أخيراً، وبعد تعطيل قسري قارب الشهريْن «اجتمعت الحكومة»، ما هو طبيعي وعاديْ وبديهيْ في دول العالم، يظهر في لبنان وكأنّه «معجزة»، شهران والبلد مطرحك يا واقف، وهذه المراوحة «كل ما دقّ الكوز بالجرّة» باتت قاتلة، فلم نعد نعرف ما إذا كان عيب الشعب اللبناني هو طول أم قصَرُ النّفس، الهرب من الواقع السياسي وما نعيشه اليوم من حال المراوحة ليس بسيناريو جديد على لبنان!
حالة من الضجر والسأم العام غلب على مزاج اللبنانيين من المشهد اليومي المملّ في البلد، إلى عجز الحكومة إلى تكرار نفس سيناريوهات الوعود المخادعة مع كل تعيينات، إلى كلّ ما يقف مترنّحاً في لبنان في انتظار المجهول، صحيح أن اللبناني يمارس عندما يقرف من الواقع السياسي تقنية الصمت لكن على الراغبين في تيئيسنا أن لا يظنّوا أنّنا حققنا لهم ما يريدون!!
لا يستحق اللبنانيّون هذا التيئيس اليوم وعلى مدار الساعة، لا إيران ولا ألف حزب لها يستطيع أن ينتصر في لبنان ولا على لبنان، ولا في المنطقة أيضاً وهذه الفورة الشيعيّة الفارسيّة اعتاد عليها التاريخ العربيّ الذي هبّت عليها الرياح العاتية دائما من خراسان وانتهت كلّها بنكبات على أهلها، لو سمحتم إقرؤوا تاريخ لبنان وقديم التاريخ العربي المجيد على مساوئه وبلادته وقبليته وجاهليته وغبائه أيضاً!!
صحيح أنّ كلّ ما يحدث في الكون الكبير يبعث على اليأس لأننا نعيش في عالم بلا أخلاق، وتؤكد لنا السياسة كل يوم أنّها بلا أخلاق، وقد نكون نعيش ذروة الأزمة في وصول السياسة العالمية إلى الحضيض وتجرّدها من الإنسانية ومن المنظومات الأخلاقية أو الضمير الذي لم يتبقَّ منه ذرّة، هذا على مستوى العالم، أما في لبنان فالسياسة وممارستها غارقة في أزمة أخلاقيّة كبرى بل إشكاليّة كبرى نصطدم بها يوميّاً بين الأخلاق والسياسة، حتى بات من المؤكّد أن السياسة في لبنان بلا أخلاق، وبحسب تعريف حكيم الصين كونفوشيوس أنّ «السياسة بلا أخلاق إجرام»، ومن المفارقات أن يعتبر علماء السياسة أنّ «السياسة الحكيمة هى القدرة على إطفاء الحرائق»، فيما في لبنان يظنّون جهلاً أن «السياسة هي القدرة على «إشعال الحرائق”!!
في تعريف المجتمع الطبيعي يقول الفيلسوف الإيرلندي أدموند بيرك بأنه: «مجتمع أساسه الرغبات والغرائز الفطرية لا أي نظام وضعي… فتطور القوانين كان انحطاطاً… والمجتمع السياسي متهم بحق بأكبر قسط من هذا الدمار… وكل الحكومات تتبع المبادئ المكيافيلية، وترفض كل الضوابط الأخلاقية، وتعطي المواطنين مثالاً مفسداً للجشع والخديعة واللصوصية والقتل. والديموقراطية في أثينا وروما لم تأتِ بعلاج لشرور الحكم، لأنها سرعان ما انقلبت دكتاتورية بفضل قدرة زعماء الدهماء على الظفر بإعجاب الأغلبيات الساذجة».
حالة القرف التي تفرض ظلّها على اللبنانيين هذه ـ وإن كنا من الذين سئموا وضجروا وقرفوا ـ لا يجب أن تعني أبداً أنّ اللبنانيين استسلموا لهذا الواقع الذي يُراد لهم أن يستسلموا له، كلّ هذا التيئيس إلى أين تريدون أن يقودنا؟! هل هناك ما هو جديد نشهده أم أننا سبق وعاينّا كل هذه المآسي وخرجنا منها، لكن في كلّ مرة تبقى مشكلة البلد الحقيقيّة التي تعيدنا إلى الوراء هي في «قدرة زعماء الدّهماء على الظّفر بإعجاب الأغلبيات الساذجة»، وما أكثر زعماء الدّهماء، وما أغبى الأغلبيات الساذجة!!