بدل أن تلغي نظام الكفالة الذي يستعبد آلاف العمال، قرّرت وزارة العمل إصلاحه! لكنها، حارت ودارت في كيفية الإصلاح، فلم تجد أمامها سوى صياغة عقد عمل موحّد يتضمن حقوق طرفَي المعادلة وواجباتهما، بدل تعديل قانون العمل الذي يستثني في مادته السابعة «الخدم في منازل الأفراد» من تحصيل صفة الأجراء. هكذا، «نطّت» الوزارة فوق الخطوات اللازمة لإلغاء نظام الاستعباد، وتفرّغت لإعداد عقد عمل لا عمل له سوى ترسيخ هذا النظام!
«يعمل الفريق الثاني كعامل/ة في الخدمة المنزلية لدى الفريق الأول (…) ويؤدي المهامّ التالية: الأعمال المنزلية، رعاية الأطفال، رعاية المسنّين، رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، رعاية الحيوانات الأليفة!». حرفياً، هذا ما تنص عليه المادة الأولى من مسوّدة عقد العمل الموحّد للعاملات والعمال الأجانب في الخدمة المنزلية، الذي تعمل عليه وزارة العمل، بمشاركة فرق من منظمات العمل الدولية والعفو الدولية و«هيومن رايتس ووتش» و«كاريتاس» و«كفى».
المطلوب الاعتراف بهم/ن كبشرٍ أولاً وكعمال ثانياً وبعد ذلك، تصبح حقوقهم/ن تحصيل حاصل(مروان طحطح)
لا يمكن توصيف ما تقوم به الوزارة على أنه أمر خارق. فما فعلته في هذه المادة – وهي النموذج لما هو عليه العقد – أنها جمعت المهامّ التي تقوم بها العاملة في الخدمة المنزلية، وأضافت إليها مهامّ أخرى كانت تقوم بها مجبرة، وشرّعتها ضمن صيغة رسمية. هكذا، أدخلت الوزارة إلى مهامّ الرعاية والكنس والمسح وشراء الحاجيات… رعاية الكلاب والقطط أيضاً! إلى هنا، وصلت وزارة العمل في ورشة «الإصلاح» في قضية عمّال وعاملات يعدّون ما يقرب من 300 ألفٍ في البلاد.
تحت عنوان «إصلاح نظام الكفالة» – بدل إلغائه – ارتأت وزارة العمل أن تبدأ «إصلاحها» من الحلقة الأخيرة في السلسلة، متخطية مراحل أهم وأوْلى بالنقاش، منها المطلب الأساس بتعديل قانون العمل لمنحهم صفة العمّال. لم تأخذ الوزارة «السكّة» من البداية، بل عبرت مباشرة نحو آخر الخط، وأقامت طاولة مستديرة برعاية الجمعيات الدولية والمدنية لتنظيم العلاقة بين ربّ العمل – الكفيل والعامل. وفي نهاية المطاف، ستعلن الوزارة عن العقد الموحّد الجديد، باعتباره إنجازاً وخطوة «نحو تفكيك نظام الكفالة»، وهي العبارة التي لا تكفّ الوزيرة لميا يمّين عن دسّها في خطاباتها تعليقاً على موضوع العمالة في الخدمة المنزلية.
الأجدى إلغاء نظام الكفالة لأن لا شيء يمكن إصلاحه أو ترميمه في نظام يستعبد العاملة
في تفاصيل المسوّدة، يتمحور عقد العمل حول 17 بنداً تتضمن حقوق وواجبات كلّ من الطرفين: ربّ العمل والعامل. تحت هذين المبدأين، يحمل العقد في متنه عناوين كثيرة تبدأ بتحديد مهامّ الفريقين ومدة العقد والأجر مروراً ببيئة العمل والسلامة والصحة المهنية والرعاية الصحية والتأمين وصولاً إلى حق العامل/ة بالتنقل والتواصل مع الآخرين وبتحديد ساعات العمل والاستراحة اليومية والأسبوعية والإجازات والعطل العادية والمرضية، إضافة إلى الشقّ المتعلق بتجديد العقد وفسخه وتسوية النزاعات بين الطرفين. ويمكن هنا عرض بعض تلك البنود، ومنها مثلاً البند المتعلق ببيئة العمل (المادة 5)، إذ ينص على أن يقوم «الفريق الأول بتأمين بيئة عمل لائقة تتوافق مع متطلبات العاملة الثقافية والدينية، وتأمين مكان تراعى فيه خصوصيتها». وفي حق الوصول إلى الرعاية الصحية، ينص العقد على أن «يقوم الفريق الأول بتأمين الرعاية الصحية اللازمة والعناية بالأسنان عند الضرورة للفريق الثاني وبوليصة تأمين وفقاً لشروط وزارة العمل». وفي الحقوق الأخرى، ينص العقد على «احتفاظ الفريق الثاني (العاملة) بوثائق السفر، الهوية، إجازة العمل، الإقامة، التأمين، امتلاك هاتف محمول، ضمان الوصول المجاني إلى الاتصال بالإنترنت، تلقي الاتصالات الهاتفية من أفراد أسرته على هاتف المنزل، السماح له/ا بإجراء مكالمة مجانية واحدة على نفقة الفريق الأول، لا يجوز حجز الفريق الثاني داخل المنزل (المادة 9)، العمل لثماني ساعات في اليوم، دفع زيادة عن الساعات الإضافية تُقدر بـ50% عن الساعة العادية، ساعة للراحة بعد كل 5 ساعات عمل (المادة 10)، إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة 15 يوماً (المادة 11)، الحصول على إجازة مرضية مدفوعة الأجر لمدة 15 يوماً ونصف أجر لـ15 يوماً آخر (المادة 12).
هذه عينة عن المضمون الذي تكاد تتفوّق فيه الوزارة على نفسها. جمعت ما أمكن من حقوق ووضعتها داخل الإطار. نص محكم نال فيه العمال حقوقهم. لكنها، على أرض الواقع، ليست أكثر من «حقوق ورقية».
ما يمكن أن تعتبره الوزارة إنجازاً هو «دعسة ناقصة»، على ما يقول كاسترو عبدالله، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، لا بل و«ساقطة» أيضاً. ويورد عبدالله سببين أساسيين لذلك، أولهما، أنه «قبل العقد، يفترض أن تكون الأولوية لتعديل قانون العمل وخصوصاً المادة السابعة منه التي تستثني الخدم في بيوت الأفراد من اعتبارهم يمارسون مهنة كغيرهم من أصحاب المهن». والثاني هو في أن العقد نفسه «ساقط في ظل غياب الجهة الأساس، أي العمال أو ممثلين عنهم، عن الاجتماعات لإبداء رأيهم وملاحظاتهم، أضف إلى ذلك ضعف العقد لجهة الآليات التي ستعمل على ضمان حسن تطبيق المواد». لا يجد عبدالله ما يميز هذه الورقة عن «تلك التي يوقّعها الطرفان لدى الكاتب بالعدل، فهذه الأخيرة أيضاً تحمل في متنها الحقوق والواجبات ولكن من يطبّق؟».
جمع العقد المهامّ التي تقوم بها العاملة وأضاف إليها مهامّ أخرى كانت تقوم بها مجبرة!
لفرح سلقا، إحدى مؤسّسات حركة مناهضة العنصرية، رأي أكثر تشدّداً في ما يخصّ وضع العمال والعاملات في الخدمة المنزلية، إذ ليس المطلوب «طاولات مستديرة ولا عقد عمل يعيد صياغة نظام الكفالة بطريقة أخرى»، وإنما «إلغاء نظام الكفالة لأن لا شيء يمكن إصلاحه أو ترميمه في نظام يستعبد العاملة. وكل كلام آخر هو مسخرة وترسيخ لنظام الاستعباد». وهذا المسار يفترض بديهياً «دمج العمال في قانون العمل، ووضعهم في مصاف العاملين أو على الأقل في الكيلة نفسها مع العمال الآخرين».
إلغاء المادة السابعة من قانون العمل. هذه هي النقطة الأولى بالنسبة إلى كثيرين، ومنهم من يشارك في النقاش اليوم. ومن بين هؤلاء ممثلة جمعية «كفى عنف واستغلال» المحامية موهانا اسحاق التي تعتبر أن «تصحيح عقد العمل أو تعديله ليس حلاً، ويصبح مجرد ترقيع إذا لم يترافق مع خطوات أخرى تشكل ضماناً للسلسلة المتكاملة، وهي إضافة إلى تعديل قانون العمل وضع آليات واضحة لمراقبة وتنفيذ المواد التي ينص عليها العقد».
بالنسبة إلى اسحاق، لكي تكون مواد العقد فعّالة، يجب أن تترافق «مع آليات تطبيق ومراقبة تنفيذ البنود». وحتى في ما يخص المادة الجديدة التي تضمّنها العقد، والتي تُعد رائدة، لجهة فتح المجال أمام أحد الطرفين لفسخ العقد منفرداً «فإنها لا تقدّم ولا تؤخر إذا لم تُرفق بآلية فسخ سهلة وواضحة». ما دون ذلك، لا يمكن التعاطي مع الموضوع سوى «وكأنه مريض سرطان عم نغسلّو وجو بدال ما نعالجو»، تختم اسحاق.
العقد جيد. الكل يُجمع. لكن، ليس هو المطلوب. المطلوب أمر آخر يضمن للعاملات حقوقهن البسيطة، من إقامة لائقة وحرية تنقل وتواصل مع عائلاتهن وحفظ أوراقهن الثبوتية، ولو من دون أن تكون مدوّنة في نص. المطلوب هو الاعتراف بهن وبهم كبشرٍ في الدرجة الأولى، وكعمال في الدرجة الثانية، بعد ذلك، تصبح حقوقهم وحقوقهن «تحصيلَ حاصلٍ».