الصواريخ إيرانية والأداة حوثيّة.. كأنّ طهران استمرأت، على عادتها، بعد انتهاء الحرب مع العراق أيام صدّام حسين، القتال بغيرها وتجنّب الصدامات المباشرة المُكلفة والخطيرة وغير المحسوبة النتائج سلفاً! وهي في ذلك يمكنها الإدّعاء في حالتَيْ الفشل والنجاح: إذا خَسِرَ أتباعها لا تتحمل كل الوزر والمسؤولية، وإن تحمّلت أكلافه المادية. وإذا ربحوا خرجت على العالم «بتأكيد» وصول نفوذها إلى حيث لم يصل أحد!
الاعتداء الصاروخي الجديد على السعودية شطط يؤكد المؤكد لجهة التلطي خلف ميليشيات مذهبية لتوصيل رسائل متفجرة.. وطهران في هذه الأيام تلمّع صادراتها تلك وربما ستلمّعها أكثر في ضوء حسابات لا تسرّ خاطرها، وتوقّعات خابت على المستويين الداخلي والخارجي.
على المستوى الأول، راكم أهل النظام أنفسهم، في الآونة الأخيرة، مواقف غير مسبوقة تؤشّر وتدلّ بالعشرة على أزمة النظام، والمخاطر الوجودية التي تهدّده بعد أربعة عقود على بنائه، وعلى المستوى الثاني كان قُصْر النظر طريقاً حتمياً للاصطدام بالحائط.
التحرك السعودي الخارجي الذي يقوده ولي العهد، الأمير الشاب محمد بن سلمان، أوروبياً وأميركياً، يعني بالنسبة إلى طهران، فشل رهانها الفعلي (بغضّ النظر عن المواقف المرشدية) على نجاح سياستها المزدوجة القائلة «بالإنفتاح الإيجابي» على البعيد، والدخول في شراكة مدّعاة معه وخصوصاً في توليفة الحرب على الإرهاب، في مقابل «الانفتاح السلبي» على الجوار العربي والإسلامي الأكثري من خلال إنهاكه وإرباكه في أرضه ودفعه نحو الإقرار بمحورية الدور الإيراني وأولويته وريادته، وصولاً إلى القول علناً بأن مفتاح تثبيت الاستقرار في الخليج العربي وغيره، موجود في أيدي أصحاب السلطة في طهران وليس في غيرها!
نجحت إيران في التكتكة وخسرت في الاستراتيجيا، على عادتها. تماماً مثلما أنّها تربح معارك كثيرة لكنها تخسر الحرب في النهاية: استفادت من مرحلة باراك أوباما وتراكمات 11 أيلول 2001، وخدمات «القاعدة» وخلفها «داعش» لتطرح نفسها بديلاً ناجحاً عن غيرها «الفاشل»! ولتسوّق «إسلامها» باعتباره تنويرياً وحداثياً ومنفتحاً، على عكس «إسلام» غيرها الظلامي والرجعي والمنغلق! لكنها في الطريق إلى ذلك لم تنتبه إلى أن اليقينيات في السياسة غيرها في الدين! وأن افتراض ديمومة العابر هو تسطيح لا يليق بالرساليين والخلاصيين وأنصاف الآلهة! وأن الزمن دوّار والخطب جلَل!
راح أوباما إلى بيته وأخذ معه نظرياته المجتزأة وخبثه الموصوف وسياساته المدمّرة. وجاء بعده رونالد ترامب حاملاً معه أجندة أساسها شطف مخلّفات سلفه! وإعادة الاعتبار للوقائع والحقائق، وفي أولها أنّ الإرهاب المتأسلم مارسته جماعات مأزومة عابرة للحدود والدول والسيادات الوطنية، وهذه سعودية وخليجية ومصرية وتونسية وسورية وعراقية ولبنانية وجزائرية.. إلخ. لكن الإرهاب الموازي مارسته إيران «الدولة» رسمياً، في رأي الغربيين والشرقيين وعموم المسلمين! واعتمدته أداة أساسية في مدوّنة سلوكها «الثوري» وسعيها المحموم إلى أدوار أكبر من حجمها ووزنها وقدراتها ومؤهّلاتها.. وفي هذه الحِسبة لا تستقيم القياسات الغلط، ولا يطول زمن الإبهام، ولا تنفع الادّعاءات بعد انتهاء مفعولها: السعودية في التاريخ والجغرافيا والعلاقات الدولية، دولة تحترم الأصول من أولها إلى آخرها. لا تتدخل في شؤون الآخرين إلاّ بالتي هي أحسن. ولا تتطلّع إلى مكاسب وأدوار على حساب خراب جيرانها.. ولم تعتدِ على غيرها مرّة واحدة، وكانت ولا تزال وستبقى عماد الاستقرار في محيطها والعالم. و«محوريّتها» في ذلك، دينياً ومالياً واقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً، ليست مدّعاة ولا مبنيّة على أوهام متضخّمة!
.. وفي هذه القياسات مجتمعة، تأخذ القيادة الإيرانية علامة الصفر بامتياز! ولا يحتاج تأكيد ذلك إلى «جهد» خارجي إضافي، بل إلى شهادات كبار في إيران نفسها!
.. عشية زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، وجّه الناطق باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي «صاروخاً» إعلامياً تحريضياً من نوع «تذكير» الأميركيين بأنّ معظم منفّذي هجمات 11 أيلول هم سعوديون، لكن الصاروخ طاش في فضاء الزيارة الناجحة.. تماماً مثلما طاشت الصواريخ «الحوثية» الجديدة على الرياض بالأمس في فضاء فشل الإنقلاب الإيراني في اليمن، ونجاح المملكة في الدفاع عن نفسها بنفسها.. وليس بالواسطة!
علي نون