IMLebanon

قصّة «الموساد» عن إغتيال نصرالله الإفتراضي

إستخدم «الموساد» جريدة «يديعوت احرنوت» الإسرائيلية ليسرّب عبرها تقريراً يفيد أنّ رحلة السيد حسن نصرالله الى دمشق جرت تحت عيون الأمن الإسرائيلي، وأنه كان يمكن إسرائيل أن تغتاله لو أنّ ذلك يشكّل لها أولويةً حالياً!!.

يندرج هذا التقرير ضمن الحرب النفسيّة الناشبة بين «الحزب» وإسرائيل، ويبيّن تحليله أمنياً أنّ مادته الإستخبارية المقصود تسريبها تقع في الجمل الآتية: أنّ تل ابيب علمت مسبَقاً برحلة نصرالله الى دمشق، وواكبته طوال فترة سفره التي استغرقت 90 دقيقة، والتي تنكّر خلالها نصرالله بزيّ رجل أعمال، وأنّ إسرائيل امتنعت عن اغتياله لأنّ ذلك ليس اولوية لها في هذا الوقت.

وأنّ الأمن الإسرائيلي استقى معلوماته عن هذه الرحلة من خلال جواسيسه المزورعين في بيئة «حزب الله»، ومن خلال طائرات استطلاعية تجسّسية هي أكثر ما يقلق نصرالله بحسب التقرير عينه.

وحسب مختصّين متابعين فإنّ هناك غير سبب رئيس دفع «الموساد» الى نشر روايته الافتراضية عن اغتيال نصرالله، والإيحاء بأنه كان يمكن جعل هذا السيناريو حقيقة، لو أنّ إسرائيل تعتبر نصرالله حالياً اولوية!

ومن بين هذه الاسباب إشاعة جوّ تحقيق نصر إسرائيلي معنوي بين أجواء الجبهة الداخلية في إسرائيل، بهدف امتصاص حالة قلق الشارع الإسرائيلي الناتج من تساؤله عن «السبب الخطر» الذي يدفع إسرائيل الى إجراء أكبر مناورة عسكرية منذ العام 1992 تحت عنوان التدرُّب على مواجهة الحزب.

ثمّة هدف آخر يتحدّث عنه متخصّصون يمتازون بأنهم الأكثر عمقاً في معرفة رؤية «الموساد» للحرب النفسية مع الحزب، ومفاده تنفيذ نظرية تسود الخبراء النفسيّين في «الموساد»، وتوصي بوجوب المداومة على الاستثمار في إنجاز إسرائيل باغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله» السيد عباس الموسوي، بصفته حدثاً كسرت فيه إسرائيل الخطوط الحمر مع الحزب.

وأيضاً بصفته الحدث الأبرز الذي هزّ وجدان نصرالله، وعليه فإنّ المطلوب بذل جهود داخل الحرب النفسيّة لجعل نصرالله يعاني من «عقدة الموسوي»، بغية إرهابه و»كي وعي معنوياته».

ضمن هذا الإطار بدا واضحاً تقصّد «الموساد» أن يقدّم عبر تقرير «يديعوت احرنوت» روايةً عن «عملية اغتيال افتراضية لنصرالله»، تشبه الى حدّ بعيد وقائع القصة الحقيقة لعملية اغتيال الموسوي الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية خلال توجّهه من الجنوب الى بيروت بعد إلقائه خطاباً في احتفالٍ أُقيم في منطقة النبطية، وذلك من دون الإفصاح العلني عن هذا الربط، ولكن مع إيحاء خلفيّة التقرير بأنّ اغتيال نصرالله خلال ذهابه الى دمشق، كان يمكن أن يتم، لو أنّ إسرائيل تعتبره أولوية الآن!!.

وفي نظر متابعين أنه على رغم ضعف عناصر الأدلّة التي أفردها التقرير والتي تثبت صحّة رواية «الموساد» المسرَّبة، إلّا أنها تعكس رسائل خطرة، بينها ما يبدو أنّ إسرائيل تلمح الى أنها تمهّد لإظهار أنها قد تتحرّر من عقدة الخطوط الحمر مع «حزب الله»، وأنّ هدف اغتيال نصرالله، قد يتحرّر لحظة بلوغه أولوية في ميزان أمنها من المعادلة التي تجعل إسرائيل تتجنّب نكء توازن الرعب القائم بينها وبين الحزب.

ثمّة اعتقاد بأنّ ما تقدّم هو جوهر رسالة «الموساد» عبر تقرير «يديعوت احرنوت»، وقد تكون هذه الرسالة وصلت أجواؤها الى الحزب قبل نشر هذا التقرير، بدليل تقصُّد نصرالله استهلال كلامه في خطاب الأخير في بعلبك، بقوله إنه كان يعتزم الحضورَ شخصياً، لكنّ الشباب (يقصد الأمن في الحزب) قالوا لي يا سيد، الإسرائيلي في مأزق حالياً، قد يجعله يتهوّر بإستهداف حياتك.

لا ينقل نصرالله عادةً الى العلن ما يدور من تفكيرٍ أمني داخل الحزب، إلّا إذا أراد من خلال ذلك توجيه رسالة الى إسرائيل. ولذلك تمّ تفسيرُ كلامه عن موضوع مشاركته الشخصية في الاحتفال، على أنه رسالة لإسرائيل بأنه يعلم مأزقها، وأنه قد يراودها تفكير اليائس باغتياله. وكان لافتاً لهؤلاء المتابعين أيضاً أنّ نصرالله أكمل رسالته الأولى برسالة ثانية جاءت في نصف خطابه وضمن سياق آخر حين كشف عن رحلته الى دمشق.

وأنه أراد من ذلك ليس فقط الردّ على لبنانيين منتقدين صفقة إخراج مسلّحي «داعش» من الجرود، بل أيضاً توجيه رسالة الى إسرائيل مفادها أنّ «تهديدَكم لحياتي لا يخيفني، فحينما يتحتّم عليّ التحرّك فإنني أتحرّك».

الى ذلك كان لافتاً ما ذكره تقرير «يديعوت احرنوت» من أنّ أجهزة الأمن الإسرائيلية اعتمدت في رصدها رحلة نصرالله الى دمشق على طائرات بلا طيار التي أوحت بأنها تراقب في استمرار البيئات المكانية السرّية لنصرالله، وايضاً على معلومات جواسيس إسرائيليين مزروعين في بيئة «حزب الله».

ومن غير المستغرَب أن تسرّب إسرائيل معلومات عن الطرق التي تراقب بها نصرالله، وخصوصاً الكشف عن وجود جواسيس تابعين لها مزروعين في بيئة الحزب.

هذا الجزء من رواية «يديعوت احرنوت»، بالاضافة الى تنكّر نصرالله بزيّ رجل أعمال، توحي أنّ «الموساد» لم يكن همُّه أن يصدّق نصرالله روايته، بمقدار ما كان يهمّه توجيه رسالة معنوية الى الداخل الإسرائيلي وتوجيه رسائل مضمرة الى نصرالله نفسه، وقوامها أنّ تكرارَ اغتيال الموسوي قد لا يعود خطاً أحمر في حال تجاوز خطاً أحمر ما، قد يكون المقصود به تمدّد «حزب الله» نحو الجولان.

ثمّة نظرية أخرى ترى أنّ تسريب جهاز «الموساد» قصة معرفته المسبَقة بزيارة نصرالله لدمشق، حتّمته رغبته برفع الإحراج عنه لا أكثر، خصوصاً في هذه المرحلة التي تعاني فيها إسرائيل من «تهلهل» صورتها الاستراتيجية في عيون مواطنيها. وبحسب هذه النظرية فإنّ مجرّد قول نصرالله إنه زار سوريا، فهذا يهين استخبارات إسرائيل امام الرأي العام الإسرائيلي، كونها لم تلحظه أو لكونها لحظته وجَبُنَت عن اغتياله.

وهذا ما يفسّر ردّ «الموساد» عبر تقرير «يديعوت احرنوت» أنّ إسرائيل رأته «ولكنّ اغتياله ليس أولويتها». وهذه العبارة الاخيرة تشكّل تجاوزاً فاضحاً للحقيقة في نظر متابعي رؤية «الموساد» لنصرالله، فهي نفسها أطلقت قبل مدة غير قصيرة التعريف القائل إنّ «نصر الله هو السرّ الكبير في قوة حزب الله»، ولكنّ مشكلة اغتياله تقع في أنّ إسرائيل لا تعرف حجم ردة الفعل عليها؟

هناك تجربة حيّة على هذا الصعيد، فخلال مرحلة تفكير حكومة الثلاثي نتنياهو ـ اشكنازي ـ ايهود باراك، في إيجاد طريقة لتوريط اميركا بشنّ حرب مع إسرائيل على إيران، طُرِحت فكرة إقدام تل ابيب على اغتيال نصرالله، الأمر الذي يستفزّ طهران ويدفعها، بحسب السيناريو الإسرائيلي، الى ضرب إسرائيل، ما يقود تل ابيب الى الردّ بقصف مفاعل إيران النووي، وبذلك تتّجه الأمور الى توسّع الحرب وتوريط أميركا بدخولها. لكنّ هذه الفكرة سقطت أمام هواجس عدم يقين إسرائيل من كلفة اغتيال نصرالله عليها.