ان هذا الاقتراح لا يتناسب الاّ مع النظام الرئاسي وليس مع النظام البرلماني. وفي «مؤتمر لوزان» في العام ١٩٨٤ غيّر برّي طلبه وعرض ان يكون نائب رئيس الحكومة شيعياً مع صلاحيات فسقط الاقتراح كون هذا المنصب مسند للطائفة الارثوذكسية. وبعدها انتقل النقاش الى الاتفاق الثلاثي في دمشق، وجرى طرح موضوع «المثالثة» في السُلطة عرضياً.

 

ثم جاء «مؤتمر الطائف» عام ١٩٨٩ وكان التركيز على الانتقال من النظام الطائفي الى النظام المدني، وتم التوافق على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، واقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، وعدم طائفية الوظيفة الا في الفئة الاولى، على ان يراعى التوزيع الطائفي والحفاظ على المناصفة المسيحية – الإسلامية، وهذا ما نُشر رسمياً في «وثيقة الوفاق الوطني». ويؤكّد بعض المشاركين في مؤتمر الطائف أنّ المجتمعين ناقشوا أفكاراً عديدةً لم تنشر رسمياً في «وثيقة الوفاق الوطني» ولا في محاضر مؤتمر الطائف، منها ما يتعلّق بإسناد وزارة الماليّة الى الطائفة الشيعية كمرحلة انتقالية حتى إلغاء الطائفية، من دون تدوين هذا الامر.

 

في المُقابل، يؤكّد البعض الآخر انّ تخصيص الشيعة بحقيبة الماليّة لم يكن موضع توافق إطلاقاً فبَقي طرحًا لم يقبل به كلّ النواب آنذاك. وبالتالي ليس هناك من اتفاق مكتوب او شفهي مبرم بخصوص يعطي الشيعة وزارة الماليّة، بعكس الاتفاق الصريح على طائفة كلّ من الرئاسات الثلاثة لحين الغاء الطائفية السياسية وقيام النظام المدني.

 

وللتذكير أنّه بعد اتفاق الطائف، اسندت وزارة المال الى الوزير الشيعي علي خليل في حكومات الرئيس سليم الحص واستمرت معه في حكومة الرئيس عمر كرامي، ثمّ انتقلت الى الوزير اسعد دياب في حكومة الرئيس رشيد الصلح. وبعدها تبدل الوضع مع اول حكومة للرئيس رفيق الحريري الذي تسلم وزارة الماليّة منذ عام ١٩٩٢ الى العام ١٩٩٨، ثمّ آلت حقيبة الماليّة الى وزراء آخرين غير شيعة منذ عام ١٩٩٨ وحتّى العام ٢٠١٤، وبعدها وصلت الى علي حسن خليل ومؤخراً الى الوزير غازي وزني.

 

وفي الجانب السياسي، ترى بعض الأوساط أنّ وزارة الماليّة باتت رمزاً لكبرياء «الثنائي الشّيعي» وارتبطت بدورهم و«حقوقهم» في صنع القرار اللبناني حتى باتوا يرون كراماتهم مربوطة بها، لدرجة تسميتها بـ«الحقيبة الميثاقية» و«قدس الأقداس» للدلالة الى أنّ سقوط عرفها الشيعي سيؤدّي الى سقوط أعراف الرئاسات الثلاث وتعميم المداورة عليها وعلى مناصب الفئة الأولى. وقد وضع البعض الكلام عن ميثاقية الوزير الشيعي بعد الطائف في إطار تكريس الـ«مُثالثة» على أرض الواقع من خلال التوقيع الشيعي على المراسيم في السلطة التنفيذيّة، لافتين أنّه وبحسب الثنائي الشّيعي تقتضي الميثاقيّة بأن يكون المنصب من حصّة «الشيعة»، أي تابع للثنائي الشّيعي أو من «عنديّاته»، وليس أن يكون شاغله مجرّد شخص «شيعي». كما وضع الكلام برسم أسماء وزراء الماليّة غير الشّيعة الذين تعاقبوا على الحقيبة من العام ١٩٩٢ ولغاية ٢٠١٤. في المقابل تقول أوساط الثنائي بأنّه يقبل بشيعي حتّى لو سمّته فرنسا ولكن شرط المشاركة في التّسمية.

 

وبين وجهات النّظر المتناقضة، يبقى مستقبل لبنان عالقاً في حقيبة الماليّة لبلد مُفلس، وهو يشهد تأسيس عرف «التوقيع الثالث الميثاقي» تحت ضغط تحدّي المجتمع الدولي كلّه، في حين يبقى اللبنانيون وودائعهم ومستقبلهم الاقتصادي والمالي رهينة لمصالح القوى السياسيّة على اختلافها، في ظلّ ميثاقيّة أفلست البلد ولم تحمِ أموال المودعين في المصارف ولا العاصمة من انفجار المرفأ في عهد حكومة «الميثاقيّة».