لا جديد في مهمّة الموفد الرئاسي الفرنسي، و «لولا دخول حرب غزة العدوانية على الخط لكان يصح فيها أنها مجرد نسخة طبق الأصل عن فصول زياراته السابقة إلى لبنان، لاسيما الزيارة الأخيرة» على حد ما قاله لنا أحد الذين التقاهم الرجل.
فقد حرِص الجانب الفرنسي، كما بات معروفاً، على التشديد على إنجاز الاستحقاقات الضاغطة بقوة على الوضع اللبناني، تحديداً ما يتعلّق بملء الشغور الرئاسي وعدم الوصول إلى الفراغ في قيادة الجيش، مع تحذيره الشديد من مخاطر «تدحرج» لبنان نحو هاوية التصعيد في الانخراط بحرب واسعة مع إسرائيل.
وعلى ذمة أحد الذين التقاهم موفد الرئيس إيمانويل ماكرون، فإنه فاتحه بالحديث عن مسؤولية الموارنة في استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية، مذكّرأ بأن الرئيس نبيه بري أثار هذه المسؤولية وتحدّث عنها مراراً وتكراراً عبر وسائل الإعلام على الأقل، من دون أن يذكر أن الرئيس بري لفته إليها. وكان رد الشخصية التي طرح معها موفد قصر الإليزيه مسؤولية الموارنة أن جوابها كان: مع احترامنا وتقديرنا لرئيس مجلس النواب، فإن هذا الكلام يُجافي الواقع، والدليل أن القيادات والأحزاب المارونية وعلى رأسها المرجعية المارونية غير الزمنية الأولى (طبعاً إشارة إلى غبطة البطريرك الكاردينال بشارة الراعي)، قد توافقت جميعها على «التقاطع» على انتخاب مرشح بعينه للرئاسة. وأضافت: كيف يكون الموارنة مختلفين في هذه النقطة بالذات ليُحمّلهم الرئيس بري مسؤولية الفراغ الرئاسي وهم التقوا، أياً كانت أسباب ودواعي التقائهم، على المرشح المُشار إليه، وهم يُمثلون الأكثرية الساحقة من الطائفة كالتيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية، وحزب الكتائب اللبنانية، والوطنيين الأحرار… ومع ذلك رفض الرئيس بري وحليفه في الثنائي الشيعي هذا التوافق. وختمت تلك الشخصية قائلةً في هذه النقطة: نحن لا نسمح لأنفسنا أن نُناقش في حق الإخوة الشيعة وسواهم في خياراتهم، ولكن لا نقبل أن تُوجّه التهمة إلى الموارنة وتحميلهم مسؤولية عدم توافقهم، وهم الذين تقاطعوا في لحظةٍ نادرة على هذا الأمر. ومع ذلك، فإنني أؤكد لك (والحديث موجّه دائماً إلى لودريان) أن الموارنة ما زالوا عند هذا التوافق ويُمكنك أن تنقل هذا الموقف إلى الرئيس ماكرون.
إلى ذلك، يبدو أن المبادرة الفرنسية التي انتقلت من الموافقة على المرشح الرئاسي الذي يدعمه الثنائي الشيعي إلى ما أسماه لودريان «الطريق الثالث» قد بلغت قدراً كبيراً من التعثّر، حتى في نسختها الجديدة، وأصبح الدور القطري المدعوم من «الخماسية» أكثر حظوظاً في الوصول إلى النجاح، مع عدم التغاضي عمّا ستُسفر عنه تطوّرات العدوان على غزة. وعندئذٍ يُصبح لكل حادثٍ حديث.