Site icon IMLebanon

وزارة العمل بقرة حلوب أو مغارة علي بابا؟

 

أساءت أحزابٌ إليها بشكل أو بآخر وأصرّت عليها

 

 

أهلا بكم في وزارة العمل. أهلا بكم في «بيت العمال» في لبنان. لن نسأل طبعاً عن أحوال عمال لبنان فالجميع يعرف «البئر وغطاه» لكننا سنسأل عن تلك الوزارة التي أنشئت في 26 كانون الأول العام 1943 باسم مصلحة الشؤون الإجتماعية وألحقت بوزارة الإقتصاد الوطني وأعطيت صلاحيات الإهتمام بأمور العمل والعمال. وفي العام 1951 أنشئت وزارة الشؤون الإجتماعية وأنيط بها كل القضايا التي تتعلق بالعمل والشؤون الإجتماعية. وشيئاً فشيئاً إستقلّت وأصبحت تعرف بوزارة العمل بعدما كانت تعرف بوزارة العمل والشؤون الإجتماعية. وأوّل وزير للعمل كان الرئيس سليم الحص في حكومة الرئيس رشيد كرامي في عهد الرئيس أمين الجميل. وابتدأت الحكاية.

في كل مرة يتوجه فيها اللبنانيون الى وزارتهم، وزارة العمل، يسمعون من يقول لهم: ذاهبون الى مغارة علي بابا؟ فهل هو مجرد صيت أم هي حقيقية واقعية ناصعة كما الشمس؟ عشرون وزيراً (بينهم وزيرة واحدة) مروا منذ إنشاء وزارة العمل في لبنان. الوزير الحالي هو مصطفى بيرم الذي جاء في العاشر من أيلول العام 2021. هو من «كوادر» حزب الله. يدين للحزب بولاء مطلق. لا يهم. هكذا اعتدنا أن تكون طبائع وأهواء وزرائنا غير أن السؤال الذي يلحّ دائماً: لماذا تتمسك بعض الأحزاب بوزارة العمل وتحرص على تكريسها من حصتها؟

 

نسترجع أسماء وزراء العمل السابقين فنجد أن أحزاب « القومي السوري الإجتماعي» و»البعث» و»حزبُ الله» كان لها حصة الأسد. عاصم قانصو كان في الزمن السوري على سبيل المثال وزيراً للعمل بعد أسعد حردان وعلي قانصو وعبدالله الأمين وأتى بعده طراد حماده ومحمد فنيش. بطرس حرب وسجعان القزي وشربل نحاس وكميل أبو سليمان أتوا بعدما تفلت لبنان من القبضة السورية. فماذا يقول عاصم قانصو عن تجربته (والأحوال) في وزارة العمل؟ يجيب «قلبتُ الطاولة. الوضع كان سيئاً جداً وأشبه بمغارة علي بابا». هل نفهم من ذلك أن «الصيت» الذي يلازم الوزارة صحيح؟ وهل من سبقوه، من نفس النهج والتبعية، كانوا سيئين؟ لا يرغب قانصو في الكلام على من سبقوه – ولحقوه- كي لا يخلق عداوات جديدة وينصرف الى الكلام عن «نجاحاته»: «تمكنت من إجراء إصلاحات أهمها أنني وضعت قانون الشيخوخة. أيام حكومة عمر كرامي».

 

مضت سبعة عشر عاماً منذ كان عاصم قانصو وزيراً للعمل (بين 26 نيسان 2004 و19 نيسان 2005) فاين ذاك القانون الراقد الراكد المنسيّ؟ يجيب «لو طُبّق لكان من أهم إنجازاتنا في وزارة العمل لكن هناك عقلية معينة تسود لا تريده» ويستطرد «كل الأحزاب التي أتت على الوزارة متمثلة بوزير من قِبلها أساءت بشكل أو بآخر واستفادت من مغارة علي بابا». كيف؟ يجيب: «هناك مداخيل غير منظورة في وزارة العمل».

 

بقرة أيضاً

 

نسأل وزيرا سابقاً. نسأل وزيرا آخر. نسأل ثالثاً ورابعاً… وزراء العمل لا يرغبون، بغالبيتهم، في الحديث عن عهود الوزارة كي لا «تطرطش» بعض الحروف زملاءهم. ثمة بروتوكول عند البعض بأن «لا يتعاطوا في شؤون من يستلمون رأس الوزارة بعد أن يغادروا». تكتيك. لكن، نصرّ على معرفة أكثر من دون تسميات. فلنبدأ. «وزارة العمل هي أشبه ببقرة حلوب يتزاحمون حولها». أكثر من وزير سابق التقى عند هذا الوصف. لكن، كيف تدرّ هذه الوزارة بالذات المنّ والعسل وراحة الحلقوم على الوزير ومن وراءه؟ يجيب مرجع سابق عليم «بالبئر وغطاه»: «تبدأ المخالفات من معاملات الفئة الأولى ثم تنتقل الى شركات الخدمات التي تطلب إجازات لعمال أجانب ووظائف محظورة محلياً. فهناك من يدفع لتمرير معاملاته من «زمان وجاي». وبحسب مناعة الوزير وأخلاقياته. والتجاوزات لا يقترفها عادة من هم في سدة الوزارة بل تنسحب الى رؤساء المصالح ومن يعملون في «مكتب الوزير».

 

خصوصية وزارة العمل، دون كل الوزارات الأخرى، أن الصفقات التي تحصل فيها ليست كبيرة (كما تلك في وزارة الطاقة مثلا) وغير محصورة، ومجموع واحد وواحد فيها ليس دائما إثنان، فالمعاملات التي تحصل فيها رهن الكوميسيونات التي قد تزيد وقد تنقص بحسب السماسرة، بدءاً من الحاجب عند المدخل، إنتقالاً الى المدير، وصولاً الى من هو أعلى من المدير. لذلك حصر المخالفات في وزارة العمل بدا دائماً صعباً.

 

هناك وزراء قالوا إنهم جربوا تقليص نسبة المخالفات لكنهم بالكاد نجحوا بذلك بنسبة 40 الى 50 في المئة. نعود لنسأل عاصم قانصو عن تجربته؟ فهل له أن يحدد بدقة نوع المخالفات في وزارة العمل؟ يجيب بدوره بما أجاب آخرون «مش حلوة الوزراء يحكوا ضدّ بعضهم». نلحّ عليه بتحديد ما يراه مخالفات متمادية؟ يجيب «إجازات عمل الأجانب واحدة منها. ويوم أتيتُ وزيراً كانوا يعطون كل مكتب ثلاث إجازات في الأسبوع . وأنا رفعتها الى خمس إجازات. وكان عدد المكاتب خمسين. ولم أعطِ ترخيصاً لأي مكتب جديد. ويستطرد: هناك شركات مثل سوكلين كانت تعمل على جلب عمال ذكور أكثر من العدد المحدد لها، في حين أن القانون يلزمها بالتعاون مع نسبة من اللبنانيين. لذا كانت الشركة «تبرطل» مقابل موافقات مسبقة. وسوكلين مثل من أمثلة. كان هناك موظفون يقبضون وشركات تدفع. وهكذا كانت تمشي الأمور، كما كانت وزارة العمل تضطر الى إعطاء موافقات لعمال أجانب لأن اللبناني كان «مهفهف». هناك عقلية تكونت لدى اللبناني تتغيّر اليوم».

 

يوم كان عاصم قانصو وزيراً للعمل كان هناك 50 مكتب استخدام. ويوم استلم سجعان القزي الوزارة بين 15 شباط 2014 و18 كانون الأول 2016 كان عدد مكاتب إستقدام الخدم 637. لكن، لماذا نشعر وكأن عمل وزارة العمل يقتصر على «العمال الأجانب»؟ لماذا لا يشعر العامل اللبناني أن له وزارة يلجأ إليها حين يضطر؟

 

طاقات ورشاوى

لا يخفي أحد وجود طاقات في الوزارة «وهذا ما قد يفاجئ البعض» لكن، نريد أن نعرف أكثر عن وزارة يفترض أنها «ساعد» العامل ورئته في الضمان الإجتماعي ولدى أرباب العمل؟ المسيحيون في الوزارة يشكلون نسبة تقل عن 22 في المئة. ووزارة العمل لا يمكن أن تصحح العلل التي فيها إلا من خلال ضبط المخالفات وهي تحتاج لذلك الى أمرين: جهاز تفتيش قوي لكن غير موجود. وجهاز أمني قادر على قمع المخالفات. في كل حال، تكلم ذات يوم رئيس تفتيش مركزي سابق فقال: هناك شبهة بأن 90 في المئة من موظفي التفتيش يتقاضون رشوة. فما رأيكم؟ الأمر الآخر اللافت هو أن لا أحد من المعنيين إهتم فعليا بضبط الرشاوى إعتقادا من هؤلاء أنها ليست أساسية لتكافح «فلا صفقات كبيرة ولا عقود ضخمة فيها بل مجرد خدم وبالتالي لا «يحرز» إستنفار أحد من أجل لجم الرشاوى فيها. أمرٌ آخر يتحدث عنه من تابعوا الملف: وزارة العمل ليست الطاقة ولا الميكانيك ولا مطار بيروت وبالتالي من يرتشي في الأولى تبقى أرباحه محدودة أما من يفعل ذلك في البقية فيقد يُصبح صاحب طائرات خاصة».

 

أمرٌ آخر أيضا منع منذ زمن ضبط الرشاوى والمخالفات في الوزارة وهو «أنه مستحيل مكافحة الفساد إذا لم يتمّ تحسين وضع الموظفين المعيشي. ووضع هؤلاء كان غالباً معدوماً في وزارات لبنان» لكن، السؤال هنا: هل المعدوم هو من يقبض أم هو المسؤول؟ يبدو أن الأمور أخذت مجرى فحواه: نحمي «المعتر» الذي يرتشي بقروش وعبره نحمي «الكبير» الذي يسرق ولا يشبع.

 

حين نتكلم عن وزارة العمل تلفتنا إنجازات. إفتتاح دائرة للوزارة في جونيه ثم في عكار على أيام سجعان القزي كان إنجازاً. هل علينا أن نبحث عن الإنجازات أم أن نضيء على «القبائح»؟ عاصم قانصو يحكي ويسرد عن إنجازاته وبينها أنه أعطى ترخيصاً لإنشاء نقابة عمال كازينو لبنان «وهو ما أشاد به البطريرك مارنصرالله صفير» على ما قال. لكن، مقابل نقابة عمال الكازينو كم وكم نقابة رُخص لها تتبع حركات وتيارات في المقلب الآخر؟ يجيب «أنا كنت من المطالبين بإنشاء نقابة ولو لثلاثة عمال. ولم أكن طائفيا أبداً. منحت التراخيص لكل من طلبها».

 

لن ندخل مع معاليه في جدال بات محسوماً لدى الجميع وأضاع بوصلة الحركة النقابية. مع التأكيد أنه ليس وحده المسؤول عن ولادة النقابات والإتحادات كما الفطر.

 

ننهي؟ ملف وزارة العمل لا ينتهي عند هذا الحدّ وللبحث صلة.