Site icon IMLebanon

وفد صندوق النقد الى بيــروت تحت البند الرابع

 

 

لا جديد يُذكر في موضوع صندوق النقد الدولي، باستثناء الزيارة التي يقوم بها وفد من الصندوق الى بيروت في آذار المقبل. فهل يمكن التعويل على هذه الزيارة لتحريك المياه الراكدة في الملف اللبناني؟

ما هو واضح، انّ زيارة وفد صندوق النقد في آذار تتم تحت البند الرابع، وبالتالي، لا تتصل مباشرة بتحريك الاتفاق الاولي الذي وقّع مع الحكومة اللبنانية على مستوى الخبراء في نيسان 2022. ومن المعروف انّ مراجعة وضع اقتصاديات البلدان، وفق مندرجات البند الرابع، هو تقليد يتّبعه الصندوق مع الدول الاعضاء. ويهدف الى جَمع المعلومات عن اقتصاد الدولة، وماليتها العامة، ويُصار بالتالي الى تكوين ملف عن نقاط الضعف والقوة على مستوى الاقتصاد الكلي (macroeconomy). ويتمّ تسليم التقرير النهائي حول الوضع الاقتصادي والمالي الى حكومة الدولة المعنية.

 

 

يعتمد وفد الصندوق في جمع المعلومات على اللقاءات التي يعقدها مع الجهات الرسمية والخاصة في الدولة المعنية. وبالتالي، يمكن الاستنتاج، أنه من حيث المبدأ، لا ترتبط زيارة الوفد المقبلة بمراجعة الاتفاق الأوّلي المعقود مع السلطات اللبنانية، والذي ينتظر إقرار الخطوات المطلوبة للانتقال الى عقد اتفاق نهائي لتمويل خطة الانقاذ التي يتمّ التوافق عليها.

 

لكن هذا الوضع لا يعني انّ الوفد لن يتطرّق لِماماً الى الاتفاق، ولن يثير بالتالي مسألة الاجراءات التي كانت السلطات اللبنانية قد وعدت بتنفيذها عندما جرى توقيع الاتفاق على مستوى الموظفين في نيسان 2022. وبالمناسبة، سيلفت الوفد المسؤولين الى انّ عاماً كاملاً مرّ على الاتفاق الاولي، وهذه فترة طويلة جداً، نادراً ما تحدث، لأنّ الدول التي توقّع الاتفاقيات الاولية غالباً ما تكون جاهزة ومتحمّسة لاستكمال الملف للوصول الى برنامج التمويل. في حين انّ السلطات اللبنانية تبدو غير مستعجلة، وهي لا تزال في المرحلة البدائية من تنفيذ الاجراءات، ولا تزال تسأل هل نقرّ الكابيتال كونترول أولاً ومن ثم خطة التعافي، أم نقرّ المشروعين معاً؟ وهي، وفق المؤشرات، لن تقرّ لا هذا ولا ذاك.

 

ومن خارج سياق مهمة الوفد الذي سيزور بيروت، لا بد من الاشارة الى الاجواء في صندوق النقد حيال الملف اللبناني مُتناقضة. من جهة، هناك ما يشبه اليأس والقرف حيال ما تُظهره السلطة من عجز غير مُبرّر. وفي المقابل، يشعر مسؤولو الصندوق، وعلى رأسهم مديرته كريستالينا جورجييفا، بقدرات الكادرات اللبنانية وتَمايزها في دول المنطقة والعالم. وهذا الواقع يظهر بوضوح في المرارة الصادقة التي تظهر في كلام مديرة الصندوق، عندما تتحدث عن الفارق بين قدرات اللبنانيين ومؤهلاتهم، وبين طريقة إدارة البلد. وهي لا تدرك هذا الواقع من اللبنانيين الذين تتعامل معهم في الصندوق فحسب، بل ايضاً لمست هذا الامر عندما كانت تتابع على الارض ملف مساعدة السوريين النازحين خلال اشتداد الحرب في سوريا، وفوجِئت بكمية ونوعية اللبنانيين المؤهّلين للمساعدة، والحديث هنا يدور حول الاطباء والمهندسين والمهنيين والاخصائيين النفسيين… وقد لمست لمس اليد انّ لبنان خزان هائل للطاقات البشرية غير الموجودة في اي دولة في المنطقة.

 

اللقاء الذي عقدته جورجييفا مع إعلاميين لبنانيين في دبي على هامش قمة حكومات العالم، وإن كان ليس للنشر، والمجالس بالامانات، إلا انه مسموح أن نكشف انّ الانطباع الذي تَكوّن هو ان مديرة الصندوق مُعجبة بقدرات اللبنانيين، ومندهشة بعض الشيء كيف ان هذا الشعب يعجز عن اختيار ممثلين يشبهونه في السلطة.

 

لكن الملاحظة الثانية التي ينبغي أن تُذكر ايضاً، ودائماً من دون الكشف عن مضمون ما قالته جورجييفا، هو انّ الصندوق، مثله مثل معظم الحكومات العالمية، مرتاح لفتح ابواب البلد الصغير امام النازحين السوريين، وانّ جزءاً من استمرار الاهتمام الدولي بلبنان، وإمكانية مساعدته في الحد الأدنى، مُرتبط بهذا الملف تحديداً. وهذا يعني انّ في مقدور اللبنانيين، وما داموا يتحمّلون اليوم تداعيات النزوح، وبانتظار ان ينجحوا في اعادة هؤلاء الى وطنهم لأنّ لبنان لا يتحمّل استمرار وجودهم، أن يستغلّوا هذا الوضع بشكل اكبر، وأن يضغطوا للحصول على مساعدات سريعة تعوّضهم بعض الشيء الاضرار الجسيمة التي تصيب اقتصادهم، جرّاء وجود النازحين السوريين عندهم.

 

تبقى الاشارة الى ان المؤشرات القائمة حتى اليوم لا توحي بأنّ الصندوق اقتنع بضرورة تغيير خطة الانقاذ الحكومية، وهي خطة مُجحفة في حق الناس. وبالتالي، لا بد من توحيد الجهود في الداخل، وتحضير ملف مشترك بين الحكومة ومجلس النواب، يجري تقديمه الى وفد الصندوق عندما يزور بيروت، لأنّ التقرير الذي سيحمله الوفد ستتمّ مناقشته من قبل المجلس التنفيذي في الصندوق، وقد يساهم ذلك، وفي حال جرى تقديم خطة منطقية ومتماسكة، في تغيير موقف ادارة الصندوق، للتوافق على خطة بديلة، تكون أفضل من الموجودة حالياً، والتي لم تُقر حتى الآن في المجلس النيابي، وقد لا تُقر أبداً، بسبب عدم قدرة اي نائب على توقيع خطة تتضمّن شطباً شبه كامل لودائع الناس.