Site icon IMLebanon

أخطر رجل!

 

يريد فلاديمير بوتين من الغربيين «إحترام» «المجال الحيوي» لبلاده، لكنه لا يحترم سيادتهم وأمنهم الوطني والقومي. ويريد معاملة «ندّية» لكنه يتوسل أساليب غير سويّة ولا شرعية وآتية من العوالم السفلى. ويريد أن لا تُهان «كرامة» روسيا لكنه يفعل أي شيء لإهانة كرامة أي بلد آخر يضعه في خانة العداء.. يبحث عن الدور المحوري والقطبي بأدوات زقاقية! ويتطلع إلى إعادة إحياء الماضي الامبراطوري بأدوات ميليشيوية! ويبحث فوق ركام ضحاياه عن رفعة مدّعاة وأمجاد تليدة.. وفي مخياله أنّ كل «معركة» يخوضها تشبه دخول «الجيش الأحمر» إلى برلين! وكل كيان يستهدفه يشبه مقر «الرايخ الثالث».

 

والمعضلة في أساسها، هي انكسار الميزان في حساباته. تماماً مثل حليفه «المرشد» في إيران: يريد ولا يملك أسباب تلك الإرادة! ويعرف أن الندّية التي يطلبها في عالم اليوم ليست ممكنة في ضوء فقدانه أسبابها وظروفها ومعطياتها وأرقامها، في الاقتصاد والمال وطبيعة النظام وسائر مقوّمات الحداثة والمتانة والرخاء وصولاً إلى البنيان العسكري التقليدي! لكنّه يريد تلك الندّية! ويبحث عنها ويسعى إليها. وفي سبيل ذلك يعتمد المبدأ الإيراني الماسّي: بدلاً من الاقتناع بالحجم والدور والأقدار يذهب إلى التخريب. والقاعدة المثلى في هذا هي ضرب مراكز قوّة الآخرين وإرباكهم، ثم البناء على ذلك ليصير الركام متساوياً، في أحسن الأحوال، وأقل ريادة مما هو عليه (حتى لو صار ركاماً!) في أسوأها!

 

والعنصر العدائي البدائي لا تعوزه فوائض الذات والامتلاء الرسالي. بحيث تصير كل خطوة خارجية في محيطه، وعند غيره، شكلاً من أشكال التآمر والحصار! وسبباً لدبّ الصوت عالياً وتحذيراً من «استهداف» عدواني خارجي للتجربة الخاصة! وزحفاً باتجاه مثاله الأفلاطوني الرائد لكسره ومسحه بالأرض.. وتلك توليفة عصابية مأزومة لا تولّد سوى الإمعان في تفريخ الأزمات والكوارث والنكبات.. عدا عن كون الأمر في جملته مصيبة تامة طالما أنّ المدّعي القاصر يعتبر (مبدئياً) كل نجاح للآخر، تثبيتاً لفشله هو، وتأكيداً لذلك الفشل!

 

فلاديمير بوتين الذي لا يزال يتحسّر على انهيار «الاتحاد السوفياتي»، ويستمرّ في ندب ستالين وأيامه، يمثل تكثيفاً لتلك الظاهرة الغريبة: رسالي ديني لكن بثوب مدني. ومؤدلج عصابي لكن بلغة ليبرالية! يحاجج الغربيين بلغتهم لكنّه «يستخدم» معهم وضدّهم عدّته الخاصة. وهذه وليدة خلفيّته الاستخباراتية الأمنية. وتأصّل الفرض والإكراه والتوجيه والتلقين في بنيته الفكرية! يجري «انتخابات» رئاسية لكن تحت سقف ديمومته المؤبّدة في مواقع الصدارة، وتغييب أي منافس حتى لو كانت حظوظ هذا معدومة بالتمام والكمال! يدخل إلى نظام السوق لكنه، يمسك في يده جلّ المال ورؤوسه وأصحابه! وطريقته في نفي تدخّله التخريبي في الانتخابات الرئاسية الأميركية تدلّ على شخصيته العميقة التي بُنيت وتطورت في زمن الحرب الباردة: لا يرى العيب في القرصنة واللعب غير الشرعي واللاأخلاقي، بل يردّ ذلك العيب إلى «طبيعة» النظام الأميركي نفسه الذي «يسمح» وفق قياساته الذهنية، «بكل هذه الفوضى»!

 

رجل حديث آتٍ من عالم قديم! وخطورته العظمى أنّه مشبّع باليقينيات الذاتية، والنكران: يرفض الإقرار بانكسار كل ما آمن به ونشأ في ظلّه. ويحاول العودة إلى الماضي لكن من دون مقوّمات ذلك الماضي! وعدّته في ذلك تبدأ من تسميم معارض روسي في لندن، وقرصنة المواقع الإلكترونية في المؤسسات السيادية الغربية، ولا تنتهي باختبار أسلحته الجديدة بالأطفال والمدنيين السوريين.. ولا باستسهال «الحديث» عن قدراته النووية!