القدر الاقليمي والدولي يبدو، في الشكل، أرحم بلبنان وأهله والنازحين اليه من الخيار اللبناني. غير ان القدر والخيار متداخلان، في العمق، ويسمحان لنا في بعض المحطات بالتركيز على صورة لامعة في مشهد قاتم. فلا شيء يعزي لبنان المضروب بموت السياسة وكثرة السياسيين سوى الحفاظ على الحد الأدنى من الأمن في منطقة متفجرة. ولا مهرب في تهنئة البلد والناس والجيش في العيد السبعين من ترداد المثل الاغريقي القائل: ليس هناك سوء حظ من دون بعض الحظ.
أما سوء الحظ الذي يلازمنا منذ حرب لبنان والظروف التي قادت اليها، فانه اليوم في أسوأ درجاته عبر تركيبة سياسية قادرة على اختراع الأزمات، وعاجزة عن حل حتى مشكلة زبالة، ومصممة على ادارة السلم بمنطق الحرب. وأما بعض الحظ، فانه وجود جيش قوي موحد مدافع عن أمن الوطن وأمن المواطن، وليس على صورة التركيبة السياسية وحساباتها.
ذلك ان مجرد تصور الوضع الخطير في لبنان من دون الدور الذي يمارسه الجيش يكفي لرؤية الانهيار الكامل. ومن المعجزات أن يمارس الجيش هذا الدور على أرض تموج بالصراعات الحادة تحت مظلة سياسية تمزقها العواصف. فالمؤسسات معطلة بالخيار لا بالاضطرار. والذين يعطلونها هم على نوعين: واحد من قصيري النظر المتمسكين الى النهاية بالمصالح الضيّقة والصراع على المال والسلطة. وآخر من بعيدي النظر الذين يعملون بأسلوب منهجي لتحقيق أجندة تتجاوز لبنان وما قيل عن بناء مشروع الدولة الى اقامة كيان كامل الأوصاف كجزء من مشروع في صراع المحاور الاقليمية. والخطير ليس فقط اننا بلا دولة بل أيضاً اننا بلا سلطة.
واللعبة مكشوفة حتى في موضوع الزبالة التي تغطي لبنان. وليس العقم في مجلس الوزراء مجرد عجز عن الاتفاق على تسوية ثم تنفيذها. بمقدار ما هو تعبير عن كون التركيبة السياسية جزءاً من الأزمة. فالجيش الذي يستحق أكثر من التهاني في عيده يفتقد القائد الأعلى في القصر الجمهوري الذي يعطّل غيابه احتفال تقليد السيوف للضباط الجدد وتوقيع الترقيات للضباط العاملين. والبلد يكتشف كل يوم ان من المستحيل تسيير أموره المهمة وحتى العادية في غياب رئيس الجمهورية.
لكن الاصرار على تعطيل جلسات الانتخاب يدفع البعض الى التخوف من أن نكون ذاهبين بعيون مفتوحة الى إلغاء الرئاسة. وما يرافق مشهد النفايات في بيروت من صراع على المال وقطع طرق في المناطق رفضاً لنقل النفايات اليها يعبّر رمزياً عن توجه نحو إلغاء الحاجة الى العاصمة.