IMLebanon

كلّما عرفت اليمن.. أدركت كم تجهله

 

ليس معروفاً بعد هل يمكن اعتبار فشل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث في عقد حوار مباشر أو غير مباشر بين «الشرعية» والحوثيين في جنيف دليلاً على أنّه لا يعرف شيئا عن اليمن.. أو أن الأمر يتعلّق برغبة في إطالة الحرب الدائرة في ذلك البلد البائس إلى ما لا نهاية. هناك من يتحدّث عن رغبة في مزيد من التفتيت لليمن كي لا تقوم له قيامة في يوم من الأيّام، علماً أنّ الذين يلتقون مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة يؤكدون أن الأولوية بالنسبة إليه هي وقف القتال والتخفيف من عذابات اليمنيين.

 

توجد بالفعل أسئلة يطرحها يمنيون، بينهم من قابل غريفيث مرات عدّة، مرتبطة بقدرة الرجل على أداء الدور المطلوب منه. في النهاية هناك معادلة سياسية في منتهى البساطة. تقوم هذه المعادلة على أنّ ليس لدى الحوثيين (أنصار الله) ما يقدمونه من أجل المساهمة في قيام سلطة مركزية في اليمن، وليس لدى «الشرعية» ما يمكن أن تسترضي به الحوثيين. هؤلاء يؤمنون بأنّ لديهم حقّاً إلهياً بحكم اليمن، إضافة إلى أنّهم لا يمتلكون قرارهم. القرار الحوثي خارج اليمن. إنّه في إيران وليس في أيّ مكان آخر. لذلك لا خيار آخر لدى «الشرعية» غير تغيير الوضع على الأرض في حال كان مطلوباً الوصول إلى مرحلة يمكن فيها التفاوض جدياً مع «أنصار الله» من أجل وضعهم في الخانة التي يجب أن يكونوا فيها وجعلهم يأخذون حجمهم الطبيعي.

 

ليس هناك إلى الآن سبب واضح يبرر فشل انعقاد الحوار الذي دعا إليه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في جنيف في السادس من أيلول (سبتمبر) الجاري باستثناء أن الرجل لا يعرف من هم «أنصار الله» وما التجارب التي مرّ بها اليمن في السنوات القليلة الماضية. ليس معروفاً كيف يمكن لمبعوث للأمين العام للأمم المتحدة الدعوة إلى لقاء في جنيف من دون ضمانات من المشاركين ومن دون تأمين كلّ الشروط لوصول هؤلاء إلى المدينة السويسرية.

 

كان مفترضاً في غريفيث أن يطرح منذ البداية ما الفائدة من لقاء بين الحوثيين و«الشرعية» في وقت ليس لدى الحوثيين ما يقدمونه أو يطرحونه على الطرف الآخر. إذا كان مطلوباً التوصل إلى تبادل للأسرى، فمثل هذا الأمر لا يحتاج إلى لقاء في جنيف، بل يمكن التفاوض بطريقة غير مباشرة بين الطرفين بغية التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن.

 

يصبّ كلّ ما يجري في اليمن هذه الأيام في اتجاه إطالة الحرب الدائرة. اللافت أنّ منطقة سيطرة الحوثيين خالية من أي حراك داخلي، على الرغم من أن وضع المواطنين المقهورين في حال يُرثى لها على كل المستويات. كان علي عبدالله صالح الوحيد الذي حاول زعزعة السيطرة الحوثية على صنعاء. كانت النتيجة أنّهم غدروا به في الرابع من كانون الأوّل – (ديسمبر) 2017 واسكتوا بذلك كل صوت يعترض على سلوكهم بالحديد والنار. أكثر من ذلك أخذوا إثنين من أبنائه، هما صلاح ومدين رهائن مع آخرين من أفراد العائلة.. كما يرفضون إلى الآن تسليم جثمانه إلى ذويه!

 

في وقت تبدو فيه الحاجة ملحّة إلى إعادة تشكيل «الشرعية» لتكون في مستوى الأحداث، ليس في استطاعة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تجاهل بعض البديهيات، اللهمّ إلّا إذا كان قد بدأ يقتنع بأنّه يقوم بمهمة مستحيلة. في مقدّم هذه البديهيات أنّ الحوثيين لا يريدون التفاوض إلّا استناداً إلى شروط معيّنة لا يستطيع أي طرف يمني آخر تلبيتها أو القبول بها. الأهمّ من ذلك كلّه، أن «أنصار الله» ليسوا في وارد الأخذ والرد إلّا في شأن أمر واحد هو تثبيت القبول بهم كأمر واقع في شمال اليمن بعد فشلهم في التمدد جنوباً وصولاً إلى عدن.

 

إذا أخذ مارتن غريفيث هذه البديهية في الاعتبار، فضلاً عن الاستفادة من تجارب المبعوثين اللذين سبقاه وهما جمال بنعمر واسماعيل ولد الشيخ أحمد، لا يعود مفرّ من الوصول إلى نتيجة واحدة. تتمثّل هذه النتيجة في أنّ الضغط العسكري هو وحده الذي ينفع مع «أنصار الله». لولا الضغط العسكري الذي مارسه «التحالف العربي» منذ آذار – مارس 2015، لكان الحوثيون الآن في المكلا وعدن والمخا ومناطق أخرى.

 

من هذا المنطلق، كان من الخطأ ممارسة ضغوط دولية من أجل وقف معركة الحديدة… هذا إذا كان مطلوباً في نهاية المطاف التفاوض مع الحوثيين الذين لا ينكر أحد أنّهم جزء من النسيج اليمني. هذا لا يعني في طبيعة الحال أنّهم اليمن كلّه أو أنّهم يمثلون كلّ شمال اليمن. فبعد استيلائهم على صنعاء وممارساتهم ذات الطابع الغريب عن البلد، لن يتمكنوا في يوم من الأيّام أن يكونوا الفريق المهيمن على أبناء المذهب الشافعي الذين يُشكلون الأكثرية في اليمن، خصوصاً في المناطق الوسطى والمحافظات الجنوبية.

 

كانت مشكلة اليمن، في جانب منها، إلى ما قبل فترة قصيرة، أن ليس في الإمكان التفاوض مع الجانب الحوثي. الحوثيون تابعون لإيران من جهة ويؤمنون، من جهة أخرى، بأنّهم جاؤوا إلى صنعاء قبل أربع سنوات من أجل إقامة نظام جديد يحيي النظام الإمامي الذي كان قائماً قبل السادس والعشرين من أيلول (سبتمبر) 1962. فاقم هذه المشكلة عجز مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة عن التعاطي مع الواقع اليمني كما هو وليس كما يتصوره هو. فاليمن ليس بلداً عادياً وطبيعياً تنطبق عليه المقاييس التي يمكن أن تنطبق على بلدان أخرى. الأهم من ذلك كلّه أن الحوثيين ليسوا طرفاً يمكن التفاوض معه والتوصل إلى اتفاقات قابلة للتطبيق. من يحتاج إلى دليل على ذلك يستطيع العودة إلى «اتفاق السلم والشراكة» الذي وقعه الحوثيون مع «الشرعية» بعد إحكام قبضتهم على صنعاء في خريف العام 2014. لم تمضِ أيّام إلّا ووضعوا الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي في الإقامة الجبرية بعد إجباره على الاستقالة. أمّا المثل الآخر على مدى احترام الحوثيين للاتفاقات فهو مصير علي عبدالله صالح الذي أقام شراكة سياسية معهم..

 

إذا كان مارتن غريفيث يعتقد أنّ اليمن بلد طبيعي، فمن الأفضل أن يستعين بما يقوله الذين لديهم خبرة سنوات مع هذا البلد وأمضوا أياما طويلة فيه منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً. يقول هؤلاء: كلما عرفت اليمن، أدركت كم أنك تجهله!