IMLebanon

“المي راجعة” وأنفاق بيروت معرّضة للطوفان

 

مع تعثّر الصيانة وتضاؤل الإمكانات خطر على الطرقات

 

 

تشرين لبنان وصل وبات المطر على الأبواب، وفي حين هو موسم الخير في أصقاع الأرض فإن خيراته تفيض على طرقات لبنان و”تكثر” . لوحة من لوحات الفولكلور اللبناني تتكرر كل عام: طرقات تتحول مستنقعات يغرق المواطنون فيها لساعات، أنفاق صُرفت ملايين الدولارات لإنشائها تصبح مجاريَ مائية تحتجز العالقين فيها وأنهاراً تخرج عن مسارها وتفيض بما تزخر به من ردميات ونفايات. هذه السنة مع تعثر أعمال الصيانة وتأخر القرارات وغياب التمويل طرقات لبنان مهددة بالطوفان.

وزارة الأشغال تشكو من عدم فتح الاعتمادات لإنجاز صيانة الطرقات، والبلديات تئن من فراغ صناديقها بعد تأخر الإفراج عن أموالها، والمتعهدون “حردانون” يطالبون بمستحقات سابقة ولا يتلقونها، والنتيجة صيانة متعثرة تسعى كل جهة لإنجازها بما تيسر. المازوت نار وآليات الصيانة ورفع الردم لا تعمل من دونه، وعمال البلديات ليسوا مستعدين لبذل الجهود المضنية مع رواتب لا تكاد تكفي الأسبوع الأول من الشهر. كلها عوامل مستجدة تضع صيانة الطرقات والمجاري مع بداية موسم الأمطار في مهبّ الريح وإليها تضاف العوامل التقليدية التي يشكو منها لبنان منذ عقود وهي توقف محطات تكرير مياه الصرف الصحي في بعض المناطق عن العمل وترهل البنى التحتية والفوضى العمرانية وتقاذف المسؤوليات بين مختلف الأطراف. كوكتيل “آسن” يهدد بإغراق البلد بالمياه الآسنة.

كرة الصيانة بين البلديات والأشغال

بين البلديات ووزارة الأشغال العامة والنقل تتوزع المسؤوليات وتتشتت فالأوتوسترادات الساحلية التي باتت في السنوات الأخيرة كابوساً يتربص باللبنانيين مع كل شتوة، هي قانوناً تحت إدارة وزارة الأشغال ولا دخل للبلديات أو اتحادات البلديات فيها ولا يحق لهذه الأخيرة أن تنفق اي قرش من أموالها لتحسين وضعها او إصلاح بعض شوائبها. لكن بحكم طبيعة لبنان المنحدرة في معظم مناطقه فإن كل أتربة ووحول وردميات المدن والقرى المجاورة للأوتوستراد الساحلي شمالاً وجنوباً تصب عليه وفي مجاريه لتجعل الطوفان موعداً سنوياً يصعب تجنبه. دور البلديات أساسي إذاً في تجنب غرق الطرقات وإن لم تكن مسؤولة عنه بالمباشر. هذا باختصار ما يشرحه لنا أحد المهندسين السابقين في اتحاد بلديات المتن. ويقول لا يكفي أن تعمل البلديات على تنظيف الأقنية من النفايات المتراكمة فيها ضمن نطاقها بل عليها أن تعمل على إزالة الأتربة والحجارة المتراكمة على جوانب الطرقات والورش والساحات لأن مياه الأمطار الغزيرة تجرفها الى الأقنية التي تحملها بدورها نزولاً حتى الطريق الساحلي ما يساهم في إغلاق القنوات التي لا تعود قادرة على تصريف المياه ما يتسبب بفيضانها وتشكّل البرك الموحلة على الطرقات.

 

وإلى هذه المشكلة تضاف واحدة أصعب وأدهى هي مشكلة الصرف الصحي الذي بحسب المهندس لم تعد شبكته تستوعب ما يصب فيها بعد أن ازداد البنيان بشكل كبير وازدادت التعديات والعشوائية في ربط بعض المباني بشبكة الصرف الصحي وهو ما يؤدي الى طوفان هذه الشبكة من وقت الى آخر في بعض المناطق ولا سيما حين تمتزج مع مياه الأمطار وتصل إليها نفايات كالدواليب والحجارة تعيق مجراها فتتداخل الأمور ببعضها على الطريقة اللبنانية ويدفع المواطن المار على الأوتوستراد الثمن حين يعلق بخليط عطر من مياه المطر والمجارير. البنى التحتية على الأوتوسترادات تحتاج كلها الى إعادة تأهيل لتستوعب زيادة العمران وهذا ما يحتاج الى تمويل تفتقده كل الأطراف، اما تنظيف الأقنية من قبل البلديات فهو حتماً غير كافٍ ولا يحل مشكلة غرق الطرقات من وقت الى آخر لا سيما في بعض النقاط التي باتت معروفة مثل ضبية وانطلياس.

 

تضافر جهود مكلف

 

مدير عام الطرق والمباني في وزارة الأشغال المهندس طانوس بولس يؤكد لـ”نداء الوطن” هذه المعطيات، مضيفاً أن وزير الأشغال علي حمية قام بعد تسلمه الوزارة بجولة لمعرفة حال الطرقات ووضع الخطط المطلوبة ووزارة الأشغال تقوم بما عليها من تنظيف الأقنية على الطرقات الرئيسية لكن ثمة عمل لا بد للبلديات من القيام به وقد صدر تعميم من وزير الداخلية يطلب من البلديات تنظيف الأقنية وإزالة الأتربة والردميات. ويضيف بولس ان المشكلة ليست في وزارة الأشغال بل عند البلديات والوزارة لا تملك سلطة عليها بل ان مراقبة عملها تتم عبر المحافظ والقائمقام إضافة الى وزارة الداخلية. وهنا ندخل في صلب المشكلة حيث أن أموال البلديات لا تكفي لإجراء كافة أعمال التنظيف المطلوبة منها ولا سيما إزالة الردميات التي تحتاج الى شاحنات وبنزين ومازوت. ويؤكد أن حل مشكلة طوفان الطرقات يتطلب تضافر جهود بين الوزارة والبلديات وإن كان مكلفاً.

 

لكن تنظيف أقنية المياه وحده لا يحل المشكلة فالصرف الصحي هو الكارثة الحقيقية ووزارة الأشغال لا علاقة لها به لأنه تابع لوزارة الطاقة ومن ضمن نطاق العمل البلدي. غالبية مجاري المياه مسلط عليها الصرف الصحي بطريقة عشوائية لأن الشبكة العمرانية قد توسعت كثيراً ولم تتوسع معها مجاري الصرف الصحي، ومن واجب البلديات التركيز على هذا الموضوع عند منح رخص البناء وإجبار أصحاب المشاريع على ربط مجاريهم بشبكة الصرف الصحي بشكل صحيح ومراقبة ذلك عن كثب. نحن كمديرية طرق ومبان، يقول بولس، نعمل على حل ما يواجهنا من مشاكل حتى ولو لم تكن تابعة لنا مباشرة ونقوم بعمل مشترك مع البلديات لتلافي المشاكل، ولكن لا بد من التأكيد أنه مع تساقط سيول قوية لا بد ان يحدث طوفان في بعض النقاط وهو أمر يحدث في كل البلدان وليس مقتصراً على لبنان.

 

نسأل المدير العام عن التعديات الحاصلة على شبكة الصرف الصحي ونذكره بما حصل قبل ثلاثة أعوام في منطقة الرملة البيضاء قرب فندق الأيدن روك، ونذكّره كذلك بطوفان أنفاق المطار فيجيب بأن مشكلة الأيدن روك كانت مشكلة فردية مفتعلة تولى القضاء التحقيق فيها وتوصل الى مسببيها ولم يكن لوزارة الأشغال ولا للبنى التحتية أية علاقة بها. اما أنفاق المطار فقد طافت في العام 2012 وعولجت مشكلتها ثم طاف النفق البحري منذ أربع سنوات وكان السبب في ذلك مكب الكوستا برافا الذي تسبب في إقفال المجارير ثم تم إيجاد مخرج لتصريف المياه وحل المشكلة من قبل المكبّ.

 

ويؤكد بولس أنه حين تتغير طبيعة الأرض يجب ان تتغير معها الإنشاءات، وطبيعة الأرض لا تتغير إلا بفعل إنساني وهذا مثلاً ما يحدث في نهر الغدير الذي كان عرضه 16 متراً وصار اليوم مترين ونصف بسبب البناء على جانبيه وكل عام تعمل وزارة الأشغال على إزالة أطنان من النفايات التي تصب فيه لكن ذلك لا يمنع طوفانه من وقت الى آخر.

 

صيانة متأخرة بلا أموال

 

الناس إذاً يساهمون من جهتهم في تفاقم مشاكلهم ويتباكون حين تحدث، ولكن أليس من واجب الجهات المختصة التنبه الى هذه المشاكل واستباقها لمنع تفاقمها؟

 

نطرح السؤال على المهندس رياض الأسعد وهو من المتعهدين الذين يعملون مع بلدية بيروت لصيانة الطرقات والمجاري فيجيب بأن أعمال الصيانة ضمن نطاق بلدية بيروت قد تأخرت جداً حيث أنها لم تبدأ إلا منذ أسبوعين فيما العمل الجدي لتنظيف الأقنية والمجاري يحتاج الى حوالى ستين يوماً، ويجب ان يبدأ في شهر تموز ويستمر حتى تشرين الأول، وهذا التأخير لا بد سينعكس سلباً على حالة الطرقات. البلدية عادة تقوم بتنظيف مداخل القساطل والأقنية فيما يقوم المتعهد بتنظيف أنفاق المجاري بما يملكه من معدات لا تملكها البلدية. ولكن هذا العام يقول الأسعد “اجتمعنا مع المحافظ وفهمنا ان ثمة نقصاً في التمويل وبالتالي فإن المتعهدين غير مستعدين للعمل بلا تمويل كافٍ خصوصاً أن الكثيرين منهم لا تزال لهم مستحقات في ذمة الوزارات المختلفة لم يقبضوها بعد. تمويل هذه الأشغال يجب ان يتم بناء على قرار يتخذه مجلس الوزراء وديوان المحاسبة وقد طلب وزير الأشغال من وزير المال إعطاء سلفة لأعمال الصيانة وحتى الأن لم يتخذ القرار بعد وكلنا يعرف أن الدولة مفلسة وغير قادرة على الصرف على اشغال الطرقات وخير دليل على ذلك حائط شكا الذي يقفل انهياره الأوتوستراد الدولي منذ سنوات ولا قدرة على ترميمه، وفي الجنوب ثمة حادث مماثل لم يعالج بعد. والمتعهدون غير متحمسين للعمل خاصة أن الدفع بالليرة اللبنانية وكلنا نعرف مشكلة المازوت اليوم وأسعاره بالدولار الأميركي”.

 

“لقد كشفنا على مجار كثيرة ووجدنا حالتها بالويل” يقول الأسعد، “خاصة ان الزحمة التي حدثت أمام محطات البنزين جعلت أكواماً غير مسبوقة من النفايات تتكدس في داخلها إضافة الى ان عمليات الكنس يصب معظمها في الريغارات. ومن جهة أخرى ومع غياب الكهرباء وغلاء المازوت وندرته ثمة أنفاق في بيروت معرضة للطوفان وذلك لأن مستواها المنخفض يفرض استخدام مضخات قوية لشفط المياه من داخلها وقد سبق لهذه الأنفاق ان عامت بالمياه سابقاً مثل نفق البربير وفؤاد الأول واليوم هي معرّضة من جديد لأن تعوم مع انقطاع الكهرباء وتوقف المضخات”.

 

نسأل المهندس الأسعد عن حادثة طوفان المجرور التي شهدتها منطقة الغبيري وإذا ما كان من المحتمل ان تتكرر في أماكن أخرى فيجيب بأن المجاري في تلك المنطقة قد تم توجيهها ناحية البحر فحلت المشكلة بعد أن كانوا سابقاً قد صبوا الباطون على الريغار وتسببوا في إقفال المجرى وحدث ما حدث لكن من واجب وزارة الداخلية مراقبة كل أنظمة الصرف الصحي لتتأكد من عدم تكرار المشكلة في مكان آخر.

 

لبنان الطائف والطائفية وأطياف الفساد الخفية والباحث عن طوف نجاة لا ينقصه طوفان جديد يمعن في إغراقه .